تحريم فعل قوم لوط عليه السلام
حسين بن حمزة حسين
الحمد لله الذي يسر لنا سبل التقى والعفاف، ونجانا بفضله من الرذيلة ومساوئ الأخلاق، أحمده سبحانه وأشكره أن شرع لأمة الإسلام من الحدود ما يحفظ عفافها من الانحراف، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: ( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
أيها المسلمون : فَطَرَ الله جل جلاله الناس على العفاف ، ورغّبهم فيه، وحرّم عليهم الشذوذ وكرّههم فيه ، غيْر أن بعض الناس، قلبوا الفطر، واستبدلوا الطّيّب بالخبيث، والعفّة بالرذيلة ، فعَمَدوا الى ما حرّم الله ويكره فاقترفوه، يعيش أحدهم في الخسّة والخباثة ، تنازعه فطرته السليمة فيكبتها، ويدعوه واعظ الخير فيتجاهله، غلبته نفسه الخبيثة بالشر، فانطمست فطرته، ودامت نجاسته ، وكان جوابه كأسلافه الطغاة ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) نسأل الله السلامة .
إخوة الإيمان: عنوان الخطبة اليوم عن جريمةِ عملِ قوم لوط، جريمةٌ لا يقْدُم على فعلها إلا من انتكست فطرته،
وخبثت نفسه، واتصف بكل صفات الخنا والعار والفجور طبعه، جريمةٌ من أكبر الجرائم المفسدة للخُلق والفطرة والدّين، جعل الله عقوبته أغلظ من عقوبة الزنى، لأن الزنى فِعْلٌ فاحش في فرج يباح بالنكاح، أما عمل قوم لوط فهو فعلٌ فاحش في دبر لا يباح أبداً، لذلك كانت عقوبته للمحصن وغير المحصن سواء، كبيرة من كبائر الذنوب والآثام، جاء تحريمها في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل محرّمةٌ في جميع الأديان، بل أجمع أهل الفطر السليمة على قذارتها وخبثها، جريمةٌ لم تُعرف على وجه الأرض قبل قوم لوط عليه السلام، وأكرمَ الله لوطًا وشرّفه وطهّره منهم ومن فجورهم، كما أخبر تعالى على لسان لوط عليه السلام (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) فخوّفهم لوطٌ عليه السلام ووعظهم وحذّرهم مغبةَ فجورهم، ولكنهم حقا قومٌ مسرفون، فتمادوا في غيّهم وخبثهم، فأهلكهم الله جلّ جلاله بسوء صنيعهم ، قال الله تعالى: ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليَها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) .
حذّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من فعل عمل قوم لوط عليه السلام أشد تحذير، فقال عليه الصلاة والسلام ( إن أخوف ما أخاف على امتي عمل قوم لوط) رواه الترمذي وصححه الألباني، وروى الحاكم وحسنه الألباني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خمس بخمس ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر, ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر)، وقال صلى الله عليه وسلم : "يا معشر المهاجرين, خصالٌ خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، وذكر منهنّ : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) . رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
عباد الرحمن: احذروا موارد اللعنات من رب البريات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ملعون من وقع على بهيمة ، ملعون من عَمِلَ بعمل قوم لوط " رواه أحمد وصححه الألباني، وروى النسائي بسنده عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، لعن الله من عمل عمل قوم لوط)، وروى الترمذي بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)، وهذا فيما إذا كان المفعول به قد أمكن نفسه للمفتعل راضيًا غير مكره، فحد الفاعل والمفعول به القتل، وقد أجمع على ذلك الصحابة والعلماء من بعدهم، واختلفوا في كيفية قتلهم، فمنهم من يرى إحراقهم بالنار، كما ثبت عن علي رضي الله عنه، ومنهم من يرى رميهم من أعلى شاهق في البلد، ومنهم من يرى رميهم بالحجارة قياساً على الزنا، ومنهم من يرى ضربَ أعناقهم بالسيف، فهم جرثومة خبيثة لا يصلح السلامة منها إلا ببترها .
أخوة الإيمان: يلحق بذلك السحاق وهو أن تفعل المرأة بالمرأة مثل ما يفعل بها الرجل، جاء في تفسير الألوسي – رحمه الله –: أول ما بدأ السّحاف في قوم لوط عليه السلام، فكانت المرأة تأتي المرأة، فعن أبي حمزة رضي الله تعالى عنه قال : قلت لمحمد بن علي، عذّب الله تعالى نساءَ قومِ لوط بعمل رجالهم؟ فقال: الله تعالى أعْدل من ذلك، استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء. انتهى، فالسّحاق جريمة أجمع العلماء على تحريمها، كبيرة من الكبائر، بل تشتمل على جملة من الكبائر من كشف للعورات والنظر المحرّم ولمس للعورة المحرّمة، وهذا كله حرام بإجماع المسلمين، ففي صحيح مسلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضى الرجل إلى الرجل فى ثوب واحد، ولا تفضى المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد.
ويلحق بذلك – يا عباد الله – إتيان الرجل زوجته في الدبر، فهو محرّم من المحرمات كبيرة من الكبائر، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظرُ اللَّهُ إلى رجلٍ أتى رجلًا، أو امرأةً في الدُّبرِ)) رواه الترمذي وصححه الألباني.
اللهم جنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن...أقول ما تسمعون واستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي حرم الفواحش كلّها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحل الطيبات والفضائل كلها ، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله صلى الله عليه وآلة وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله، واعتصموا به واستغيثوا به واستعينوا، واحرصوا على الفضيلة وسبلها، ربّوا أولادكم عليها واسألوا الله صلاحَكم وصلاحَهُم، ربّوا أولادكم على الرجولة والخشونة، أبعدوهم عن مواطن الخنا والميوعة، لا تتركوا أبناءكم يلبسون لباس البنات ويتشبهون بهم في اللباس وقص الشعر والميوعة فيكونون فتنة لغيرهم، فيتصيّدهم الخبثاء، لا تتركوهم أبناءكم الصغار مع من هم أكبر منهم من الأولاد من غير رقيب ولا حسيب ولو كانوا من الأقارب والأرحام، بيّنوا لهم خطورة هذا الأمر، حذّروهم منه ولو كانوا صغارا كما تحذرونهم أسباب العطب واللعب في النار، ولنتذكّر قول النبي صلى الله عليه وسلم " مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " . حَدِيثٌ حَسَنٌ ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ ،
وهل يُرجى ممن يلوط العَذِرَةَ، أو يدعو الناس لنفسه كالمرأة خيرًا؟! "
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد..
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا ذا الجلال والإكرام