تحريم الغلول (الفساد المالي) 1439/02/21

تحريم الغلول (الفساد المالي)[1]

إنَّ الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما أما بعد:

     فاتقوا الله أيها المؤمنون, واعلموا أنكم على أعمالكم محاسبون, فمن عمل خيرا فليحمد الله ومن عمل سوءً فليتب إلى الله فإنَّ الله غفور رحيم.

معاشر المسلمين: إنَّ حُب المال إذا غطى العقل, أوقع صاحبه في الحرام, فيجمع المال الحرام والمشتبهَ فيه, لا يمنعه إيمان, ولا تقوى الله عزوجل, يجمع المال الحرام لضعف نفسه, وطمعها فيما ليس لها, وقد يجره ذلك إلى خيانة الأمانة التي تحمَّلها عياذا بالله من ذلك, ومن المحرَّمات محرَّمات يستهين بها أقوام, هي في أنظارهم سهلة يسيرة, لكنها في الحقيقة ندامة وخسارة وفضيحة يوم القيامة, ومن تلك المحرمات التي يستهين بها أقوام, الغلول قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] قال السعدي رحمه الله: (أي: يأت به حامله على ظهره، حيوانا كان أو متاعا، أو غير ذلك، ليعذب به يوم القيامة)[2] انتهى ما قاله رحمه الله والغلول كبيرة من كبائر الذنوب كما ذكر ذلك الإمام الذهبي وابن حجر الهيتمي والشيخ محمد بن عبدالوهاب[3] وغيرهم رحمهم الله والغلول هو (الْخِيَانَة فِي بَيت مَالٍ، أَو زَكَاةٍ، أَو غنيمَة)[4] بأن يأخذ من بيت مال المسلمين بالخفاء أوبطرق ملتوية بالتحايل, أو باختلاس شيء من الفيء والغنائم, قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا - أَوْ عَبَاءَةٍ -»[5] أخرجه مسلم. وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا البَقَرَ وَالإِبِلَ وَالمَتَاعَ وَالحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي القُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ العَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ - أَوْ شِرَاكَانِ - مِنْ نَارٍ»[6] متفق عليه.

معاشر المسلمين: ويكون الغلول أيضاً بالاختلاس من مال الزكاة أو بقبول ما يُهدى من المزكين إلى جُباة الزكاة, ويدخل في الغلول أخذ العمَّالِ المالَ من أصحاب المعاملات أو قبول الهدايا والأعطيات فهلَّا قعد في بيت أبيه وأمه؛ لينظر هل يُهدى إليه أم لا؟! عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ –أي أقلني منه[7]- قَالَ: «وَمَا لَكَ؟» قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى»[8]أخرجه مسلم والمِخيَطُ: هو الإبرة.

ويدخل في الغلول: اغتصاب الأراضي والعقارات بغير حق, قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[9] أخرجه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ»[10] أخرجه البخاري.

معاشر المسلمين: إذا كان تغليظ تحريم الغلول حتى من الشيء الذي لا يهم أكثر الناس, وهي الإبرة, فكيف بمن يغُلُّ أكثر من ثمنها.

المؤمن يا عباد الله: يعرف غلظ تحريم الغلول وما ورد فيه من آيات وأحاديث مما سبق ذكره, وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ»[11] أخرجه البخاري

والمراد بالتخوض في المال بغير حق, أي: التخليط في المال وتحصيله من غير وجهه كيفما أمكن[12].

إنَّ المؤمن يتحرَّز أشد التحرُّز من أي مال محرَّم أو مال فيه شبهة تحريم, لأنه يريد أن يأكل حلالاً ويشرب حلالا ويلبس حلالا, يريد مالاً لا يخالطه أيَّ شيء محرَّم ولو كان قِرشاً واحدا.

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية      تحريم الغلول (الفساد المالي)

الحمدلله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلق فسوى وقدر فهدى, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون وراقبوه في السر والعلن.

معاشر المسلمين: إنَّ الغلول فساد مالي, يضرُّ بالمجتمع, يُضعِّفه ويُعطِّل التنمية فيه, ويحصل به من الظلم ما يحصل, وأولئك الذين يغُلُّون من بيت المال إن سلموا من الفضيحة والمحاسبة والعقوبة في الدنيا فلن يسلموا منها يوم القيامة.

معاشر المسلمين: وإنَّ مما يُتفاءل ويستبشر به في محاربة الفساد المالي أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله بتشكيل لجنة عليا لحصر قضايا الفساد والتحقيق فيها مع المتورطين, حيث إنَّه لن تقوم للوطن قائمة مالم يتم اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين وكل من أضر بالبلد وتطاول على المال العام.

عباد الله:  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم أعز من في عزه عزٌّ للإسلام والمسلمين وأذل من في ذله عزٌّ للإسلام والمسلمين, اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين, اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان وول عليهم خيارهم اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين ووفقهم لتحكيم كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم واجمع كلمتهم على الحق, اللهم وفق وأيد ولي أمرنا وولي عهده الأمين وانصر بهما دينك وأعل بهما كلمتك واجمع بهما كلمة المسلمين على الحق واحفظهما بحفظك يا رب العالمين.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عوراتنا واغفر لوالدينا وللمؤمنين اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.

اللهم عليك بأعداء الدين مزقهم وزلزلهم وخالف بين قلوبهم واهزمهم يا قوي يا عزيز اللهم عليك بالحوثيين وأعوانهم اشدد وطأتك عليهم واقتلهم بسلاحهم وصب عليهم عذابك وأليم عقابك. اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي وانصر جنود التحالف العربي في اليمن اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وصوب آراءهم.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.....

[1] تم إعدادها يوم الثلاثاء 18/02/1439 خطبة الجمعة 21/02/1439 جامع الداخلة في سدير, عمر المشاري.

[2] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 155)

[3] الكبائر للذهبي الكبيرة الثانية والعشرون ص (24). الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 291).

الكبائر لمحمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول) (ص: 45).

[4] الكليات (ص: 671).

[5] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان, باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون برقم (114).

[6] أخرجه البخاري في كتاب المغازي, باب غزوة خيبر برقم (4234) ومسلم في كتاب الإيمان, باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون برقم (115).

[7] شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (8/ 2606).

[8] أخرجه مسلم في كتاب الإمارة, باب تحريم هدايا العمال برقم (1833).

[9] أخرجه مسلم في كتاب المساقاة, باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها برقم (1610).

[10] أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب, باب إثم من ظلم شيئا من الأرض برقم (2454).

[11] أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس, بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] برقم (3118).

[12] تعليق الشيخ مصطفى البغا على الحديث في صحيح البخاري (4/ 85).

المرفقات

الغلول-الفساد-المالي

الغلول-الفساد-المالي

المشاهدات 1464 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


وإياك يا الشيخ شبيب القحطاني