تَحْذِير أَهْل الْإِيمَان مِنْ جَمَاعَة الْإِخْوَان
عايد القزلان التميمي
الخطبة الأولى 27 ربيع الأول 1442هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا مُسْلِمين وَأَكْمَل لَنَا الدِّين وَأَتَمّ عَلَيْنَا بِهِ النِّعْمَةَ مِنْ بَيْنِ الْعَالَمِينَ ، وَقَالَ وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))} وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، إلَه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، وَقَيُّوم السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ ، أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، وحذَّركم أَنْ تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ : { مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شيعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى وَالرَّسُول الْمُجْتَبَى ، الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ .
أما بعد فيا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَرّقَ الْمُسْلِمُونَ فِي دِينِهِمْ شيعاً وأحزاباً يَلْعَن بَعْضُهُم بعضاً وَيَضْرِبُ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ، فَإِنَّ هَذَا التَّفَرُّق مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَتَوَعَّد فَاعِلِيه بِالْعَذَاب الْعَظِيم ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، إلى قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
أيها المؤمنون : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الْحَقِّ وَنَهَى عَنْ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ قَالَ تَعَالَى : (( إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إنَّمَا أَمْرُهُمْ إلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يفعلون)) ، وَأَمَر الْعِبَادَ بِاتِّبَاعِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ السُّبُلِ الَّتِي تَصْرفُ عَنْ الْحَقِّ ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ : ” وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مستقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تتقون” . وَإِنَّمَا يَكُونُ اتِّبَاعُ صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ بِالِاعْتِصَامِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أنّ مِن السُّبُلِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ اتِّبَاعِهَا الْمَذَاهِبَ والفِرَق الْمُنْحَرِفَةَ عَنْ الْحَقِّ ، فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّه بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :”خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطاً بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ : ” هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مستقيماً” ، ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ، ثُمَّ قَالَ : هَذِه السُّبُل لَيْسَ مِنْهَا سَبِيل إلاّ عَلَيْه شَيْطَانٌ يَدْعُو إلَيْهِ ، ثُمَّ قَرَأَ : ” وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مستقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سبيله” رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .
عباد الله إنَّ الِاعْتِصَام بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ السَبِيلُ لاجْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ وَوَحْدَة الصَّفّ ، وَالْوِقَايَة مِن الْفِتَن ، قَالَ تَعَالَى : “واعتصموا بِحَبْلِ اللَّهِ جميعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنْتُم عَلَى شَفَا حُفْرَةٌ مِنْ النَّارِ فأنقذكم مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تهتدون” . فعُلم مِنْ هَذَا : أَنَّ كُلَّ مَا يُؤَثِّرُ عَلَى وَحْدَةِ الصَّفّ حَوْل وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَثَّ شُبَه وأَفْكَار ، أَوْ تَأْسِيسُ جَمَاعَات ذَات بَيْعُةٍ وَتَنْظيم ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِدَلَالَة الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَفِي طَلِيعَة هَذِه الْجَمَاعَاتِ الَّتِي نُحَذِّر مِنْهَا جَمَاعَة الْإِخْوَان الْمُسْلِمِين ، فَهِي جَمَاعَةٌ مُنْحَرِفَةٌ ، قَائِمَة عَلَى مُنَازَعَة وُلَاةِ الْأَمْرِ وَالْخُرُوج عَلَى الْحُكَّامِ ، وَإِثَارَة الْفِتَنِ فِي الدُّوَلِ ، وزعزعة التَّعَايُش فِي الْوَطَنِ الْوَاحِد ، وَوَصْف الْمُجْتَمَعات الْإِسْلَامِيَّة بِالْجَاهِلِيَّة . وَمُنْذ تَأْسِيس هَذِهِ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا عِنَايَة بالعقيدة الْإِسْلَامِيَّة ، وَلَا بِعُلُوم الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَإِنَّمَا غَايَتُهَا الْوُصُول إلَى الْحُكْمِ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ تَارِيخُ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ مليئاً بالشرور وَالْفِتَن ، وَمَن رَحِمها خَرَجَت جماعاتٌ إرهابية مُتَطَرِّفَة عَاثَت فِي الْبِلَادِ وَالْعِبَاد فساداً مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ ومشاهد مِن جَرَائِم العُنْف وَالْإِرْهَاب حَوْل الْعَالِم .
وَمِمَّا تَقَدَّم يَتَّضِحُ أَنَّ جَمَاعَة الْإِخْوَان الْمُسْلِمِين جَمَاعَة إرهابية لَا تُمَثل مَنْهَج الْإِسْلَام ، وَإِنَّمَا تَتَّبِع أَهْدافَها الحزبية الْمُخَالِفَة لِهَدْي دِينِنَا الْحَنِيف ، وتتستر بِالدّين وتمارس مَا يُخَالِفُهُ مِنْ الْفُرْقَةِ وَإِثَارَة الْفِتْنَة وَالْعُنْف وَالْإِرْهَاب.
فَعَلَى الْجَمِيع الْحَذَر مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَم الانْتِماء إلَيْهَا أَوْ التَّعَاطُف مَعَهَا .
وَاَللَّهَ نَسْأَلُ أَنْ يَحْفَظَنَا جميعاً مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَة .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا قد سمعتم ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَزَّنَا بِالْإِسْلَام ، وَأَكْرمَنَا بِالْإِيمَان ، وَرَحِمَنَا بِنَبِيِّه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَهَدَى بِهِ مِنْ الضَّلَالَةِ ، وَجَمَع بِهِ مِنْ الشَّتَات ، وَأَلَّفَ بِهِ مِنْ الْفرْقَةِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، صَدَق أَوْلِيَاءَه الْوَعْد بِالنَّصْر عَلَى أَعْدَائِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَم رُسُلِه وَأَنْبِيَائِه ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ : قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَاز رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ الانْتِمَاءُ إِلَى الأَحْزَابِ الْمُحْدَثَة الْوَاجِب تَرْكهَا ، وَأن يَنْتَمِي الْجَمِيعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ ، وَأن يتعاونوا فِي ذَلِكَ بِصِدْق وَإِخْلَاص ، وَبِذَلِك يَكُونُونَ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ سُبْحَانَهُ فِي آخِرِ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ )) أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) بعدما ذكر صفاتهم العظيمة في قوله تعالى (( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ))
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إنَّ النَّجَاة وَالْفَلَاح فِي التَّمَسُّكِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْم وَهُدى السَّلَفِ الصَّالِحِ – الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَصَحَابَة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَعَن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القلـوب ، فقـال قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ : ((أوصيكم بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَإِنَّهُ مِنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اختلافاً كثيراً فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالة)) .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....
المرفقات
تحذير-أهل-الإيمان-من-حزب-الاخوان
تحذير-أهل-الإيمان-من-حزب-الاخوان