تخَيّل نفسَكَ بالجَنّةِ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/06/24 - 2024/12/26 09:53AM

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا خَلَقْتَنَا وَرَزَقْتَنَا وَهَدَيْتَنَا، بَسَطْتَ رِزْقَنَا، وَأَظْهَرْتَأَمْنَنَا، وَجَمَعْتَ فُرْقَتَنَا، وَمِنْ كُلٍّ- وَاَللَّهِ- مَا سَأَلْنَاكَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا. أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ. أَرْسَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَإِمَامًا لِلْمُتَّقِينَ، صَلَّى اَللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَضِيَ عَنْ صَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.

عَبْدَ اَللَّهْ: أَتَنْتَظِرُ حَتَّى تَمُوتَ؛ لِتَدْخُلَ اَلْجَنَّةَ؟! كَلَّا لَا تَنْتَظِرْ، فَإِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ إِنْ بَقِيْتَ تَنْتَظِرُ!! ادْخُلِ اَلْجَنَّةَ مِنَ اَلْآنَ فَالْآنَ، فَهُنَاكَ أَقْوَامٌمُوَفَّقُوْنَ دَخَلُوهَا مُنْذُ زَمَانٍ وَهُمْ أَحْيَاءُ بَيْنَنَا.

تَعَالَ وتَخَيَّلْ نَفْسَكَ بِالْجَنَّةِ اَلْآنَ. تَخَيَّلْ أَنَّكَ تُطِلُّ مِنْ قَصْرِكَ؛ لِتَرَى اَلْأَنْهَارَ وَالثِّمَارَ، وَالْخِيَامَ وَالْقُصُورَ وَالأَطْيَارَ والْأَشْجَارَ، تَجْلِسُ كالمَلِكِ وَأَنْتَ لَابِسٌ اَلذَّهَبَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالْحَرِيرَ، وَأَحَاطَتْ بِكَ الغِلْمَانُ واَلْحُورُ.

هَا قَدِ اِنْتَهَى اَلْعَمَلُ وَالتَّكْلِيفُ وَفَرَغَ اَلنَّاسُ مِنَ اَلْحِسَابِ، وَغَادَرْنَا عَالَمَ اَلنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ، وَانْطَفَأَتْ اَلْحُرُوبُ وَانْقَطَعَتِ الْأَغْلَالُ، وَنُزِعَ اَلْغِلُّوالأَحْقَادُ، وَاخْتَفَتِ اَلْهُمُومُ وَالْمَشَاكِلُ، لَا شَيْبَ فِيْ الجَنَّةِ وَلَا وَهْنَ عِظَامٍ،وَلَا ضِيقَ فِيْ اَلصَّدْرِ، وَلَا أَدْوِيَةَ، ولَا مُسْتَشْفَيَاتٍ. هَاهُو اَلْمَرِيضَ نَرَاهُشُفِيَ، وَالْمَهْمُومَ سَعِدَ، وَالْهَرِمَ عَادَ شَابًّا، وَالْعَجُوزَ بِتَجَاعِيْدِهَا رَجَعَتْ حُورِيَّةً. هَانْحِنْ نَلْتَقِي بِأَحِبَّةٍ دَفَنَّاهُمْ مُنْذُ زَمَنٍ. اَلِابْنُ اَلْبَارُّ يَلْتَقِي بِأُمِّهِ، وَالشَّيْخُ اَلْفَانِي بِابْنَتِهِ، وَالْوَالِدَانِ بِمَوْلُودِهِمَا اَلَّذِي مَاتَ يَجُرُّ سُرَرَهُ فَلَا يَدَعُ وَالِدَيْهِ حَتَّى يُدْخِلَهُمَا اَلْجَنَّةَ.

مَنْ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ يَثْعَبُ مِنْهُمْ دَمٌ كَأَطْيَبِ لَوْنٍ وَأَطْيَبِ رَائِحَةٍ؟! أَنَّهُمْ الشُهَدَاءُ. وَتَسْمَعُ صَوْتًا عَذْبًا، فَيُقَالُ: هَذَا غِنَاءُ زَوْجَاتِكَ اَلْحُوْرِيَّاتِ. وَمَا أَجْمَلَ اَلْمَلَائِكَةَ حِينَ نَرَاهُمْ بِأَعْيُنِنَا رَأْيَ اَلْعَيْنِ؛ يَدْخُلُونَ عَلَيْنَا مِنْ كُلِّ بَابٍ وَيُسَلِّمُونَ. مَا هَذَا اَلْمَوْكِبِ اَلْمَهِيبِ؟! إِنَّهُ مَوْكِبُ اَلْعُلَمَاءِ يَتَقَدَّمُهُمْ شَابٌّ بَهِيُّاَلطَّلْعَةِ بَرَّاقُ اَلثَّنَايَا، إِنَّهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. هَيَّا نَرْقَى لِنُسَلِّمَ عَلَى اَلصَّحَابَةِ-رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ- هَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَذَاكَ اَلْقَادِمُ عُمَرُ، وَالْجَالِسُوْنَ هُنَاكَ تَحْتَ اَلشَّجَرَةِ عُثْمَانُ وعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ.

إِذَاً فَأَيْنَ إِمَامُ اَلْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟!

مَا أَعْظَمَ اَلشَّوْقَ لِلُقْيَاهُ.. ولْنَتَفَاءَلْ أَنَّنَا سَنَرَاهُ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَيُجَالِسُهُ أَحَاسِنُنَا خُلُقًا!

أَيْنَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ؟ هَذَا أَبُوْنَا آدَمُ بِأجْمَلِ صُوْرَةٍ، وَهَذَا مُوسَى الْكَلِيمُ الَّذِي لَقِيَ مِنَ الْبَلَاءِ فُنُونًا، وَفُتِنَ بِقَوْمِهِ فُتُونًا، وَهَذَا خَلِيلُ الرَّحْمَنِ أَبُونَا إبْرَاهِيْمُ مُتَّبِعُهُ نَبِيُّنَا بِالْمِلَّةِ، وَشَبِيهَهُ بالْخُلُقِ وبِالْخِلْقَةِ، وَنَظِيرُهُبِالْخُلَّةِ. لِنَعِدْ أَنَفْسَنَا أَنَّنَا سَنَرَى فِي الْجَنَّةِ مُؤْمِنِيْ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، وَمُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ، وَمُؤْمِنَ آلِ يَاسِينَ، وَفِتْيَةَ الْكَهْفِ، وَالْخَضِرَ، وَذَا الْقَرْنَيْنِ.

كُلُّ مَا مَضَى نَعِيمٌ عَظِيمٌ، فَهَلْ بَقِيَ أَعْظَمُ مِنْهُ؟! نَعَمْ بَقِيَ النَّعِيمُ الَّذِي لَا يُوَازِيهِ نَعِيمٌ حِينَ نَرَى اللهَ. اللهُ -سُبْحَانَهُ- سَنَرَاهُ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حِجَابٌ.. فَكَيْفَ سَتَكُونُ لَحْظَةُ رُؤْيَةِ اللهِ -تَعَالَى-وَهُوَ يَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا().

إِنَّ الْجَنَّةَ تَسْتَحِقُّ فِعْلًا أَنْ نَجْتَهِدَ وَنُجَاهِدَ أَنَفْسَنَا لِنَنَالَهَا، لَكِنْ لَا نَنَالُهَا بِالْأَمَانِيِ، وَلَا بِالْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ، لَكِنْ بالشَّوْقِ الكَبِيْرِ لَهَا، وبِكَثْرَةِ تَذَكُّرِهَا، وبِصِدْقِ العَمَلِ لَهَا، وبِشِرَائِهَا قَبْلَ أَنْ يُغْلَقَ سُوقُهَا: أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وسَمِعَ اللَّهُ ‌لِمَنْ ‌دَعَا، ولَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمَى، أمَّا بَعْدُ:

أَيَّهَا الْمُسْلِمَ الْعَاصِي بِكَبَائِرِ الذُّنُوبِ: اِحْمَدْ رَبَّكَ أَنْ لَمْ تَكُنْ كَافِرًا باللهِمَطْرُودًا مِنْ رَحْمَتِهِ احْمَدِ اللهَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ حَطَبِ جَهَنَّمِ. وَسَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ اللهِ وَإِنْ عُذِّبْتَ، وَلَكِنَّ السَّلَاَمَةَ مِنَ كُلِّ الذُّنُوبِ هِي الْفَوْزُ حَقًّا؛ لِأَنَّ أَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَكُلَّمَا هَمَمْتَ بِمَعْصِيَةٍ فَتَخَيَّلِ الْجَنَّةِ، وَقُلْ:{وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}. وَتَذَكَّرِ الَّذِينَ غَادَرُوا وَسَارَعُوا لِلْجَنَّاتِ، تَذَكَّرْ جَدَّكَ الْعَابِدَ، وَقَرِيبَكَ الْمُتَصَدِّقَ، وَجَارَكَ الَّذيْ كَانَتْ جَنَازَتُهُ مَشْهُودَةً.

وَلَا يَبْعُدْ بِنَا التَّفْكِيرُ فِي قُدُوَاتٍ تَعَلَّقَتْ بِالْجَنَّةِ، فَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِيِنَا عُبَّادًا صَالِحِينَ، أَجْسَادُهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنَّ قُلُوبَهُمْ هُنَاكَ هُنَاكَ فِي الْجَنَّةِ، وَكَأَنَّهُمُ الْآنَ فِي سِجْنٍ، فَهُمْ يَعِيْشُونَ فِي جَنَّةِ اللهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا، ويُحِبُّونَ لِقَاءَ اللهِ، فَيُحِبُّ اللهُ لِقَاءَهُمْ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْيَمُوْتُوا. إِنَّهَا ‏‏ قَلُوبٌ اِمْتَلَأَتْ بِمَحَبَّةِ اللهِ، فَتَرَاهُمْ مُتَلَذِّذِيْنِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَبِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ مِنَ الْجَنَّةِ.

إِنَّ أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ سَيُجِيبُونَ عَلَى أسْئِلَةِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فِي الْقَبْرِ، وَسَيَقُولُ لَهُمْ رَبُّنَا: صَدَقَ عَبْدِيْ! فَأفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ، وأطْعِمُوهُ مِنَ الجَنَّةِ، وافْتَحُوا لَهُ بَابًا إلى الجَنَّةِ، فَيَأتِيهِ من رَوْحِها ورَيْحَانِها، ويَنْظُرُ إلى مَقْعَدِهِ مِنَ الجَنَّة.. وَحِيْنَ يَسْمَعُ هَذِهِالبِشَارَةَ يَطِيْرُ فَرَحًا، وَيَصِيْحُ وَيُلِحُّ عَلَى رَبِّهِ: ربِّ أَقِمِالسَّاعَةَ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَة!

o فاللهم اجْعَلْنَا مِنْ أُولَئِكَ الفَائِزِيْنَ السُّعَدَاءِ.
o اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنّا نَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الفِرْدَوْسَ مِنَ الجَنَّةِ، وَلَيْسَ شَيءٌ غَيْرُالفِرْدَوْسِ رَبَّنا.
o اللَّهُمَّ أعْطِنَا من الخَيْرِ فوْقَ ما نَرْجُو، واصْرِفْ عَنَّا مِنَ السُّوْءِ فَوْقَ ما نَحْذَرُ.
o اللهم ارْحَمْنَا وَلا تَحْرِمْنَا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
o اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ.
o اللَّهُمَّ اقْذِفْ في قُلُوْبِنَا رَجَاءَكَ، واقْطَعْ رجَاءَنَا عَمَّنْ سِوَاكَ.
o اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ؛ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحنمُسْلِمونَ.
o اللهم صَلِ وسَلِّمْ على عَبْدِكَ ورَسُولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1735195979_‎⁨تخيَّل نفسك بالجنة⁩.docx

1735195980_‎⁨تخيَّل نفسك بالجنة⁩.pdf

المشاهدات 1008 | التعليقات 1

جزاك الله خير الجزاء

ونفع الله بك وبخطبك