تذكير الأنام بمرور الأيام

خالد علي أبا الخيل
1438/01/05 - 2016/10/06 07:08AM
تذكير الأنام بمرور الأيام
التاريخ: الجمعة: 22/ ذو الحجة /1437 هـ

الحمد لله، {الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان: 62]، وأشهد أن لا إله إلا الله، يقلب الله الليل والنهار تبصرة وذكرى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، أكرم عباد الله تقوى.
أما بعد،.
فاتقوا ربكم الذي خلقكم، واتقوا الذي منّ وسخر لكم الليل والنهار.
عباد الله: إن الله جعل في الليل والنهار عبرًا، وفي المساء والصباح فِكَرًا، وجعل في تقلب الليالي والأيام، والشهور والأعوام، عبرة وعظة للأنام، ومن عبرها أنها تطوي الأعمار، وتنهي الآجال، فالعمر محدود، والزمان معدود، فالدنيا ساعة، فاجعلها طاعة.
ألا إنما دنياك ساعة!
***
فاجعل الساعة طاعة

واحذر التقصير فيها
... ... ***
واجتهد مقدار ساعة

دقات قلب المرء قائلة له:
*** إن الحياة دقائق وثواني

يقول أبو الدرداء: إنما أنت أيام، كلما مضى يوم مضى بعضك.
قال بعض الحكماء: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟! كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله، وحياته إلى موته؟!.
أليس من الخسران أن لياليًا
***
تمر بلا نفع وتحسب من عمري؟!

إن الإنسان –إخوتي في الله- يفرح بمرور الأيام، وتمام الأعوام، لينال مرتبًا أو جُعلًا أو رزقًا أو عطاء، أو دينًا أو قسطًا، أو علاوة أو أجرة، أو بيعًا أو شراء، يفرح، ومن حقه أن يفرح فيما أباح الله له، ولكن السؤال هو أن الفرح في الحقيقة فرح بانتهاء الأيام، وانقضاء الأعوام.
نجد سرورًا بالهلال إذا بدا
*** وما هو إلا السيف للحد يُنتضى


إذا قيل: تم الشهر. فهو كناية
... ... *** وترجمة عن شطر عمر قد انقضى


إنا لنفرح بالأيام نقطعها
*** وكل يوم مضى يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا
*** فإنما الربح والخسران في العمل


أيها المسلمون: إن الذي تمضي به الأيام كالذي يعبر الأسفار، فيقطع الفيافي والقفار، يقرب من مراده، ويبعد عن وطنه وأحبابه، فهكذا الأيام، تقرّب في كل لحظة من الآخرة، وتباعد من الدنيا، الليل والنهار يقربان البعيد ويبليان الجديد.
أيا ويح نفسي: من نهار يقودها
***
إلى عسكر الموت وليل يذودها

فالسعيد من بادر الزمان، وسارع إلى إرضاء الرحمن، وتاب وأناب واستعد ليوم الحساب.
أيها الإخوة المسلمون: نحن مسافرون، نعم، نحن مسافرون، وسوف نستغل إلى سفر بلا عودة منذ إن خرجنا من بطون أمهاتنا، فنحن مسافرون.
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر
*** ولا بد من زاد لكل مسافر


ولا بد للإنسان من حمل عدة
*** ولاسيما إن خاف صولة قاهر


إنكم –عباد الله- في هذه الأيام تودعون عامًا شاهدًا عليكم، وتستقبلون عامًا جديدًا مقبلًا إليكم، تمر الأسابيع وتمضي الشهور والأعوام، وتطلع شموس وأقمار وتغيب، وتظهر نجوم وتنير، وتأفل وتغور، فإذا العام قد انقضى، عام جديد حلّ، وعام مضى.
نعم –عباد الله- فالعاقل الناصح الموفق من استعد لما أمامه، وأخذ من شبابه لهرمه، ومن فرغاه لشغله، ومن حياته لموته، ومن غناه لفقره، ومن صحته وعافيته لسقمه ومرضه، والتأني في كل عمل محمود إلا في عمل الآخرة فهو غير محمود، فالمرء لا يدري ما يعرض له من موت أو عائق أو حائل بينه وبين العمل الصالح، فقد تتغير الحال، ودوام الحال من المحال، وتنقلب الأمور، وتنعكس ما في الصدور، ليفكر كل واحد منا ماذا في عمر أمضاه؟ وشباب أبلاه؟ ماذا في عام خلّفه وأيام تركها؟.
أحلام نوم أو كظل زائل
*** إن الذي بذي بمثلها لا يخدع


ليفكر كل واحد منا، ماذا أودع تلك الأيام، وملأها بطاعة الملك العلام؟ كم نافس وسابق؟ كم سارع ولاحق؟ كم قربة اجتهد فيها؟ وعمل مبرور سعى إليه؟ ليفكر كل واحد منا، ما مدى حاله مع ما أوجب الله عليه؟ هل قام وأداه، وأرضى مولاه؟ أم هو اتبع شيطانه وهواه؟ ماذا عن توحيده لربه والتوكل عليه، وعبادته حق عبادته، وإخلاص العمل له، ورجائه وخوفه ومحبته؟ ماذا عن الصلوات، هل هو من المحافظين للجُمَع والجماعات؟ ماذا عن صيام رمضان وزكاة الواحد المنان؟ ماذا عن حج بيته الحرام وإطابة الشراب والطعام؟ ماذا عن بر الوالدين وصلة الأرحام؟ ماذا عن حسن الجوار وإصلاح الحال، والاستقامة على الأعمال الصالحة؟.
عباد الله: بالأمس المرء صغيرًا حقيرًا، وبالأمس شابًا طريًا، بالأمس قويًا معافى، بالأمس صحيحًا نَضِرًا، واليوم تبدلت الأحوال، وتغيرت تلك الأيام، فهل تغانمنا تلك الأحوال؟ فطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن أودع يومه عملًا صالحًا قبل غروب شمسه من علم ودعوة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وذكر واستغفار وتلاوة لكلام الواحد القهار، طوبى لمن قام الليل وصام النهار، وزار مريضًا، وشيع جنازة، وأطعم مسكينًا وبذل السلام، وهكذا في سلسلة للخير وأبوابه يصعب حصرها، ونوافذ للبر والتقرب مفتوح بابها.
إخوة الإيمان، أمة ولد عدنان: لا بد أن ينظر الإنسان في عمله ويتأمل في حاله، كيف قضى عامه، وفيما صرف أوقاته؟ لا بد من كشف حساب يضعه المرء بين يديه ويحاسب نفسه كما يحاسب الشريك شريكه، من حاسب نفسه الآن أمن يوم الفزع الأكبر والعرض على الرحيم الرحمن، المرء محاسب ومسؤول، { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]، { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36]، عند الترمذي بسند صحيح، عن أبي هريرة وأبي سعيد –رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقال: ألم نجعل لك سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع، فكنت تظن أنك ملاقيّ يوم كهذا؟. فيقول: لا. فيقول: اليوم أنساك كما نسيتني).
عباد الله: إن عامنا يمضي، وذنوبنا تزداد، وأيامنا تنقضي ونحن في غفلة عن الاستعداد، فالمعاصي تلاحق الإنسان في سوقه ومتجره، في عمله وبيته، والذنوب مجالاتها واسعة، لا سيما في هذا الزمان، فالفتن والشكوك تتبع المرء أينما حل، والمعاصي تملأ البيوت، والقنوات الفاسدة تفسد الأولاد، وتهدم الأسر، وتنشر الخزي والفضيحة، وتزين الباطل وتسيء الأخلاق والقيم، وتسبب الفوضى، وتسهل الفاحشة.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، الشكر له على فضله وامتنانه.
هذا: واعلموا –عباد الله- واسمعوا –يا رعاكم الله- فلا يفوتني أن أنبه على بعض الأخطاء في دخول عام، وخروج عام مما انتشر وفشا بين الأنام:
في هذه الأيام تكثر الرسائل الجوالية، والمقاطع اليوتيوبية، والرسائل الواتسية، والتواصلات الاجتماعية:
فالأول منها: التهنئة بالعام الجديد. فلم يرد فيما أعلم -والرد إليه أسلم وأحكم- دليل صحيح، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، لكن إن هنأك أحد فأجبه، وإلا فلا.
الثاني منها: التحسن والتكدر على العام الماضي، وفتح ملفات سوداء، ويأس وقنوط وأسى، وحزن وكدر وعناء، والتعزية بالأيام الماضية. وهذا مما لا دليل عليه ولا سنة.
الثالث: ما ينتشر في الرسائل والوسائل، أن صحيفة العمل تطوى عند نهاية العام، وفتح صحيفة جديدة. وهذا لا دليل عليه، وصحيفة كل إنسان تطوى إذا مات، وتعرض بعد الممات، {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير: 10]، {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13].
الرابع من التنبيهات –أيها الإخوة والأخوات-: أن الأعمال ترفع في نهاية العام. وهذا لا دليل عليه عنه عليه الصلاة والسلام.
وكذا: الاحتفالات برأس السنة الهجرية، أو ذكر الهجرة النبوية، فذاك محدثة بدعية.
السادس: ما ينتشر في رسائل الواتس من طلب العفو والمسامحة، والتجاوز والمغفرة، وطلب الحل والتغاضي عن الهفوات والمناهي. وهذا الفعل ليس له وقت أو زمان محدود، فتقييده إلى البدعة، فالعفو والصفح والتجاوز والتسامح مفتوح في كل زمان ومكان.
السابع –أيها الأخ السامع-: فتح العام الجديد بعبادة كصلاة أو ذكر أو صوم أو دعاء أو ثناء، أو استغفار، أو صدقة، أو عمرة، أو جلوس في المسجد ومواصلة، أو طلب عفو وصفح وصلة، أو ختم العام المنصرم بذلك. وكذا إذا وافق جمعة تأتي الرسائل بالتواصي أنها آخر جمعة على الجلوس والاستغفار، وهذا لا دليل عليه، بل يجلس الإنسان عصر الجمعة طلبًا للإجابة كعادته، فهذا كله من البدع المحدثة التي لا دليل عليها ولا سنة.
الثامن –أيها المؤمن الآمن-: تحديد استغفار أو صلاة على النبي المختار بعدد معين.
التاسع –بوأك الله كل خير نافع-: اعتقاد أن الهجرة وقعت في بداية شهر محرم. وهذا لا دليل عليه، بل كانت في شهر ربيع.
العاشر من التنبيهات: تخصيص محاسبة النفس في هذه الأوقات. والعبد مأمور أن يحاسب نفسه كل وقت وجميع الحالات.
الحادي عشر: اعتقاد أن صحائف الأعمال تعرض وترفع في محرم. وهذا مما لا دليل عليه، أو فتح صفحة جديدة بيضاء مشرقة.
وأخيرًا: الحذر ثم الحذر من الرسائل ووسائل التواصل، والنسخ واللصق والقص، وإعادة التغريدات وريتويت النص، ونشر ذلك عبر الجوالات والواتس، والتعاون على الإثم والعدوان، ونشر البدع والمحدثات، ورسائل الجروبات، فإذا جاءتك رسالة فاحذر إعادتها حتى تعلم حكمها، ومصدرها، وصحتها، أو اردد على صاحبها ما هو دليلك فيها؟ ومن قال بذلك؟، فلو تثبتنا وسألنا لقلة البدع، وقلة المنكرات وسلمنا، لكن البعض ينشر البدع، وهو لا يشعر، فيرسل وينسخ ويقص ويلصق، فاحذر أن تنشر البدع والمحدثات فتبوء بالإثم والخطيئات، فاجعل شعارك: التثبت، واجعل شعارك: اسأل عما ترسل قبل أن ترسل، بل نحارب البدع وانتشارها، وفشوها وإظهارها، ولا نتعبد لله إلا بما جاء عن الله، وعن رسول الله، فهذه التواصلات سهلت ترويج البدع والمحدثات، ويسرت سبل البحث والمقالات، فلا تنظر إلى روعة اللفظ، ولا رونقة العبارة، وجميل الكلمة، وسجع الألفاظ والدعوات، أو قول فلان وفلان من أهل العلم الثقات، أو أن المرسِل محل ثقة وثبات، حتى يحملك ذلك على الإرسال والترويج، والقص والتفويض، بل تثبت وتريث وتأمل وتدبر، فأنت حينما ترسل لا تخلو من حالين: إما أن تكون معينًا على الخير، ناشرًا له، داعيًا إليه، أو تكون معينًا على الإثم داعيًا له عياذًا بالله، وربنا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].
يا من: بحثت عن العطور جميلها
*** ليكون عطرك في الأنام نسيمًا


هل لي بأن أهديك عطرًا فاخرًا؟
*** وهو الدواء إذا غدوت سقيمًا


هو قول رب الخلق في قرآنه:
***
{صلوا عليه وسلموا تسليمًا}

والله أعلم.
المشاهدات 1015 | التعليقات 0