تذكرةٌ في وُجُوب شكْرِ النّعمة. 28/6/1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/06/27 - 2025/12/18 11:21AM

 

‌‌الحمد لله الواحد الأحد الكريم الوهاب، الرحيم التواب، غافر الذنب وقابل التَّوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو، يحب التوابين ويحب المتطهرين، ويغفر للمخطئين المستغفرين، ويقيل عثرات العاثرين، ويمحو بحلمه إساءة المذنبين، ويقبل اعتذار المعتذرين، لا إله إلا هو إله الأولين والآخرين، وديَّان يوم الدين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، يوم لا ينفع مال ولا بنون.

اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يُرجع الأمر كله.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون.

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين؛ فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السرّ والعلانية؛ فهي وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}.

راقبوا الله جل وعلا في كلّ صغيرة وكبيرة، وأكثروا مِن شكر الله على كلّ نعمة، واستغفروه عند كلّ خطيئة وغفلة.

معاشر المسلمين: إنّ خزائن الله لا تنفد، وفضلَه العظيم لا ينقطع، ورحمتَه وسِعت كلّ شيء، قال الله تعالى: {ولله خزائن السماوات والأرض}، وقال: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو ‌الْفَضْلِ ‌الْعَظِيمِ}.

فمن أصلح قلبه وحاله وعمله، وامْتثل أمْر الله في جميع شؤونه: فتح له من خزائنه، وخصّه بمزيدِ رحمةٍ ولطف، وأعطاه من فضله.

هذا في الدينا، وأما في الآخرة: فيُعطيه عطاءً لا يخطر على قلْب بشر، قال الله تعالى على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا ‌عين ‌رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".

ولقد فتح لنا ربُّنا الكريمُ البَرُّ الرحيمُ بعضًا من خزائنه، فأنزل علينا غيثًا طيبًا مباركًا، فرَوِيَت الأرض، وسالت الوديان، ولَطُف بسببه الجوّ، وانشرحت له النفوس.

وأعطانا من فضله ما لا نستحقّه، فجعلنا ننام بين أهلنا آمنين، ونقطع المسافاتِ الطويلةَ رُكبانًا مرتاحين، ونسيرُ في الفيافي شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، لا نخاف من الضَّيَاع، ولا نخشى من هجومِ السباع.

ونعمُ الله تُساق لنا سَوقًا، وتُجبَى لنا ثمراتُ وصناعاتُ معظم بلدانِ العالم، من شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها، وتصل إلى بيوتنا، من غير كدٍّ ولا تعب ولا همّ ولا منّةِ أحَد، عبْر شبكاتِ التواصل التي سخّرها لنا ربُّنا، ودلَّ الإنسان عليها.

فيا عباد الله، يا أمة الإسلام، لا تنْسوا شكر هذه النعم، فقد نسِيَها غيرُنا فسُلبت منهم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌اذْكُرُوا ‌نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ‌اذْكُرُوا ‌نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ‌وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.

{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ ‌وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا لنعمه شاكرين, ولفضلِه سائلين، ومن ذنوبِنا مستغفرين, إنه على كل شيء قدير.

***************

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: إخوة الإيمان: إنّ الله تعالى ما زيّن الدنيا لنركن إليها، ونطمئن بها، ولا يفعل هذا إلا الكافر الجاحد، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ ‌عَنْ ‌آيَاتِنَا ‌غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

وإنما زيّنها لنستعمل زينتها فيما يُرضيه عنّا.

فإذا زيّن الأرض بالغيث فرحنا هذه النعمة, وشكرناه وحمدناه، واستمْتَعْنا بها في حدود ما شَرعه لنا، وبهذا يرضا عنا.

وإذا زيّن حالَنا وأغْنانا أكَلْنا وشرِبْنا وحمدنا، وبهذا يرضا عنا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ ‌فَيَحْمَدَهُ ‌عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ ‌فَيَحْمَدَهُ ‌عَلَيْهَا».

فرضا اللهِ سهلٌ يسير، فالله يُحِلّ عليك رضوانَه بأكلةٍ تأكلها وتستمتع بها، ثم تحمده عليها!

فما أكرم الله، وما ألطف الله، وما أيسر رضاه، وما أعْسر وأصعب رضا الله الخلق.

فالسعيدُ من جعل همّه رضا ربّه، والشقيُّ من جعل همّه رضا خلقِه.

اللهم إنا ارض عنّا رضًا لا تسخط علينا بعده أبدًا، إنك ربنا رؤوفٌ رحيم.

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المشاهدات 247 | التعليقات 0