تذكيرُ-البشرْ-بهذه-العشرْ

خالد علي أبا الخيل
1439/10/24 - 2018/07/08 20:05PM

تذكيرُ-البشرْ-بهذه-العشرْ

التاريخ: الجمعة:20 –ربيع أول-1439 هـ

الحمد لله، الحمد لله على الغنائم، ونشكره على ما أعطى من المكارم، أحمده سبحانه على نِعمه ومنها نعمة المواسم، وأشهد أن لا إله إلا الله تؤمِّن المرء يوم العظائم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الخصال والمكارم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه من كل قاعدٍ وقائم.

أما بعد: عباد الله اتقوا الله جلَّ في علاه.

عباد الله: تأملوا سرعة مرور الليالي والأيام وانقضاء الشهور والأعوام، انظروا بالأمس نترقب هلال رمضان واليوم مضى ثُلثيه وكأنه ما كان.

بالأمس نفتتح رمضان بالتهاني والدعوات، واليوم نسكب الدمعات، ونُرسل العبرات، بالأمس نُبرمج ونُرتب فانقضـى ما مضـى ونتعجب، السؤال المطروح لمبتغي الخير يغدو ويروح ماذا عملت في الأيام الماضية؟ ماذا أودعت الأيام الخالية؟

إن كانت الجدية والعمل، والقراءة والقيام، والذكر وصالح العمل، فارفع شعار الحمد لله، فمن شكر الله زاده الله، وداوم على الطاعة ورضاه فالمكارم لا تُنال إلا بالمكاره ومُبتغاه، وإن كانت الأخرى الإهمال والكسل، وتضييع الأوقات وسوء العمل، والتسويف والتمني والملل، فتدارك أيامك وأصلح حالك وبادر زمانك.

إن هذه العشر المباركة، وهذه الأيام الفاضلة، وهذه الليالي السعيدة هي نهاية الشهر وخاتمة الليالي الغُر كم من مستقبلٍ لها لم يستكملها؟ وكم من مؤمِّلٍ بالعود إليها لم يدركها؟هل تأملت الأجل ومسيره؟! وهل تبينت خداع الأمل وغروره؟! (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (لقمان:34).

إن المؤسف أن تمضـي هذه العشـر على السهرات والقنوات، وشرب الدخان والمخدرات، تمضـي هذه العشـر في الذهاب إلى الأسواق والشراء لما لذَّ وراق، فانظر إلى المتسوقين والمتسوقات في المعارض والمتاجر والمحلات، إن الحاجيات لا تنتهي والطلبات لا تنقضـي والمرء يريد ما يريد الناس، وهذا من حقه دونما بأس، لكن ينبغي أن تُقضـى الحوائج في النهار، وفي وقتٍ يسيرٍ باختصار حفاظًا على الأوقات، وصيانةً للحظات.

معشـر الناس: ومن الناس من في هذه العشر يكثر نومه، فجُل وقته في النهار نائم، وفي الليل هائم، بل ربما نام عن فرضه، فنام عن الظهر والعصر عياذًا بالله.

ومن الناس أيها الناس من همه التكسع في الأسواق، وملاحقة النساء والمردان، وكذا تبرج النساء بأعبيةٍ مخصَّـرة، وألبسةٍ فاتنة، وثيابٍ ضيقة، فيفوت الخير على الكثير من النساء في التجول في الأسواق.

ومن الناس في هذه العشر كلما قرب الرحيل أزف التحويل، وكلما أخذ رمضان في النقص أخذ هو في النقص، وكلما قربت أوقات الرحمات والعتق من النار والدركات، والعطايا والهبات والفوز بدار الأبرار ازداد في الكسل والتفريط وسوء العمل نومٌ وغفلة، وسهوٌ وتفريط.

وهذا خلاف المطلوب والعمل المرغوب، فمن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشـر أحيا الليل، وشد المئزر، وأيقظ أهله، وجد واجتهد ما لا يجتهد في غيره مثله، فنفعه لنفسه ونفعه لغيره وأهله، وهكذا ينبغي على الآباء والأمهات تشجيع أولادهم وأهلهم وحثهم وترغيبهم، وتحفيظهم وتذكيرهم بالقراءة والدعاء، والتهجد والوفاء، تنشئةً على العبادة وحضور دعوة المسلمين أحضرهم معك للصلاة مع ملازمة الآداب والإنصات، أيقظ زوجتك والبنات لتكتب في سجل القائمين والتالين للآيات، هذه العشـر نهاية الشهر، وخاتمة وعصارة العمر تنقص الشهر.

تنقَّص الشهر والهفاه وانهدم

 

واختص بالفوز بالجنات من خدمَ

وأصبح الغافل المسكين منكسـرًا

 

مثلي فيا ويحه يا عُظم ما حُرِمَ

من فاته الزرع وقت البدار فما

 

تراه يحصد إلا الهم والندمَ

طوبى لمن كانت التقوى بضاعته

 

في شهره وبحبل الله معتصمَ

هذه العشـر جمعت البركات والخيرات، عشـرٌ فيها السعادة والريادة، عشـرٌ نزلت ببركتها وخيرها إليك، عشـرٌ فيها البركات الوافرة، والنعم الزاخرة، عشـرٌ أشرقت وبالنور سطعت، عشـرٌ يُعتَق الأسير ويُجبر الكسير، عشـر الدمعات والعبرات والتضـرع والسؤالات، عشـر توفير العطايا والمنح، ويتحصل فيها كل مأمولٍ مُقترح، ويُغفَر للعاصي كل ما جنى واقترح، عشـر الانطراح والبكاء والإصلاح والصلاح، عشـر العطف والتجاوز، والصفح والجوائز، عشـرٌ يتم فيها التكريم والفضل من الرب الكريم، عشر المسابقة والمسارعة، والبذل والمنافسة.

يا نفْسُ فازَ الصالحون بالتُّقَى

 

وأبصَـروا الحقَّ وقلبي قد عَمِىِ

إخواني: جدوا واجتهدوا، فما بقي من الشهر إلا القليل، وبادروا بالأعمال قبل الرحيل فو أسفًا أن تأتي غدًا وأنت حقيرٌ ذليل.

فهذا –عباد الله- شهركم عباد الله قد أخذ في النقص والانصـرام، فخذوا أنتم في الاجتهاد والاهتمام، من كان منكم أحسن فعليه الثبات والتمام، ومن كان فرَّط فليختمه بالحسنى فالعمل بالختام، واستدركوا منه بقية الليالي والأيام، وربما يسعد المرء في لحظةٍ من عشره، فيرتفع درجةً عند ربه.

واحذروا العُجب والرياء، والفخر والخُيلاء، فهذه الليالي ليالي الانكسار والافتقار بين يدي الواحد القهار.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه كان للأوابين غفورًا.

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أقبح ذنبًا من الكافرين، ولا أنعم نعمةً من المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله القوي المتين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين.

أيها المسلمون: من شعائر هذه العشر المباركة وخصائصها البارزة: صلاة التهجد والقيام.

فقم يا أخي ودع عنك التواني والكسل

 

فاز والله من كان بالله متصل

(كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات: 17- 18) (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (السجدة:16)  (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) (الفرقان:64).

وقد تواتر الخبر عن سيد البشـر أن الله ينزل نزولًا يليق بجلاله وعظمته كل ليلةٍ حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول وقوله الحق والصدق : (مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟).

وَقَدْ رَوَى الثِّقَاتُ عَن خَيْرِ المَلاَ

 

بِأنَّهُ ّعزَّ وَجَلَّ وَعَلا

في ثُلُثِ اللِّيْلِ الأخِيرِ يَنْزِلُ

 

يَقُولُ: هَلْ مِن سائلٍ فَيُقبِلُ

هَلْ مَنْ مُسـِيءٍ طالِبٍ لِلْمَعْذِرَةْ

 

يَجِدْ كَرِيماً قَابِلاً للْمَغْفِرَةْ

يَمُنُّ بِالْخَيْرَاتِ وَالْفَضَائِلْ

 

سُبحانه ويُعْطِي السَّائِلْ

قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: صلوا ركعتين في ظُلم الليل لظلمة القبور.

وقيل للحسن: ما بال المجتهدين من أحسن الناس وجوهًا؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن، فألبسهم من نوره.

قم الليل يا هذا لعلك ترشد

 

إلى كم تنام الليل والعمر ينفد

أراك بطول الليل ويحك نائمًا

 

وغيرك في محرابه يتهجد

أترقد يا مغرور والنار توقد

 

فلا حرها يطفى ولا الجمر يخمد

أيها المسلمون: إن جوف الليل ملاذ الخائفين، ولذة العابدين، وأُنس المستوحشين، وواحة المتعبدين، ونعيم الطائعين، ومناجاة المحبين، وخلوة المتقين برب العالمين، فجنبوهم عن المضاجع واجفة وقلوبهم من خشية الله خائفة.

وواظب على درس القرآن فإنه

 

يُلين قلبًا قاسيًا مثل جلمد

ونادِ إذا ما قمت في الليل سامعًا

 

قريبًا مجيبًا بالفواصل يبتدي

ومُد إليه كف فقرك ضارعًا

 

بقلبٍ منيبٍ تُعطى وتسعد

فعينٌ بكت من خشية الله حُرِّمَت

 

على النار في نص الحديث المسدد

هذا وينبغي الاجتهاد والقيام طوال العشـر التمام، فبعض الناس يخص القيام بالأوتار كإحدى وعشرين، والثالث والعشرين، وخمسةٍ وعشـرين، وسبعٍ وعشـرين، وآخر يخص ليلة سبعٍ وعشـرين دون سائر الليالي، وثالثٌ يعمل بالنهار دون الليل أو العكس، ورابعٌ يُقال له مثلًا: ليلة القدر ليلة كذا وكذا، فيجتهد فيها ويدع بقية عشره، والحق أن العشر كلها بلياليها ونهارها محلٌ للاجتهاد إلا الأوتار آكد من غيرها، وبعض الناس إذا فاتته الأوتار ظن أنه في ضيعةٍ وانحسار.

ومن الناس من يجزم بليلة القدر أنها ليلة سبعٍ وعشـرين أو غيرها، وهذا لا دليل عليه، ومن هذا تبادل الرسائل عبر التواصلات الاجتماعية في تويتر وسناب والواتس وغيرها بأن الرُّؤى قد تواطأت ليلة كذا وكذا، أو فلان رآها ليلة كذا وكذا، أو الشمس أشرقت فتجد رسائل الجوال وغيرها تنتشر وكأن ما يُقال هو الحق والصواب.

وهذا لا يجوز اعتقاده فضلًا عن إرساله ونشـره، وليس هناك شيءٌ قاطعٌ على التحديد والتخصيص، حتى ولو توالت المرائي، وإنما من باب حسن الظن والفأل الحسن.

والحق أيضًا أن ليلة القدر لا تختص بليلةٍ من ليالي العشـر، وأرجى الليالي بالموافقة وأحظها بالفضل والعناية ليلة سبعٍ وعشرين، والليلة الشـريفة ذات القدر في الوتر تنتقل بنص الخُبر، وكونها سابعة الليالي في غالب الأعوام والأحوال.

هذا وبعض الناس يتبادل في ليلة القدر علاماتٌ لا دليل عليها أو دليلها ضعيفٌ لا يصح فيها، أو تبادل صور الشمس لها، وبعضهم يخص ليالي الأوتار بعملٍ خاصٍ كالصدقة والعمرة ونحوها، وبعضهم يعتمد على رسائل الواتس فيرسل ويستقبل مما لا علم عنده فيه، وربما أرسل بدعةً فيه (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل:43).

والبعض يشتغل بالملهيات، والرسائل والتنبيهات عن هذه الليالي الشريفات.

فاجتهدوا بارك الله فيكم، واعملوا صالحًا يُنجيكم واختموا شهركم بعشـركم، فالأعمال بالخواتيم، وربما كانت آخر لحظة خيرٌ من ألف لحظة، وربما كانت دمعة تغفر ألف ذلة، فارغبوا واطمعوا وتفاءلوا وارجوا، واجعلوا شعاركم دعاء ربكم لاسيما ما أرشد إليه رسولنا لأمنا عائشة رضي الله تعالى عنها (اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّا) فكررها قائمًا وقاعدًا، ساجدًا وراكعًا، فليلة القدر يُفتح فيها الباب، وتُقرَّب الأحباب، ويُسمَع الخطاب، ويُرَد الجواب.

لليـلـة القدر عنـد الرب تفضيـلُ

 

وفي فضلهـا قد جاء تنزيـلُ

فجُد فيـها على خيـرٍ تُنـال بـه

 

أجرًا فللخير عند الرب تفضيـلُ

يا مَن يُجيب دُعاءَ المُضطرَ في الظُّلَمِ

 

يا كاشِفَ الضَـرّ والبلوَى مَع السَّقَمِ

قَد نامَ وفدُكَ حَولَ البَيتِ وانتَبَهُوا

 

وأنتَ يا حيُ يا قَيُوم لَم تَنَمِ

هذا واختموا شهركم بصدقة الفطر، واسألوا عن مقدارها، ومَن يستحقها، ومتى تُخرَج؟

واختموا شهركم بصلاة عيدكم، فاخرجوا وتأهبوا واستعدوا واعملوا بما سنَّه لكم نبيكم محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

هذا ولا يفوتني أن أنبِّه أنه سوف تُقام صلاة العيد في هذا الجامع بإذن الله تمام الساعة الخامسة والنصف.

 والله أعلم

 

 

المشاهدات 678 | التعليقات 0