تحصين الآبار حفاظاً على الأرواح

د صالح بن مقبل العصيمي
1443/07/16 - 2022/02/17 19:22PM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ ...
لَقَدِ اعْتَنَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِحِفْظِ النَّفْسِ عِنَايَةً فَائِقَةً، فَشَرَّعَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يُحَقِّقُ لَهَا الْمَصَالِحَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْمَفَاسِدَ، فَمِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ: تَحْرِيمُ الِانْتِحَارِ، قَالَ تَعَالَى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمِنْهُ تَحْرِيمُ قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ.
بَلْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ سَبَبٍ يُؤَدِّي إِلَى الْإِضْرَارِ بِالنَّفْسِ أَوْ إِهْلَاكِهَا، كَرَفْعِ السِّلَاحِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ مِزَاحًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُشِرْ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ. قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ تَأْكِيدُ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ،وَالنَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ تَرْوِيعِهِ وَتَخْوِيفِهِ وَالتَّعَرُّضِ لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ حُرْمَةُ التَّسَبُّبِ فِي أَذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقَاتِهِمْ، كَتَرْكِ الْآبَارِ وَالْمَجَارِي وَالْحُفَرِ مَكْشُوفَةً بِدُونِ غِطَاءٍ، مِمَّا قَدْ يُعَرِّضُ السَّيَّارَاتِ وَالْمُشَاةَ لِلسُّقُوطِ فِيهَا، وَإِعَاقَتِهِمْ أَوْ إِزْهَاقِ أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ صُوَرِ الْقَتْلِ ؛ الْقَتْلُ عَنْ طَرِيقِ التَّسَبُّبِ كَمَنَ يَحْفِرُ بِئْرًا فَيَقَعُ فِيهَا إِنْسَانٌ فَيَمُوتُ.
فَكَمْ مِنَ الْمَآسِي كَانَتْ بِسَبَبِ هَذِهِ الآبَارِ الَّتِي أَصْبَحَتْ مَقَابِرَ لِمَنْ سَقَطَ فِيهَا، وَذَلِكَ لِصُعُوبَةِ إِنْقَاذِهِمْ مِنْ قِبَلِ رِجَالِ الإِنْقَاذِ وَالإِسْعَافِ. فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاحْرِصُوا عَلَى سَلامَتِكُمْ وَسَلامَةِ ذَوِيكُمْ وَالْآخَرِينَ، وَتَعَاوَنُوا مَعَ الْجِهَاتِ ذَاتِ الاخْتِصَاصِ بِالإِبْلاغِ عَنِ الآبَارِ الْمَكْشُوفَةِ وَالْمَهْجُورَةِ لِرَدْمِهَا وَتَحْصِينِهَا؛ لِضَمَانِ سَلامَةِ عَابِرِي الطُّرُقِ وَالْمُتَنَزِّهِينَ؛ لِنَسْعَدَ جَمِيعًا بِالأَمْنِ وَالأَمَانِ، وَالسَّعَادَةِ وَالاطْمِئْنَانِ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
**********
———— الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:—————
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ... 
عِبَادَ اللَّهِ: شَرِيعَةُ الإِسْلامِ كُلُّهَا عَدْلٌ وَخَيْرٌ وَرَحْمَةٌ لِلنَّاسِ كَافَّةً إِذَا الْتَزَمُوهَا وَعَمِلُوا بِهَا وَامْتَثَلُوهَا؛ وَمِنْ ذَلِكَ بَعْدَ تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ: حِفْظُ النَّفْسِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ ضَرُورَةٌ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْحَيَاةِ، بَلْ مِنْ أَهَمِّ الضَّرُورِيَّاتِ بَعْدَ حِفْظِ الدِّينِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى سَلَامَةِ نَفْسِهِ وَحِفْظِهَا مِنَ الأَخْطَارِ وَالْمَهَالِكِ، وَقَدَ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ،قَالَ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي تَفْسِيرِهِ: وَمِنْ ذَلِكَ تَغْرِيرُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي مُقَاتَلَةٍ، أَوْ سَفَرٍ مَخُوفٍ، أَوْ مَحَلِّ مُسْبِعَةٍ، أَوْ حَيَّاتٍ، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرًا أَوْ بُنْيَانًا خَطِرًا، أَوْ يَدْخُلُ تَحْتَ شَيْءٍ فِيهِ خَطَرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.
 
 
 
 
المرفقات

1645125728_خطبة الجمعة بعنوان تحصين الآبار حفاظاً على الأرواح.docx

1645125737_خطبة الجمعة بعنوان تحصين الآبار حفاظاً على الأرواح.pdf

المشاهدات 2269 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا