تدين الشيخ, وفكر التلاميذ..! // عامر بن خلف الشيخ

احمد ابوبكر
1435/11/21 - 2014/09/16 03:36AM
[align=justify]منذ ما يقارب عشر السنوات، التي مضت من العمر جمعتني مدرجات الدراسة بنخبة من الأصدقاء الأفاضل وبصحبة مستوى عالٍ من الرجال، الذي مازلت أفتخر بهم وأعتز بصحبتي معهم، بقي منهم من بقي، ورحل منهم من رحل كسُنة كونية في هذه الدنيا التي ما أن جمعت أُناساً حتى فرقته، في تلك المدرجات الجامعية تبلور فكرنا، وزادت حصيلتنا من العلم والفكر والبحث المُضني عن المعرفة حتى ارتسمت معالم طريقها في حياتنا؛ ومازالت تمهد لنا ذلك الطريق الذي شققناه منذ مبلغنا الحلم، فليس بلوغ المراد بسهل؛ فقد صارعنا الصعوبات غُلبنا وغَلبنا، تكدرت حياتنا حيناً وتناثرت الأفراح على جنباتها حينا آخر، كنا نحلم ونرى ما نبتغيه حقيقة، وكان زادنا بعد الله هو همتنا التي ما لانت حتى ننجز ما كنا نحلم به ونحن طلاّب نسعى للمعرفة، وكان الأمل في ذلك ما كنا نسهر من أجله ونتحاور لأجله؛ نناقش فنؤمن أو نرد بحكمة ولكن على مبدأ وحياد عن التعصب والكراهية، كانت تلك المدرجات الجامعية أرضاً زرعنا فيها آمالنا وجهودنا زرعنا فيها سهر ليالينا التي سهرناها لا لمغنى أو طرب ولا لحب وهوى؛ ولكن سهر من يرى النجوم العوالي قريبة من يديه لينالها مجداً وسمواً، هناك تلقفنا كل خير وتجنبنا كل شر، محصنا كل فكرة قبلناها باقتناع أو رددناها بحجة، كانت مدرجات للعلم والفكر، كانت ساحاتٌ خصبه لبث الفكر والمعرفة بأنواعها، والرابح من (فلتر) كل ما يأتيه كي لا تشوبه أية شائبة نتنة تشتت ما جمعه نقياً أو يهدم ما بناه جهداً وعملا.

كانت في تلك الساحات حرب ضروس، لا سيف فيها أو درع؛ سوى الفكر والمعرفة، والفطن من يعي ويفهم والغبّي من يلزم ويقلّد؛ فيصبح بهيمةً سهلٌ قيادها، كان الأغلب منا رسيس عقلٍ، هين العلم، وكان شيخاً أستاذاً في الفلسفة الدينية، وكانت مادةً ظاهرها سهل وباطنها صعب؛ لا تحد كلماتها العقول، ولا تستطيع على تحملها الصدور، كان يقذف بالشبهات يمنةً ويسرة، وكانت على وجهه علامات الوقار والهيبة ولحيةً بيضاء، وكنت خاط الشارب خفيف اللحية أو تكاد اللحية لا توجد لدي، ولا عمامة على رأسي، وكذلك صاحبي إلا أن لحيته أطول من لحيتي ولكنه مؤمن، وصديقٌ أخر صالح، كنا كثيراً ما نناقش ونحاور ونرفض ونرد، وشيخنا الأستاذ يرمي بشبهات لو أُنزلت على جبل لرأيته متصدعاً من هول ما يقول، فكيف لربٍ خلق كوناً عظيما؛ سماءً وأرضاً،ليلاً ونهاراً، شمساً وقمراً، وأزمنة وأشياء من العدم للوجود؛ كي تكون من الوجود للعدم أن يكون رباً وجوده ظنياً لا حقيقة.

كان غلاف الكتاب بسيطاً في عنوانه، وكُتّابه أساتذةُ معرفة ٍوعلم، وكان شيخنا الأستاذ منظّر متخلخل الاتجاهات؛ يحمل في أفكاره تيارات مسيسة بالدنيا، جعل من الدين بوابة دخول كي ينفث مع أنفاسه فكره المسيس، فكانت اللقيا بين دين وفكر وسياسة، وكان تنظيرا أعمى، وترويجا واضحا للعاقل، وكأني في تلك المدرجات وأنا وأصيحابي، نتعلم كيف نصبح مناظري هذا العتيق في أفكاره، ونحن ما زلنا في الصفوف الأولى من عملنا، فأبدلت مادتنا ضمنياً لا ظاهرياً بين فلسلفة دينية, إلى دراسة فكر إسلامي سياسي، ولكن أي فكر هذا الذي يعتقد بأن وجود الله ظني؟!

مضت تلك الأيام والسنون، وأكاد أتذكر تلك المادة ومحتواها الفاجر، وكذلك أيضا أتذكر صديقي، ولكن هي الأقدار قد جمعتني به ذات ليلة، فكانت لذكرى أيامنا الدراسية، وكان لهذا الموضوع التنظيري نصيب الأسد في لقائنا الحالي، إلا أنني تذكرت وسألت نفسي كم من تلميذ تأثر وتطبّع بفكر هذا الشيخ الأستاذ، وكم من تلميذ نهج منهجه، وكم من تلميذ كانت مقاعد مدرجات العلم لا تهتم باحتضانها له .

كنا ومازلنا نؤمن بأن الدين جامع وحدّ لا يمكن أن نتجاوزه، وبأنه سماءٌ لا يمكن لأفكارنا بأن تخترقها تزلفاً وخديعة، وبأنه عقيدة نعتقد به رسخت بقوة بأرواحنا، وليس لفكرٍ أو سياسية أن يغيرا نصاً أو إقراراً أو عقيدة ، لو شككنا في خالقها لانهارت مشاعر الإنسان لدينا، و لفُضلت الأنعام علينا، كما أن إيماننا بهذا الدين ينبذ وبشدة التحزب والحزبية في رأي وفكر ومعتقد، وينبذ أيضا التمذهب والدعوة للمذهبية، والدخول في عنصرية ظلامية جاهلية لفرد أو كيان.. سوى لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

كلماتٌ حكت عن واقع تلاميذ وأستاذهم الشيخ، مرت سنون العمر عليهم وعليه، ولكن بقيت تلك الآثار التي لم ينسها تلاميذه، أو من شهدوا تلك المناظرة المرة، ولا تمحى تلك "الشخبطات"على أطراف الكتاب وتواريخ الحضور، ما دار هناك.
[/align]
المشاهدات 962 | التعليقات 0