تدبر سورتي الأعلى والغاشية

محمد المطري
1446/01/07 - 2024/07/13 09:26AM

تَدبُّرُ سورتي الأعلى والغاشية (خطبة جمعة)

الحمد لله على نعمه التي لا تُحصى، الحمد لله الذي خلقنا من العَدَم، ورزقنا من النِّعَم، ودفع عنا النِّقَم، الحمد لله على القرآن الذي أنزله ليتدبره عباده، وليتذكر أولو الألباب.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

فالقرآن العظيم خير ما نتذكر به، وخير ما نتدبره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر في صلاة الجمعة من قراءة سورَتي الأعلى والغاشية، وفي صلاة العيدين، فنتدبر معكم في هذه الخطبة هاتين السورتين العظيمتين، ونبدأ بسورة الأعلى، التي كان النبي ﷺ يقرؤها كل ليلة في صلاة الوتر، فلنتدبرْ ما فيها من المعاني العظيمة، يقول الله تعالى:

﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ ﴿ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ﴾ أي: نزِّه اسم ربِّك عن كل سوء، فإنه الخالق المالك المدبر كلَ شيء، المتصفُ بصفات الكمال، فاعبده وعظِّمه، واذكر اسمه الأعلى بقولك: سبحان ربي الأعلى.

والأمر للنبي ﷺ، ويدخل فيه أمتُه، فكل واحد منا مأمورٌ أن يسبح الله، والتسبيح: هو التنزيه عن النقائص، فيجب أن ننزه الله عما يصفه المشركون والجاهلون من الولد والصاحبة والشريك والنقص، كما قال الله: ﴿ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ﴾ [الصافات:180]، وقال تعالى: ﴿ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ﴾ [الروم:40]، وحين يذكر الله بعض ما يصفه الجاهلون في كتابه يسبح نفسه، كقوله: ﴿ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ﴾ [البقرة:116].

﴿ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ﴾ أي: الذي خلق كل شيء من العدم فأتقن خلقه، وجعله في أحسن هيئةٍ تناسبه.

﴿ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ﴾ أي: والذي قدَّر مقادير الخلائق في ذواتها وصفاتها وأحوالها ومآلها، فهدى كلَ مخلوق لمصالحه، ويسَّر له تحصيلَ رزقِه وتدبيرَ مسكنه، وكيفيةَ منكحِه وتغذيةِ صِغاره. كما قال تعالى: ﴿ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ﴾ [طه:50]. والمتفكر في الحيوانات والطيور بمختلف أنواعِها يجدُ العجبَ العجاب في هداية الله لها في جميع مصالحها، ولو تكلمنا عن هداية الله للنحل أو النمل لطال الكلام بنا، فتكفي الإشارةُ عن الإطالة.

﴿ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ﴾ أي: والذي أخرج من الأرض بقدرته أنواعَ النبات والحشيشَ الذي ترعاه الأنعام.

﴿ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ﴾ أي: فجعل الله ذلك المرعى يابسًا مسودَّا بعد أن كان أخضر رطبًا.

﴿ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ﴾ هذه بشارة خاصة للنبي ﷺ، أي: سنُحفِّظك - أيها الرسول - القرآن، فلا تنساه بعد أن تسمعه من جبريل عليه السلام. وهذه من أعظم معجزات النبي، فقد كان يقرأ عليه جبريل ما يُنزله الله عليه من الوحي، وهو أُميٌّ لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه حفظًا متقنًا، ويبقى محفوظًا في صدره لا ينساه أبدًا، مع كونه لا يرجع إلى كتابٍ مكتوبٍ ليراجعَ ما حفظه!

﴿ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ﴾ يعني: إلا ما شاء الله أن يُنسيك - أيها الرسول - من آيات القرآن التي ينسخها الله لحِكمةٍ بالغة. كما قال تعالى: ﴿ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ﴾ [البقرة:106]. فبعضُ الآيات والأحكام ِكانت ثابتة في أول الإسلام، ثم نسخها الله وأتى بخير منها أو مثلها، مثل استقبال بيت المقدس في الصلاة، نسخه الله بالأمر باستقبال المسجد الحرام. فوعد الله رسوله أنه لا ينسى ما يُحفِّظه من القرآن إلا ما شاء الله أن ينسخه ويأتي بخير منه أو مثله.

﴿ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ﴾ أي: إن الله يعلم ما يُظهره الخلقُ من الأفعال والأقوال، وما يُخفونه من أعمالهم، وما يسرونه في صدورهم. ومن ذلك أن الله يعلم ما يصلح عباده، فشرع لهم ما يصلحهم في دينهم ودنياهم.

﴿ﲳ ﲴ ﲵ﴾ أي: ونسهل لك - أيها الرسول - عمل الخير والدعوة إليه، ونجعل لك شريعة سهلة لا ضيق فيها أبدًا. كما قال تعالى: ﴿ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ﴾ [البقرة:185]. وقال سبحانه: ﴿ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ﴾ [الحج:78]. فالنبي ﷺ بعثه الله بالحنيفية السمحة، فالدين يسر، ولكنَّ كثيرًا من الناس يوقعون أنفسهم أو غيرهم في الضيق والحرج بمخالفة شرع الله، وتركِ الاستقامةِ كما أمرهم الله، فمنهم من يغلو ويتنطع، ومنهم من يجفو ويتميع، ودينُ اللهِ وسطٌ بين الغالي فيه، والجافي عنه.

﴿ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ﴾ أي: فعِظ جميعَ الناس مُسلمِهم وكافرِهم بكتاب الله، وبيِّن لهم عظمة الله، وخَوِّفْهم عذابه، إن نفعت الموعظةُ بعضَ من يسمعُها. كما قال تعالى: ﴿ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ﴾ [ق:45]. وقال سبحانه: ﴿ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ﴾ [الذاريات:55]. فقد أمر الله بتذكير كلِ أحد، فمن انتفع كان تذكُّره تامًا نافعًا، وإلا قامت عليه الحجة، وربما انتفع بالتذكير بعد مدة، أو انتفع بها غيرُه، وبعد أن يكرر الداعي إلى الله الذكرى تكريرًا تقوم به الحجة يكون مأمورًا بالتذكير عند ظن الفائدة، فمن علم أنه مصرٌ على الكفر أو المعصية، فلا يجبُ عليه تكرير الذكرى له دائمًا.

﴿ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ﴾ أي: سيتعظُ من يخافُ الله، ويعلمُ عظمته، ويخافُ عذابَه في الدنيا والآخرة.

﴿ﱁ ﱂ ﱃ﴾ أي: ولا ينتفعُ بالموعظةِ ويَبعُدُ عنها الكافرُ الأشقى.

﴿ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ﴾ أي: الذي يدخل نارَ جهنمَ العظمى. كما قال تعالى: ﴿ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ﴾ [الليل:14-15].

﴿ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ﴾ أي: ثم لا يموت الكافرُ في جهنمَ فيستريحَ من عذابِها، ولا يحيا حياةً تنفعُه. كما قال تعالى: ﴿ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ﴾ [النساء:56].

﴿ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ﴾ أي: قد فاز بالنجاة من النار والخلودِ في الجنة من تطهرَ من الكفرِ والمعاصي والأخلاقِ السيئة، فآمن ووحَّد الله، وعمل الأعمالَ الصالحةَ التي منها ذكرُ الله والصلاةُ والزكاة. كما قال تعالى: ﴿ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ﴾ [الشمس:7-9]. وفي الحديث الصحيح أن النبي ﷺ كان يقول: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».

﴿ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ﴾ أي: وذكر اسم الله بتسبيحِه وتحميدِه وتهليله وتكبيره واستغفاره، ودعاه وحدَه، فصلى الصلواتِ الخمسَ والنوافلَ مخلصًا لله تعالى.

﴿ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ﴾ أي: بل تُقدِّمون - أيها الناس - متاعَ الحياةِ الدنيا على ثوابِ الآخرة، وتهتمون بأمور دنياكم أكثرَ من اهتمامكم بأمورِ دينكم إلا من رحم الله. كما قال تعالى: ﴿ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ﴾ [آل عمران:14].

﴿ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ﴾ أي: وثواب الله في الجنة أفضل لكم من متاع الدنيا القليل، وأدومُ لكم من الدنيا الفانية، فنعيمُ الجنةِ كاملٌ لا نقص فيه، أبديٌ لا ينتهي. كما قال تعالى: ﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ﴾ [القصص:60]. وقال النبي  ﷺ: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثلُ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه هذه - وأشار بالسبابة - في اليم، فلينظرْ بم ترجِع؟!».

﴿ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ﴾ الإشارة في قوله: {لا} إلى الآيات الأربعِ الأخيرة، أي: إن ما أخبرتُكم في هذه السورة من فلاح من زكى نفسه، وذكرَ اسم ربه فصلى، وإيثارِ الناسِ الدنيا على الآخرة، وأن الجنةَ خير وأبقى؛ مذكورٌ بمعناه في الكتب السابقة المنزَّلة قبل القرآن، في الصحف المنزلة على إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام.

فما أعظم موعظة هذه السورة، أسأل الله أن يبارك لنا في القرآن، وأن يجعلنا من المتدبرين له، العاملين به، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من والى الله ورسوله والمؤمنين، أما بعد:

نتدبر في هذه الخطبة سورة الغاشية، التي بدأها الله بسؤال لكل واحد منا فقال سبحانه:

﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ ﴿ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ﴾ فالخطاب لكل إنسان، أي: هل وصلك أيها الإنسان خبرُ القيامة التي تغشى الناسَ والكونَ بأهوالها؟! فمن أسماء يوم القيامة الغاشية، عظَّم الله ذلك اليوم وحذره عباده، ومن أسماء يوم القيامة أيضًا: يومُ التلاق، ويومُ الخروج، ويوم التناد، ويوم الدِّين، واليوم الحق، والطامة الكبرى، والصاخة، والآزفة، والحاقة، والقارعة، فإذا أتاك أيها الإنسان خبر يوم القيامة فماذا عملت استعدادًا له، هل تزودت بالأعمال الصالحة التي تنفعك ذلك اليوم؟ هل زكَّيتَ نفسك واتقيت ربك؟

﴿ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ﴾ أي: وجوه الكافرين يوم القيامة ذليلةٌ، متغيرةُ اللون من شدة العذاب والخوف.

﴿ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ﴾ أي: عاملةٌ ما لا تطيق، تاعبةٌ بالعذاب يوم القيامة، فالكفار والمنافقون والفجار والظلمة يُكلَّفون يوم القيامة ما لا يُطيقون، ويُعذَّبون في النار عذابًا شديدًا لا يخفف عنهم، فهم يسحبون في النار، ويأكلون الزقوم، ويشربون الحميم، وغيرُ ذلك من أنواع العذاب الأليم.

وفي الآية معنى آخر، أي: عاملةٌ تاعبةٌ في الدنيا بالعبادات الباطلة كعُبَّاد النصارى وغيرِهم ممن يعبدون الله بما لم يشْرعُه، فهم يُتعِبون أنفسَهم بعبادات لا يقبلها الله منهم، ويكون مصيرُهم في الآخرة نارَ جهنم.

وفي الآية معنى ثالث، أي: عاملةٌ تاعبةٌ بأمور الدنيا من جمعِ الأموال، وفعلِ المعاصي والشهوات بكدٍّ وتعب، ثم في الآخرة تصلى نار جهنم الحامية، فلا تنفعهم أموالهم يوم القيامة، وتذهب عنهم تلك اللذاتُ المحرمة، ويبقى عليهم عذابُها في الآخرة.

وكل هذه المعاني الثلاثة صحيحة، فمعنى الآية: عاملةٌ تاعبةٌ في الدنيا بالمعاصي واتَّباع الشهوات، أو بالعبادات الباطلة، وعاملةٌ تاعبةٌ في الآخرة بالعذاب الشديد في يوم القيامة يُدخلهم الله نارًا حامية.

﴿ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ﴾ أي: يُسقى الكفار والفجار في جهنم من عينِ ماءٍ بلغت الغايةَ في شدةِ الحرارة والغليان. كما قال تعالى: ﴿ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ﴾ [محمد:15].

﴿ﭐﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ﴾ أي: ليس لهم طعام في جهنم إلا شوكًا يابسًا سامًا. قال المفسرون: الضريع شوكٌ سامٌ يابس، وأهل النار لهم أنواع من الطعام يُعذَّبون بأكله، ففي وقتٍ لا يأكلون إلا الضريع، وفي وقتٍ لا يأكلون إلا الغِسلين، وفي وقتٍ لا يأكلون إلا الزَّقُّوم.

﴿ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ﴾ أي: لا يُسمن الضريعُ بدنَ من يأكلُه من أهل النار، ولا يدفع عنه شيئًا من ألم الجوع.

﴿ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ﴾ أي: وجوه المؤمنين يوم القيامة فيها أثر النعمة والسرور.

﴿ﲔ ﲕ ﲖ﴾ أي: لما عملته في الدنيا من الأعمال الصالحة راضية، حين وجدت ثوابَه العظيمَ في الجنة.

﴿ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ﴾ أي: في بستانٍ عالِ المكان والقدر، مرتفعِ القصورِ والغرف.

﴿ﭐﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ﴾ أي: لا تسمع في الجنة أيَّ كلمةِ لغوٍ لا فائدةَ في سماعها، من الباطل والكذب والسب وغير ذلك.

﴿ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ﴾ أي: في الجنة عيونٌ متدفقةٌ من الماء وأنواع الأشربة. كما قال تعالى: ﴿ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ﴾ [محمد:15].

﴿ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ﴾ أي: في الجنة أسِرَّةٌ عاليةُ القدر في حسن فِراشِها ولِينه، وفي ارتفاعِ محلِّها؛ ليرى المؤمنُ الجالسُ عليها ما حوله من النعيم العظيم.

﴿ﲨ ﲩ ﲪ﴾ أي: وفي الجنة أكوابٌ ممتلئةٌ بأنواع الأشربة اللذيذة، موضوعةٌ في أماكنهم، ومُعّدَّةٌ على حافَة الأنهارِ الجاريةِ لمن يشتهي الشربَ بها.

﴿ﲫ ﲬ ﲭ﴾ أي: وفي الجنة وسائدُ مرتبةٌ أحسنُ ترتيب، كلُ وسادةٍ بجانبِ الأخرى في صفٍّ واحد، مُعَدةٌ للاتكاءِ عليها.

﴿ﲮ ﲯ ﲰ﴾ أي: وفي الجنة فُرُشٌ كثيرةٌ كاملةُ الحسن، مبسوطةٌ ومفرَّقةٌ في المجالس؛ للزينة والجلوس عليها.

﴿ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ﴾ أي: أفلا ينظر الناسُ متفكرين إلى الجِمَال كيف خلقها الله؛ ليستدلوا بخلقها العجيبِ وأحوالِها الغريبة على كمال قدرة الله وحكمته، فيؤمنوا بالبعث بعد الموت، ويوحدوا الله سبحانه؟! والإبل تتميز عن غيرها من الحيوانات بأشياءَ كثيرة، منها: أنها تُقتنى لمنافعَ كثيرةٍ لا تجتمع في غيرها، يُؤكلُ لحمُها، ويُشربُ لبنُها، وتَحمِلُ الإنسانَ وأمتعتَه في أسفاره، وفيها زينةٌ وجمالٌ وغنى لأصحابها، وتنقادُ مع قوتها للإنسان ولو كان صبيًا، ويُحمل عليها وهي باركةٌ ثم تقومُ بِحِملها الثقيل، ومن عجائبها: أنها تأكل الشوك ولا يضرُها، وتتحمل العطش والسير في الصحراء، وفي عينها غشاء شفَّافٌ يقيها الرمال ولا يمنعها من الرؤية، وحين تمشي تُقدِّمُ يدَها ورجلَها اليمنى في وقتٍ واحد، ثم تُقَدِّم يدَها ورجلَها اليسرى في وقت واحد، بخلاف جميع الحيوانات التي تمشي بتقديم يدِها اليمنى ورجلِها اليسرى، ثم يدِها اليسرى ورجلِها اليمنى، وفي الإبل أشياءُ كثيرةٌ عجيبةٌ.

﴿ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ﴾ أي: وألا ينظر الناس متفكرين إلى السماء كيف رفعها الله فوق الأرض بمسافةٍ عظيمة، ورفع ما فيها من الشمس والقمر والنجوم بلا عَمَدٍ بقدرته؟! فالسماء الدنيا تحيط بالكرة الأرضية من جميع جهاتها، فأينما كنت في الأرض فهي فوقَك، كما قال تعالى: ﴿ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ﴾ [ق:6] أي: ليس فيها شقوق ولا عيوب.

﴿ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ﴾ أي: وألا ينظر الناس متفكرين إلى الجبال العظيمة كيف نصبها الله بقدرته، وجعلها راسخة لا تزول عن أماكنها برحمته؟!

﴿ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ﴾ أي: وألا ينظر الناس متفكرين إلى الأرض كيف بسطها الله ووسَّعها، وسهَّل منافعها؛ ليستقر الخلقُ عليها، ويتمكنَ الناسُ من السير والبناء عليها، والحفرِ فيها، وحرثِها وغرسِها؟! كما قال تعالى: ﴿ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ﴾ [ق:7]. ولا ينافي جعلُ الأرضِ مسطحة ًكونَها كُروية، فالأرض سطحها واسعٌ ليستقر عليها الخلقُ وينتفعوا بها، فلو كانت كلها صخورًا وجبالًا فلن يتمكن الناس من الانتفاع بها، فمن رحمة الله أن ذللها لعباده، وسطَّحها بقدرته، وقد ذكر غير واحد من علماء المسلمين القدامى أن الأرض كرويةُ الشكل.

﴿ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ﴾ أي: فعِظ - أيها الرسولُ - جميع الناس بالقرآن، وخوفهم عذاب الله، إنما أنت واعظ، بعثك الله لدعوة الناس إلى الله. وأمرُ الله لرسولِه أمرٌ لأمته، فعلى المسلمِ أن يعظَ وينصحَ من يستطيعُ من الناس، لا سيما أهلُه وأصحابُه، وأن يذكرهم ولو بآية من كتاب الله، ﴿ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ﴾ [الذاريات:55].

﴿ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ﴾ أي: لست على الناس بمتسلطٍ تُجبرهم على الإيمان والعمل الصالح، إنما عليك التذكير والبلاغ، وحسابهم على الله، كما قال تعالى: ﴿ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ﴾ [البقرة:272].

﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ﴾ أي: لكن من أعرض عن طاعة الله، وكفر بالحق الذي جاء من عند الله، فيعذبه الله أشدَ العذابِ في جهنم. كما قال تعالى: ﴿ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ﴾ [طه:127].

﴿ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ﴾ أي: إن إلينا مرجعَ الناس بعد موتهم.

﴿ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ﴾ أي: ثم إن علينا أن نحاسب الناس ونجازيهم على أعمالهم.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكاها، واجعلنا الذاكرين المصلين، واجعلنا من المتذكرين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم ارحمنا في حياتنا وبعد موتنا، اللهم حاسبنا .

حسابًا يسيرًا، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.

 ملاحظة: إذا لم تظهر عندك خطوط المصحف فأنزل الملف بي دي اف 

المرفقات

1720851896_تدبر سورتي الأعلى والغاشية.docx

1720851898_تدبر سورتي الأعلى والغاشية.pdf

المشاهدات 442 | التعليقات 0