تَحْذِيرُ كِبِارِ العُلَمَاءِ مِنْ جَمَاعَةِ الْإِخْوَانِ 27 رَبِيع الأَوَّلِ 14
محمد بن مبارك الشرافي
تَحْذِيرُ كِبِارِ العُلَمَاءِ مِنْ جَمَاعَةِ الْإِخْوَانِ 27 رَبِيع الأَوَّلِ 1442
الْحَمْدُ للهِ الذِي مَيَّزَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِالتَّسْلِيمِ لأَدِلِّةِ الْقُرْآنِ الْمُبِين, وَآثَرَهُمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى دَعَائِمِ الدِّين، وَوَفَّقَ أَهْلَ الْحَقِّ لِلاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِين،, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهِ، دَعَا إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين، وَأَصْحَابِهِ وَمْنَ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِدْعَةَ: هِيَ الإحْدَاثُ فِي الدِّينِ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَل. وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِن الْبِدَعِ وَمِنْ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ, فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ, حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ـ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) وَيَقُولُ (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَانْظُرُوا كَيْفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِن البِدْعَةِ مَعَ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَعَلَمُ الأَمَّةِ عَلَى الإطْلاقِ ... أَفَلا يَجْدُرُ بِنَا نَحْنُ أَنْ نَخَافَ مِنْهَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَيُحَذِّرَ بَعْضُنَا بَعْضَاً ؟
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ, فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ (نَعَمْ ) فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ ( نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ ) قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ ( قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ) فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ ( نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا! قَالَ ( نَعَمْ: قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ ( تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ) فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ ( فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَضَى بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ وَمَشِيئَتِهِ النَّافِذَةِ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ الإسْلامِيَّةَ سَوْفَ تَفْتَرِقُ بَعْدَ مَوْتِ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فِرَقٍ شَتَّى, وَالذِي عَلَى الْحَقِّ مِنْهَا وَاحِدَةٌ, وَهِيَ مَنْ تَمَسَّكَتْ بِهَدْيِ نَبِيِّهَا عَلَى الْوَجْهِ الأَكْمَلِ ... فَهَلْ نَحْنُ مِنْ تِلْكَ الطَّائِفَةِ النَّاجِيَةِ ؟ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً, فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ, وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً, فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ, وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ (الْجَمَاعَةُ ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ, مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يُبَيِّنُ لَنَا أَتَمَّ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَنْشَأُ فِي الْأُمَّةِ فِرَقٌ وَجَماعَاتٌ كُلُّهَا تَنْتَسِبُ إِلَى الْإِسْلامِ, وَلَكِنَّ الذِي عَلَى الْحَقِّ وَاحِدَةٌ وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَاتِ مُتَوَعَّدُونَ بِالنَّارِ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِلْمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ, وَلَسْنَا نَقُولُ إِنَّهُمْ كُفَّارٌ لَكِنَّهُمْ أَهْلُ بِدَعٍ وَانْحِرَافٍ عَنِ الْمَنْهَجِ الْإِسْلَامِيِّ الصَّحِيحِ, وَلَوْ تَأَمَّلْتَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ فِي الْمُجْتَمَعِ الْيَوْمَ سَتَجِدُ جَمَاعَاتٍ مُتَنَوِّعَةً تَتَسَمَّى بِمُسَمَّيَاتٍ تَخْتَصُّ بِهَا وَتُوَالِي وَتُعَادِي عَلَى تِلْكَ الْجَمَاعَةِ, وَمَنْ لَمْ يَنْتَسِبْ إِلَيْهِمْ فَلَيْسَ مَرْضِيًّا عَنْهُ, وَإِنْ عَارَضَهُمْ أَوِ انْتَقَدَهُمْ فَهُوَ الْعَدُوُّ اللَّدُودُ, كَجَمَاعَةِ التَّبْلِيغِ التِي يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْأَحْبَابِ, وَيَكْثُرُ فِيهِمُ الْجَهْلَ وَتَقْلِيدِ الْعَجَمِ بَلْ تَعْظِيمُ عُلَمَاءِ الْعَجَمِ, وَقْد سَبَقَ أَنْ خَطَبْنَا عَنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَحَذَّرْنَا مِنْهَا.
وَمِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِطَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ : جَمَاعَةُ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ التَي نَشَأَتْ فِي بِلَادِ مِصْرَ حَرَسَهَا اللهُ قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ 90 سَنَةً, وَكَانَ قَصْدُهَا الصَّلَاحَ وَالْهِدَايَةَ لِلنَّاسِ, وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَنْهَجُهُمْ لَمْ يُؤَسَّسْ عَلَى الْعِلْمِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ, حَصَلَ مِنْهُمْ انْحِرَافٌ وَبُعْدٌ عَنِ الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ يَهْتَمُّوا بِالْعَقِيدَةِ, وَإِنَّمَا كَانَ هَدَفُهُمْ الْوُصُولَ لِلسُّلْطَةِ, وَارْتَكَبُوا فِي سَبِيلِ ذَلِكَ الْأَخْطَاءَ , وَحَصَلَ شَرٌّ, وَأَخَذُوا مِنْ أُصُولِ الصُّوفِيَّةِ وَمِنْ أُصُولِ الرَّافِضَةِ الشِّيعَةِ.
ثُمَّ حَصَلَ تَصَادُمٌ بَيْنَ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَالْحُكُومَةِ الْمِصْرِيَّةِ فَقَامَتْ بِإِلْغَاءِ الْجَمَاعَةِ وَمُطَارَدَةِ أَعْضَائِهَا وَالزَّجِّ بِكَثِيرٍ مِنْهُمْ فِي السُّجُونِ, فَفَرَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ, وَمِنْهَا بِلادُنَا الْمَمْلَكَةُ الْعَرَبِيَّةُ السُّعُودِيَّةُ, فَوَجَدُوا الاسْتِقْبَالَ وَالتَّرْحِيبَ وَوَظَّفَتِ الدَّوْلَةُ كَثِيرًا مِنْهُمْ فِي الْجَامِعَاتِ وَالْمَدَارِسِ حُبًّا لِلْخَيْرِ وَقِيَامًا بِوَاجِبِ الضِّيَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ, وَالْأَصَالَةِ الْعَرَبِيَّةِ, وَلَكِنْ سُرْعَانَ مَا تَنَكَّبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَخَالَفَ الْحَقَّ وَرَجَعَ إِلَى ما تَرَبَّى عَلَيْهِ, فَبَدَلًا مِنْ رَدِّ الْجَمِيلِ لِلدَّوْلَةِ التِي اسْتَقْبَلَتْهُمْ وَاحْتَوَتْهُمْ وَفَتَحَتْ أَبْوَابَهَا لَهُمْ وَعَامَلَتْهُمْ كَالْمُوَاطِنِينَ, بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ صَارُوا يُؤَلِّبُونَ عَلَى الدَّوْلَةِ وَيُرَبُّونَ الْطُلَّابَ فِي الْمَدَارِسِ وَالْجَامِعَاتِ عَلَى مُعَادَاتِهَا, حَتَّى صَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَبْنَاءِ هَذِهِ الْبِلَادِ يَحْقِدُ عَلَى الْحُكَّامِ وَيُعَادِيهِمْ, بَلْ وَيَذُمُّ الْعُلَمَاءَ وَيتَنَقَّصُهُمْ, وَيُؤَلِّبُ النَّاسَ عَلَى الدَّوْلَةِ, إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَصَلَ وَيَعْرِفُهُ مَنْ عَاصَرَ الدَّعْوَةَ قَبْلَ ثَلاثِينَ سَنَةً مِنَ الآنَ أَوْ مَا قَارَبَهَا, وَلَمَّا صَارَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ دَأَبَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَبَيَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الزَّلَلِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الانْتِسَابِ إِلَيْهَا أَوِ التَّعَاطُفِ مَعَهَا. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغِفُرُ اللهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا نَصُّ بَيَانِ هَيْئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ جَمَاعَةِ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ : إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالاجْتِمَاعِ عَلَى الْحَقِّ وَنَهَى عَنِ التَّفَرُّقِ وَالاخْتِلَافِ. قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}، وَأَمَرَ الْعِبَادَ بِاتِّبَاعِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ السُّبُلِ التِي تَصْرِفُ عَنِ الْحَقِّ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وَإِنَّمَا يَكُونُ اتِّبَاعُ صِرَاطِ اللهِ الْمُسْتَقِيمِ بِالاعْتِصَامِ بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَنَّ مِنَ السُّبُلِ التِي نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنِ اتِّبَاعَهَا الْمَذَاهِبِ وَالنِّحَلِ الْمُنْحَرِفَةِ عَنِ الْحَقِّ، فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللهِ مُسْتَقِيمًا"، ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّبُلُ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحَمْد.
قَالَ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّبِعُوهَ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} وَقَوْلُهُ {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}. وَنَحْوِ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: أَمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَاتِ فِي دِينِ اللهِ.
وَالاعْتِصَامُ بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ سَبِيلُ إِرْضَاءِ اللهِ وَأَسَاسِ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَوَحْدَةِ الصَّفِّ، وَالْوِقَايَةِ مِنَ الشُّرُورِ وَالْفِتَنِ، قَالَ تَعَالَى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون}, فَعُلِمَ مِنْ هَذَا: أَنَّ كُلَّ مَا يُؤَثِّرُ عَلَى وَحْدَةِ الصَّفِّ حَوْلَ وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَثِّ شُبَهٍ وَأَفْكَارٍ، أَوْ تَأَسْيسِ جَمَاعَاتٍ ذَاتِ بَيْعَةٍ وَتَنْظِيمٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِدَلالَةِ الْكِتَاب وَالسُّنَّةِ. وَفِي طَلِيعَةِ هَذِهِ الْجَمَاعَاتِ التِي نُحَذِّرُ مِنْهَا جَمَاعَةُ الْإِخْوَانِ، فَهِيَ جَمَاعَةٌ مُنْحَرِفَةٌ، قَائِمَةٌ عَلَى مُنَازَعَةِ وُلاةِ الْأَمْرِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْحُكَّامِ، وَإِثَارَةِ الْفِتَنِ فِي الدُّوَلِ، وَزَعْزَعَةِ التَّعَايُشِ فِي الْوَطَنِ الْوَاحِدِ، وَوَصْفِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِالْجَاهِلِيَّةِ.
وَمُنْذُ تَأْسِيسِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا عِنَايَةٌ بِالْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَلا بِعُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا غَايَتُهَا الْوُصُولُ إِلَى الْحُكْمِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ تَارِيخُ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ مَلِيئًا بِالشُّرُورِ وَالْفِتَنِ، وَمِنْ رَحِمِهَا خَرَجَتْ جَمَاعَاتٌ إِرْهَابِيَّةٌ مُتَطَرِّفَةٌ عَاثَتْ فِي الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ فَسَادًا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ وَمُشَاهَدٌ مِنْ جَرَائِمِ الْعُنْفِ وَالْإِرْهَابِ حَوْلَ الْعَالَمِ.
وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَّضِحُ أَنَّ جَمَاعَةَ الْإِخْوَانِ جَمَاعَةٌ إِرْهَابِيَّةٌ لا تُمَثِّلُ مَنْهَجَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا تَتَّبِعُ أَهْدَافَهَا الْحِزْبِيَّةَ الْمُخَالِفَةَ لِهَدْيِ دِينِنَا الْحَنِيفِ، وَتَتَسَتَّرُ باِلدِّينِ وَتُمَارِسُ مَا يُخَالِفُهُ مِنَ الْفُرْقَةِ وَإِثَارَةِ الْفِتْنَةِ وَالْعُنْفِ وَالْإِرْهَابِ.
فَعَلَى الْجَمِيعِ الْحَذَرُ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ الانْتِمَاءِ إِلَيْهَا أَوِ التَّعَاطُفِ مَعَهَا. ا. هـ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ نَجَاتَنَا مِن الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ عُمُوماً هِيَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلاً ثُمَّ بِتَعَلَّمِ الْعِلْمِ عَلَى أَيْدِي الْعُلُمَاءِ الرَّاسِخِينَ, وَسُؤَالِهِمْ عَمَّا أَشْكَلَ, وَالْحَذَرِ مِنْ كُلِّ جَدِيدٍ فِي الدِّينِ لَمْ يَتَّضِحْ أَنَّهُ مِنْ هَدْيِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوحَاً بَيِّنَاً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشِنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادِنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ ... اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
السَّبْعِ-الْمَثَانِي-27-رَبِيعٍ-الأَو
السَّبْعِ-الْمَثَانِي-27-رَبِيعٍ-الأَو
تَحْذِيرُ-كِبِارِ-العُلَمَاءِ-مِنْ-ج
تَحْذِيرُ-كِبِارِ-العُلَمَاءِ-مِنْ-ج
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق