تحويل القِبْلة دروس وعبر
إبراهيم بن حمد العقيل
1440/07/29 - 2019/04/05 00:03AM
مَعاشِرَ المؤمنينَ: ونَحْنُ على عتبةِ شَهْرِ شعبانَ, نَستَذْكِرُ هُنا حَدثًا مِنْ أحداثِ التَّشريعِ الإسلاميِّ, حَصلَ في شهرِ شعبانَ, فيهِ مِنَ الدُّروسِ والعِبَرِ لأهلِ الإيمانِ.
فَفِي أحداثِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَواقِفُ جَعَلَها اللهُ اخْتِبارًا، وتَمْحيصًا للصُّفوفِ.
ومِنْ هذِهِ المواقِفِ الجَليلَةِ والفاصِلَةِ في تاريخِ الأُمَّةِ، حادِثَةُ تَحْويلِ القِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ المقْدِسِ إلى المسْجِدِ الحَرامِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ الله لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ -وَكَانَ أهلُها اليهودَ- أَمَرَهُ اللهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ -لأَنَّها قِبْلَتُهُمْ-, فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ ، فكَانَ يُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ وَالِابْتِهَالَ إِلَى اللهِ سَائِلًا ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
لقَدْ جاءَ الأَمْرُ بتحويلِ القِبْلَةِ ليُعْلَنَ بَدْءُ الاخْتِبارِ فِعْليًّا: (لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ). نَزَلَ الْأَمْرُ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فخَطَبَ رَسُولُ اللهِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ.
ثم وَصَلَ خَبَرُ تَحْوِيلِ القِبْلَةِ لِأَهْلِ قُبَاءَ، في صَلَاةِ الفَجْرِ مِنَ اليَوْمِ الثَّانِي, إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. عَنْ عُمَارة بْنِ أَوْسٍ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الصَّلَاةِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَنَحْنُ رُكُوعٌ، إِذْ أَتَى مُنَادٍ بِالْبَابِ: أَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلت إِلَى الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَأَشْهَدُ عَلَى إِمَامِنَا أَنَّهُ انْحَرَفَ فتحوَّل هُوَ والرِّجال وَالصِّبْيَانُ، وَهُمْ رُكُوعٌ، نَحْوَ الْكَعْبَةِ», هكَذَا كانَ شَأْنُ المؤمِنينَ الصَّادِقينَ.
أَمَّا اليَهودُ الذينَ كانُوا فَرِحينَ مُبْتَهِجينَ عِنْدَما اتَّخَذَ الرَّسولُ بيتَ المقْدِسِ قِبْلَةً، وكَانُوا يَظنُّونَ أنَّ الرَّسولَ سَيَتَّبِعُهُمْ في دينِهِمْ بعدَ ذَلِكَ، لمَّا جاءَ الأمرُ بتحويلِ القِبْلَةِ أُصِيبُوا بالإِحْباطِ واليَأْسِ؛ فَأَطْلَقُوا أَلْسِنَتَهُمْ لِيُشَكِّكُوا المُسلِمينَ في دينِهِمْ، قائِلينَ: (مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا). مَعَ أنَّهم يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللهِ لِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَدِينَةَ مُهَاجَرُهُ وَأَنَّهُ سَيُؤْمَرُ باستقبال الْكَعْبَةِ كَمَا قَالَ تعالى: (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ).
فأَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ هَذَا كُلِّهِ عَنْ سُؤالِهِمْ، وَنَعَتَهُمْ بِالسُّفَهَاءِ فَقَالَ: (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فهُوَ الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ, يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فِي خَلْقِهِ, وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ فِي شَرْعِهِ, وَهُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ, وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَنِ الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ, وَلَهُ فِي ذَلِكَ الْحِكْمَةُ الَّتِي يَجِبُ لَهَا الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا حِكْمَتَهُ في ذلك فَقَالَ: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) أي: إِنَّمَا شَرَعْنَا لَكَ -يَا مُحَمَّدُ -التَّوَجُّهَ أَوَّلًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ صَرَفْنَاكَ عَنْهَا إِلَى الْكَعْبَةِ، لِيَظْهَرَ حالُ مَنْ يَتَّبعك ويُطيعك وَيَسْتَقْبِلُ مَعَكَ حَيْثُمَا توجهتَ مِمَّن يَنْقَلْبُ عَلَى عَقبَيْه، (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً) أَيْ: هَذِهِ الْفِعْلَةُ، وَهُوَ صَرْفُ التَّوَجُّهِ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ، أَيْ: وَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ عَظِيمًا فِي النُّفُوسِ، إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وأيقنُوا بِتَصْدِيقِ الرسُول، وأنَّ كلَّ مَا جَاءَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الذِي لَا مرْية فِيهِ. (وَما كانَ الله لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) أَيْ بِشِرْعَتِهِ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالصَّلَاةَ إِلَيْهِ (إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
وفي الحديثِ أنَّ رَسُولَ اللهِ قالَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: «إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ».
معاشِرَ المؤمنينَ: بِهَذا الحَدَثِ العَظيمِ انْكَشَفَ باطِنُ الكافرينَ، ومُحِّصَ المذبْذَبونَ، ومَرَّ الاختبارُ بعدَ أنْ تعلَّمَ مِنْهُ المسلِمونَ واستَفادُوا ما يَنْبَغِي لَنا الاستِفادَةُ بهِ؛ مِنْ أهميَّةِ اليقينِ والتَّسليمِ لأمرِ اللهِ ، والانْقِيادِ لأَوامِرِهِ، وأهميَّةِ الثَّباتِ أَمامَ الشُّبُهاتِ الَّتِي يُلْقِيها أَعْداءُ الأُمَّةِ دُونَ انقطاعٍ، وعدمِ التَّأثُّرِ بِهَا، بَلِ الرَّدُّ عَلَيْها؛ لِنَحْمِيَ ضِعافَ الإِيمانِ مِنَ التأثُّرِ بِهَا.
لقد جاءَ تَحْويلُ القِبْلَةِ كحدٍّ فاصلٍ بينَ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ، والأُمَمِ السابقةِ عَلَيْها، وخاصَّةً اليَهودَ الَّذينَ حَرَّفُوا الكِتابَ، وبدَّلُوهُ.
لقَدْ تَخَطَّى الحَدثُ حُدودَ الزمانِ؛ ليُلْقِي بِظِلالِهِ على أيَّامِنَا؛ مذكراً بقوله : «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»، أي: فمَنْ غَيْرُهُمْ؟!
إنَّ مظاهِرَ الذَّوبانِ وعدمِ التَّمايُزِ كثيرةٌ اليومَ بينَ صُفوفِ المسلمينَ؛ تُشاهِدُها في ابتعادِهِمْ عَنْ لُغةِ القرآنِ، وتعلُّقِهِمْ باللُّغاتِ الأجنبيةِ على حِسابِ اللُّغةِ العربيَّةِ، وليسَتِ المشكلةُ في الحِرْصِ على تعلُّمِ غير العربية؛ ولكنَّ المشكلةَ في ابتعادِنَا عنْ لُغتِنَا الأُمِّ، حتى صَارَتْ أسماءُ المَحَالِّ أجنبيَّةً، وصارَتْ لُغةُ الحياةِ اليوميَّةِ مشحونةً بالألفاظِ الأجنبيَّةِ، وصارَ مَقامُ الفَرْدِ في عينِ مُحدِّثِيهِ يُقَيَّمَ بعددِ المصْطَلحاتِ الأجنبيَّةِ الَّتِي يستخدِمُها.
وكذَلِكَ نَرَى مظاهرَ الذوبانِ في شكلِ الملابِسِ، وأنْماطِهَا؛ فالظَّواهِرُ الشاذَّةُ انتقَلَتْ إِلَيْنا بسرعةٍ مِنَ الغَرْبِ، ولمْ تجِدْ مِنْ كثيرٍ مِنَ الشَّبابِ إلَّا الترحيبَ ، وغيرُ ذلكَ مِنَ المظاهرِ كثيرٌ.
يقول ابن تيمية : "لقَدْ بَالَغَ فِيْ أَمْرِ أُمَّتِهِ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِيْ كَثِيْرٍ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَصِفَاتِ الطَّاعَاتِ؛ لِئَلَّا يَكُوْنَ ذَلِكَ ذَرِيْعَةً إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ فِيْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُوْرِهِمْ، وَلِتَكُوْنَ الْمُخَالَفَةُ فِيْ ذَلِكَ حَاجِزَاً وَمَانِعَاً عَنْ سَائِرِ أُمُوْرِهِمْ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْجَحِيْمِ، كَانَ أَبْعَدَ لَكَ عَنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَحِيْمِ".أهـ
ومن دروس حادثة تحويل القبلة الهامة، أنها عرفت المسلمين طبيعة الكفار ـ من يهود ونصارى وغيرهم ـ وأنهم لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا بأن يتبعوهم ويكونوا مثلهم، قال الله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).
أقول قولي هذا ..
معاشِرَ المؤمنينَ: كانَ مِنْ هَدْيِ رسولِ اللهِ أنَّهُ يصومُ في شَعبانَ ما لا يَصومُ مِنْ غيرِهِ مِنَ الشُّهورِ, فعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ «يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ». والمرادُ أنَّهُ كانَ يصومُ أكثرَهُ.
فالصَّومُ في شعبانَ كالتَّمرينِ على الصِّيامِ؛ لِئَلَّا يدخُلَ في صَوْمِ رمضانَ على مشقَّةٍ وكُلفَةٍ، بلْ قدْ تمرَّنَ على الصِّيامِ واعتَادَهُ, ووجَدَ بصيامِ شعبانَ قبْلَهُ حلاوةَ الصِّيامِ ولذَّتَهُ، فيدْخُلُ في صيامِ رمضانَ بقوَّةٍ ونشاطٍ.
عبادَ اللهِ: ولما كانَ شعبانُ كالمقدِّمَةِ لرمضانَ شُرِعَ فيهِ ما يُشْرَعُ في رمضانَ مِنَ الصِّيامِ وقراءَةِ القُرآنِ ليَحْصُلَ التأهُّبُ لِتَلَقِّي رمضانَ, وتَرْتاضُ النُّفوسُ بذلِكَ على طاعَةِ الرَّحمنِ.
عنْ أنسٍ قالَ: كانَ المسلمونَ إِذَا دَخَلَ شعبانُ انكَبُّوا على المصاحِفِ فقَرَؤُوهَا, وأخْرَجُوا زكاةَ أَمْوالِهِمْ تَقْوِيَةً للضَّعيفِ والمِسْكينِ على صِيامِ رمضانَ.
وقالَ سلمةُ بنُ كُهَيلٍ: كانَ يُقالُ شَهْرُ شعبانَ شَهْرُ القُرَّاءِ.
وكانَ حَبيبُ بنُ أَبِي ثابتٍ إِذَا دخلَ شعبانَ قالَ: هَذا شَهْرُ القُرَّاءِ.
فَيا مَنْ فَرَّطَ في الأوقاتِ الشَّريفَةِ وضيَّعَها وأودَعَها الأَعمالَ السَّيِّئةَ وبِئْسَ ما استَوْدَعَها.
مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ *** وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ المُبَارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلًا *** بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَسْرًا *** وَيُخْلِي المَوْتُ كُرْهًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطَايَا *** بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ
عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ *** فَخَيْرُ ذَوِي الجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ
في الحديث عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُكَ تَصُومُ شَعْبَانَ صَوْمًا لَا تَصُومُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قَالَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَشَهْرِ رَمَضَانَ تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ عَمَلِي إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ». فهَذَا دليلٌ على استِحْبابِ عمارَةِ أوقاتِ غفلَةِ النّاسِ بالطَّاعةِ وأنَّ ذلكَ محبوبٌ للهِ .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ » فقَدْ كانَتْ في غيرِهِ مِنَ الشُّهورِ مشتغلةً بالنبيِّ فإِنَّ المرأةَ لا تصومُ وبَعْلُها شاهدٌ إلا بإذْنِهِ.
عبادَ اللهِ: مَنْ دخلَ عليهِ شعبانُ وعليهِ شيءٌ منْ قضاءِ رمضانَ وجبَ عليهِ قضاؤُهُ معَ القُدرةِ، ولا يجوزُ لهُ تأخيرُهُ إلى ما بعدَ رمضانَ آخَرَ لغَيْرِ ضرورةٍ.