تحقيق التقوى في رمضان
صالح العويد
1432/08/28 - 2011/07/29 08:36AM
الحمد لله جعل الصيام جُنّة وسببًا موصلاً إلى الجنة، أحمده سبحانه وأشكره هَدَى ويسّر فضلاً منه ومنّة، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، جعلنا على أوضح محجة وأقوم سنة، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وعلى أصحابه، نفوسهم بالإيمان مطمئنة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أمّا بعد: فأوصيكم ـ عبادَ الله ـ ونفسي بتقوى الله جلّ في علاه، فإنّ التقوى مِرقاة النجاة ومِشكاة الهُداة وأزكى بضاعةٍ مرتجَاة في هذه الحياة، وها قد تدانَت لكم دواعيها، يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
أيّها المسلمون، يدور الزّمانُ دورتَه، وتذهب الليالي والأيامُ سِراعًا، وها هو عامُنا يطوِي أشهرَه تِباعًا، وإذا بالأمّة ترقُب ضَيفًا عزيزًا قد بدَت أعلامُه واقتَربت أيّامه والتَمَعت في الأفقِ القريب أنوارُه، إنّه شهرُ رمضانَ المبارك، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، شَهر الرّحمة والمغفِرة والعِتق من النّيران، شهرُ التّوبات وإجابة الدّعوات وإقالة العثَرات. شهرٌ تصفَّد فيه الشياطين وتغلَق أبواب الجحيم وتفتَح أبواب الجنة وينادِي منادٍ كلَّ ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغيَ الشرّ أقصر. شهرٌ يفرَح به كلُّ مسلم مهما كان حاله شهرٌ تَبتَلّ فيه الأرواحُ بعدَ جفافِها ورُكودِها، وتأنَس فيه النفوس بعد طولِ إعراضها وإِبَاقها. رمَضان مِلءُ السَّمع والبصر، فهو حديث المنابِر وزينة المنائِر وحياةُ المساجد، من صامَه إيمانًا واحتسابًا غفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه، فيه ليلة القَدر، هي خيرٌ من ألف شَهر، مَن قامها إيمانًا واحتِسابًا غفِر له ما تقدّم من ذنبه كما ثبتَ بذلك الخبَر عن النبيّ في الصحيحين وغيرهماإنّ يومَ إقبالك يارمضان لهوَ يومٌ تفتّحت له قلوبُنا وصدورُنا، فمرحبًا بك يا رمضان، حبيبًا جئت على فاقة، جئت بعد عام كامل، مات فيه قوم ووُلِدَ آخرون، واغتنى قوم وافتقر آخرون، وسَعِدَ قوم وشقي آخرون، واهتدى قوم وضلَّ آخرون. جئتنا بعد عام كامل وكأَنّ في ردائك كتابًا تقول فيه لكل مسلم: إذا أنت أدركتني هذه السنة فقد لا تُتِمّني، وإن أتممتني فقد لا تلقاني بعد عامي هذا، فالبِداَر البِدارَ قبل فَوَات الفُرَص وذهاب الأعمار.
أيّها المسلمون، إنَّ مَواسِمَ الخير فُرَص سَوانِح، بينما الموسم مقبلٌ إذ هو رائح، والغنيمةُ فيها ومِنها إنما هي صَبرُ ساعة، فيكون المسلم بعد قَبول عمله من الفائِزين ولخالقِه من المقرَّبين. فيا لله، كم تُستَودَع في هذه المواسم من أجور، وكم تخفُّ فيها من الأوزارِ الظهور، فاجعلنا اللّهمَّ لفضلك وشهرِك مدركين ولرضوانك حائزينَ، ووفِّقنا لصالح العملِ، واقبَلنا فيمن قبِلَ، واختم لنا بخيرٍ عند حضور الأجل.
أيها الإخوة، غاية الصيام تقوى الله عز وجل. تقوى يتمثل فيها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. تقوى صادقة دقيقة يترك فيها الصائم ما يهوى حذرًا مما يخشى
صام القلب واتقى إذا جرد العبودية لله وحده، خضع لجلاله، وسعى لقربه، وأنس بمناجاته. خلص من الشرك، وسلم من البدع، وتطهر من المعاصي. قلب تقي يرى الهوى والشهوة والظن والبغي، والعداوة والبغضاء، والغل والحسد والجدل والِمراَء أمراضًا قلبية فتاكة يرفضها ويأباها ويتقيها ويتقيَّؤُها، وصيامه ينفيها ويجفوها.
وإذا صلح القلب صلحت الجوارح، فقامت بحق الطاعة وكفت عن الآثام. فالبطن محفوظ وما حوى، ترك الطعام والشراب والشهوة من أجل الله، تقىً عالٍ يقي النفس جماح غرائزها، وإرادة مستعلية مستحكمة تأخذ أمر ربها بقوة، وتزدجر عن النواهي باستسلام. "الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذه الحكمة ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة، يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، حتى إذا جاع من أَلف الشبع وعرف المترف أسباب المتع عرف الحرمان كيف يقع، وألم الجوع إذا لذع".
لقد كان على الهدى، وائتمر بالتقوى من منع جسده تخمة الغذاء ليمنع جوارحه السوء والأذى. قلة الشبع تكبح الجماح، وتبعد نزغات الشياطين، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقواعليه مجاريه قلة الشبع تجعل الجوارح أقرب لفعل القربة، يرق القلب، ويغزر الدمع، ويخذل الشيطان. وانظر وا في ضعافٍ مهازيلَ؛ ممن جاع نهاره، وملأ في الليل بطنه، فهو صريع لذة عارمة، وعبد لشهوة جامحة. هل حقق معنى التقوى حين تفنن بأطايب الطعام وألوان الموائد؟! بينما قليل منه قد يشبع جياعًا ويسعد أسرًا، قليل منه قد يكفكف دموعًا ويوقف عبراتٍ؟هل أعطى واتقى ـ أم كيف أعطى؟ وماذا اتقى؟ ـ من جعل رمضان تبذيرًا، وفطره تخمة؟! مسكين بائس لا يرى في الصوم إلا جوعًا لا تتحمله معدته، وعطشًا لا تقوى عليه عروقه. أي تقوى وأي مقاومة عند أمثال هؤلاء المهازيل؟! أولئك أقوام انهزمت عزائمهم أمام جوع بطونهم. لقد أورثهم الشبع قسوة، فجعلهم نَؤُومِين، وأقعدهم كسالى. ألا فاقعدوا أنتم الطاعمون الكاسون، من أعلن استسلامه في معركة لقيمات لا تدوم سوى سويعات فليس جديرًا بأن يعيش عزة المتقين، وعلياء الشهداء والمجاهدين.
أيها الأحبة، إن مما يؤسِف الناظر ويُحزن الخاطر ظاهرة ظاهرة الإسراف في المآكل والمشارب في شهر رمضان، زيادة على قدر الحاجة، وإكثارا على مقدار الكفاية حمل الكثير إلى رمي ما زاد من الأكل والزاد في النفايات والزبالات مع المهملات والقاذورات، في حين أن هناك أكباداً جائعة وأُسرًا ضائعة تبحث عما يسدّ جوعَها ويسكِّن ظمأها فاتقوا الله عباد الله، فما هكذا تُشكر النعم، وتستدفَع النقم، وكلواواشربواوَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ فتشوا عن المحتاجين من أقربائكم والمساكين من جيرانكم والغرباء من إخوانكم، لا تنسوا برهم وإسعادهم، أشركوهم معكم في رزق ربكم. اذكروا جوع الجائعين، ولوعة الملتاعين، وعبرات البائسين، وغربة المشردين ووحشة المهجرين. كيف سيكون صيام المشردين ؟! وهل سيصومون أم سيفطرون؟! وعلى أي شيء سيفطرون؟ رحم الله المستضعفين في كل مكان اسألوا في شهر التقوى والمحاسبة: هل قام بحق التقوى من بات شبعان وحوله جائع يستطيع إشباعه فلم يفعل؟ وهل قام بحق الشهر من رأى نفسًا مؤمنة بائسة يستطيع إسعادها فلم يفعل؟
أيهاالأحبة هذا حال البطن وما حوى. فيا ترى ما بال الرأس وما وعى؟ من لم يدع قول الزور والعمل به كيف صام؟ وماذا اتقى؟ حظه من صيامه الجوع والعطش ونصيبه من قيامه السهر والنصب. أين التقوى في أسماعهم وأبصارهم؟ حبسوا الجوفَ عن الطعام والشّراب ، وراحوا يُطلِقون في المحرّمات البصر، ولم يصونوه عن فضول النّظَر، وتقحَّموا حُمَّى اللّسان، ولم يرعوُوا عن النميمة والغيبةِ والبهتان واللغوِ والهذَيان،.، نهارهم نوم وكسل، وليلهم سهر وقنوات، وعظائم وموبقات متبرمون في أعمالهم، سيئون في معاملاتهم، ويتثاقلون في أداء مسؤولياتهم، نشاط في اللهو والسمر، وكسل في الجد والعبادة.خرَّج البخاريّ في صحيحه أنّ رسول الله قال: ((من لم يدَع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابه)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله كما عند أحمد وابن ماجه: ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر)). فاحذروا أيهاالأحبة ما أعدّه لكم أهلُ الانحلال، ودعاة الفساد والضلال، من برامج مضلة، ومشاهد مخِلّة، قومٌ مستولِغون لا يبالون ذماً،وآمنون لا يخافون عقابا، ومجرمون لا يراعون فطراً ولا صوماً، عدواناً وظلما، والله يريدأن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلواميلاعظيما
يا أهل التقوى: شهر هذه بعض أسراره وتلك بعض خصاله جديرأن يفرح به المتعبّدون ويتنافس في خيراته المتنافسون فاتقوا الله تعالى وأكرِموا هذا الوافد العظيم، جاهدوا النفوس بالطاعات، ابذلوا الفضل من أموالكم في البر والصلات استقبلوه بالتوبة الصادقة والرجوع إلى رب البريات، جددوا العهد مع ربكم وشدّوا العزم على الاستقامة، فكم من مؤمل بلوغه أصبح رهين القبور حتى إذاجاءأحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيماتركت كلا كلا كلا إنهاكلمة هوقائلهاومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون اللهمّ اسلُك بنا سبيلَ المتقين الأبرار، واجعلنا من صَفوةِ عبادك الأخيار، ومُنَّ علينا جميعًا بالعِتقِ من النار، برحمتك يا عزيز يا غفّار.أقول ماسمعتم، وأستغفِر اللهَ العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
أمّا بعد: فأوصيكم ـ عبادَ الله ـ ونفسي بتقوى الله جلّ في علاه، فإنّ التقوى مِرقاة النجاة ومِشكاة الهُداة وأزكى بضاعةٍ مرتجَاة في هذه الحياة، وها قد تدانَت لكم دواعيها، يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
أيّها المسلمون، يدور الزّمانُ دورتَه، وتذهب الليالي والأيامُ سِراعًا، وها هو عامُنا يطوِي أشهرَه تِباعًا، وإذا بالأمّة ترقُب ضَيفًا عزيزًا قد بدَت أعلامُه واقتَربت أيّامه والتَمَعت في الأفقِ القريب أنوارُه، إنّه شهرُ رمضانَ المبارك، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، شَهر الرّحمة والمغفِرة والعِتق من النّيران، شهرُ التّوبات وإجابة الدّعوات وإقالة العثَرات. شهرٌ تصفَّد فيه الشياطين وتغلَق أبواب الجحيم وتفتَح أبواب الجنة وينادِي منادٍ كلَّ ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغيَ الشرّ أقصر. شهرٌ يفرَح به كلُّ مسلم مهما كان حاله شهرٌ تَبتَلّ فيه الأرواحُ بعدَ جفافِها ورُكودِها، وتأنَس فيه النفوس بعد طولِ إعراضها وإِبَاقها. رمَضان مِلءُ السَّمع والبصر، فهو حديث المنابِر وزينة المنائِر وحياةُ المساجد، من صامَه إيمانًا واحتسابًا غفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه، فيه ليلة القَدر، هي خيرٌ من ألف شَهر، مَن قامها إيمانًا واحتِسابًا غفِر له ما تقدّم من ذنبه كما ثبتَ بذلك الخبَر عن النبيّ في الصحيحين وغيرهماإنّ يومَ إقبالك يارمضان لهوَ يومٌ تفتّحت له قلوبُنا وصدورُنا، فمرحبًا بك يا رمضان، حبيبًا جئت على فاقة، جئت بعد عام كامل، مات فيه قوم ووُلِدَ آخرون، واغتنى قوم وافتقر آخرون، وسَعِدَ قوم وشقي آخرون، واهتدى قوم وضلَّ آخرون. جئتنا بعد عام كامل وكأَنّ في ردائك كتابًا تقول فيه لكل مسلم: إذا أنت أدركتني هذه السنة فقد لا تُتِمّني، وإن أتممتني فقد لا تلقاني بعد عامي هذا، فالبِداَر البِدارَ قبل فَوَات الفُرَص وذهاب الأعمار.
أيّها المسلمون، إنَّ مَواسِمَ الخير فُرَص سَوانِح، بينما الموسم مقبلٌ إذ هو رائح، والغنيمةُ فيها ومِنها إنما هي صَبرُ ساعة، فيكون المسلم بعد قَبول عمله من الفائِزين ولخالقِه من المقرَّبين. فيا لله، كم تُستَودَع في هذه المواسم من أجور، وكم تخفُّ فيها من الأوزارِ الظهور، فاجعلنا اللّهمَّ لفضلك وشهرِك مدركين ولرضوانك حائزينَ، ووفِّقنا لصالح العملِ، واقبَلنا فيمن قبِلَ، واختم لنا بخيرٍ عند حضور الأجل.
أيها الإخوة، غاية الصيام تقوى الله عز وجل. تقوى يتمثل فيها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. تقوى صادقة دقيقة يترك فيها الصائم ما يهوى حذرًا مما يخشى
صام القلب واتقى إذا جرد العبودية لله وحده، خضع لجلاله، وسعى لقربه، وأنس بمناجاته. خلص من الشرك، وسلم من البدع، وتطهر من المعاصي. قلب تقي يرى الهوى والشهوة والظن والبغي، والعداوة والبغضاء، والغل والحسد والجدل والِمراَء أمراضًا قلبية فتاكة يرفضها ويأباها ويتقيها ويتقيَّؤُها، وصيامه ينفيها ويجفوها.
وإذا صلح القلب صلحت الجوارح، فقامت بحق الطاعة وكفت عن الآثام. فالبطن محفوظ وما حوى، ترك الطعام والشراب والشهوة من أجل الله، تقىً عالٍ يقي النفس جماح غرائزها، وإرادة مستعلية مستحكمة تأخذ أمر ربها بقوة، وتزدجر عن النواهي باستسلام. "الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذه الحكمة ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة، يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، حتى إذا جاع من أَلف الشبع وعرف المترف أسباب المتع عرف الحرمان كيف يقع، وألم الجوع إذا لذع".
لقد كان على الهدى، وائتمر بالتقوى من منع جسده تخمة الغذاء ليمنع جوارحه السوء والأذى. قلة الشبع تكبح الجماح، وتبعد نزغات الشياطين، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقواعليه مجاريه قلة الشبع تجعل الجوارح أقرب لفعل القربة، يرق القلب، ويغزر الدمع، ويخذل الشيطان. وانظر وا في ضعافٍ مهازيلَ؛ ممن جاع نهاره، وملأ في الليل بطنه، فهو صريع لذة عارمة، وعبد لشهوة جامحة. هل حقق معنى التقوى حين تفنن بأطايب الطعام وألوان الموائد؟! بينما قليل منه قد يشبع جياعًا ويسعد أسرًا، قليل منه قد يكفكف دموعًا ويوقف عبراتٍ؟هل أعطى واتقى ـ أم كيف أعطى؟ وماذا اتقى؟ ـ من جعل رمضان تبذيرًا، وفطره تخمة؟! مسكين بائس لا يرى في الصوم إلا جوعًا لا تتحمله معدته، وعطشًا لا تقوى عليه عروقه. أي تقوى وأي مقاومة عند أمثال هؤلاء المهازيل؟! أولئك أقوام انهزمت عزائمهم أمام جوع بطونهم. لقد أورثهم الشبع قسوة، فجعلهم نَؤُومِين، وأقعدهم كسالى. ألا فاقعدوا أنتم الطاعمون الكاسون، من أعلن استسلامه في معركة لقيمات لا تدوم سوى سويعات فليس جديرًا بأن يعيش عزة المتقين، وعلياء الشهداء والمجاهدين.
أيها الأحبة، إن مما يؤسِف الناظر ويُحزن الخاطر ظاهرة ظاهرة الإسراف في المآكل والمشارب في شهر رمضان، زيادة على قدر الحاجة، وإكثارا على مقدار الكفاية حمل الكثير إلى رمي ما زاد من الأكل والزاد في النفايات والزبالات مع المهملات والقاذورات، في حين أن هناك أكباداً جائعة وأُسرًا ضائعة تبحث عما يسدّ جوعَها ويسكِّن ظمأها فاتقوا الله عباد الله، فما هكذا تُشكر النعم، وتستدفَع النقم، وكلواواشربواوَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ فتشوا عن المحتاجين من أقربائكم والمساكين من جيرانكم والغرباء من إخوانكم، لا تنسوا برهم وإسعادهم، أشركوهم معكم في رزق ربكم. اذكروا جوع الجائعين، ولوعة الملتاعين، وعبرات البائسين، وغربة المشردين ووحشة المهجرين. كيف سيكون صيام المشردين ؟! وهل سيصومون أم سيفطرون؟! وعلى أي شيء سيفطرون؟ رحم الله المستضعفين في كل مكان اسألوا في شهر التقوى والمحاسبة: هل قام بحق التقوى من بات شبعان وحوله جائع يستطيع إشباعه فلم يفعل؟ وهل قام بحق الشهر من رأى نفسًا مؤمنة بائسة يستطيع إسعادها فلم يفعل؟
أيهاالأحبة هذا حال البطن وما حوى. فيا ترى ما بال الرأس وما وعى؟ من لم يدع قول الزور والعمل به كيف صام؟ وماذا اتقى؟ حظه من صيامه الجوع والعطش ونصيبه من قيامه السهر والنصب. أين التقوى في أسماعهم وأبصارهم؟ حبسوا الجوفَ عن الطعام والشّراب ، وراحوا يُطلِقون في المحرّمات البصر، ولم يصونوه عن فضول النّظَر، وتقحَّموا حُمَّى اللّسان، ولم يرعوُوا عن النميمة والغيبةِ والبهتان واللغوِ والهذَيان،.، نهارهم نوم وكسل، وليلهم سهر وقنوات، وعظائم وموبقات متبرمون في أعمالهم، سيئون في معاملاتهم، ويتثاقلون في أداء مسؤولياتهم، نشاط في اللهو والسمر، وكسل في الجد والعبادة.خرَّج البخاريّ في صحيحه أنّ رسول الله قال: ((من لم يدَع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابه)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله كما عند أحمد وابن ماجه: ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر)). فاحذروا أيهاالأحبة ما أعدّه لكم أهلُ الانحلال، ودعاة الفساد والضلال، من برامج مضلة، ومشاهد مخِلّة، قومٌ مستولِغون لا يبالون ذماً،وآمنون لا يخافون عقابا، ومجرمون لا يراعون فطراً ولا صوماً، عدواناً وظلما، والله يريدأن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلواميلاعظيما
يا أهل التقوى: شهر هذه بعض أسراره وتلك بعض خصاله جديرأن يفرح به المتعبّدون ويتنافس في خيراته المتنافسون فاتقوا الله تعالى وأكرِموا هذا الوافد العظيم، جاهدوا النفوس بالطاعات، ابذلوا الفضل من أموالكم في البر والصلات استقبلوه بالتوبة الصادقة والرجوع إلى رب البريات، جددوا العهد مع ربكم وشدّوا العزم على الاستقامة، فكم من مؤمل بلوغه أصبح رهين القبور حتى إذاجاءأحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيماتركت كلا كلا كلا إنهاكلمة هوقائلهاومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون اللهمّ اسلُك بنا سبيلَ المتقين الأبرار، واجعلنا من صَفوةِ عبادك الأخيار، ومُنَّ علينا جميعًا بالعِتقِ من النار، برحمتك يا عزيز يا غفّار.أقول ماسمعتم، وأستغفِر اللهَ العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.