تالية لعيد الفطر وقفات مع النفس بعد رمضان.

عبد الله بن علي الطريف
1445/09/28 - 2024/04/07 23:49PM

تالية لعيد الفطر وقفات مع النفس بعد رمضان  1445/10/2هـ

الحمدُ للهِ الذي منَّ علينا بإدراكِ شهرِ الصيامِ؛ ومتعَنا بطاعتِه فيه إلى أنْ بلغنا عيدَ الفطرِ ونحن بصحةٍ وسلامٍ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرًا أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا الله حقَ التقوى واشكروه على ما منَّ به عليكم من الطاعةِ واسألوهُ القبولَ.. وجميلٌ أن نقفَ بعد شهرِنا وقفاتٍ تهمُنا في حياتِنا الدنيويةِ والأخرويةِ؛ نخرجُ مع كلِ واحدةٍ منها بعبرةٍ وموعظةٍ.

أولُها: وقفةُ اعتبارٍ لسرعةِ تقضي اللياليَ والأيامَ فبعدما كُنا نرجُو اللهَ وندعُوه بلوغَ الشهرِ وإتمامَه والسعادةَ بالعيدِ؛ فإذ بنا نفرحُ بإدراكِهما؛ ثم ينصرفان عنا مُودعَين شاهدين؛ فهنيئاً لمن أودَعَهما الخيرَ. وهكذا الأيامُ بطيئةٌ في التَحَرِي سريعةٌ في التقضي:

وإنا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُها **** وكلُ يومٍ مضى يُدني من الأجلِ.

يقولُ الحسنُ رحمهُ اللهُ: ما من يومٍ ينشقُ فجرُه إلا وينادي يا ابنَ آدم: أنا خلقٌ جديدٌ؛ وعلى عملِك شهيدٌ فتزودْ مني فإني إذا مضيتُ لا أعودُ إلى يومِ القيامةِ. ويقولُ: يا ابن آدم إنما أنتَ أيامٌ كُلما ذهبَ يومٌ ذهب بعضُك، ويقولُ آخرُ:

وما المرءُ إلا راكبٌ ظهرَ عُمرِه **** على سَفرٍ يفنِيه باليومِ والشهرِ

يبيتُ ويُضـحي كـلَ يومٍ وليلةٍ **** بعيداً عن الدنيا قريبـاً من القبرِ

الوقفة الثانية: لنعلمْ أن أَعْرَاضَ الْفُتُورِ وَالتَّثَاقُلِ عَنِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ تُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَنْصَرِفُ لِلْمَعَاصِي مِنْ ضِيقِ مَا يَجِدُ مِنِ انْصِرَافِهِ عَنِ الطَّاعَاتِ.! وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَلَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلْيُبَكِّرْ إِلَى الـمَسْجِدِ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ، وَلَا يَتْرُكُ فِيهِ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ وَالْوِتْرَ وَسُنَّةَ الضُّحَى، وَلَا يَهْجُرِ الْقُرْآنَ، بَلْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ، وَيَمْتَنِعُ عَما كانَ يمتنعُ عنهُ لحُرمَتِه وحُرمةِ شهرِ رمضانَ حَتَّى يُجَاوِزَ أَيَّامَ الْفُتُورِ، وسيجِدُ بعد ذلكَ نفسَه إنْ شاءَ اللهُ نَشِيطًا فِي الطَّاعَةِ كَمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ.

الوقفة الثالثةُ: اعلموا رحمني اللهُ وإياكم أن أبوابَ الخيرِ مشرعةٌ ووسائلَه مُتاحةٌ، لم ولنْ تغلقَ ما لم تُغرغرْ منا الروحُ، أو تخرجُ الشَمسُ من مغربِها، من ذلك قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» رواه أبو داود عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وصححه الألباني، واعلم أن دَقيقةَ صمتٍ تمضِيها يمكنُك أن تغرسَ فيها ستونَ نخلةً في قيعانِ الجنةِ، قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ» رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ». رواه الترمذي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحسنه الألباني.

أيها الإخوة: مِنْ فَضْلِ اَللَّهِ عَلَيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِمَغْفِرَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اَلذُّنُوبِ وَقْتًا أَوْ مَكَانًا مُعَيَّنًا، بَلْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ سُبُل اَلْمَغْفِرَةِ مُتَعَدِّدَةً وَمُتَنَوِّعَةً، فمثلًا في دقيقتينِ ونصفٍ يمكنُك أنْ تَعملَ عملاً وَعَدَ رسولُ اللهِ ﷺ عليهِ مغْفرةَ ذنوبِك وإن كانت مثلَ زبدِ البحرِ؛ فَقَالَ: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ». رواه الترمذي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني.

وَمِنْ ذلك قَولُهُ ﷺ بعدما تَوَضَّأَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري عن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وفي رواية «مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الوُضُوءِ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لاَ تَغْتَرُّوا». رواه البخاري عن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.  قال ابن حجر: أَيْ فَتَسْتَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تُكَفِّرُهَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي تُكَفَّرُ بِهَا الْخَطَايَا هِيَ الَّتِي يَقْبَلُهَا اللَّهُ وَأَنَّى لِلْعَبْدِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى ذَلِكَ.. وَقال بن بطال: يَنْبَغِي لِلْمُؤَمِّنِ أَلَّا يَتَّكِلَ عَلَى عَمَلِهِ، وَيَسْتَشْعِرَ اَلْحَذَرُ وَالْإِشْفَاقُ بِتَجَنُّبِ اَلِاغْتِرَارِ..

وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ ﷺ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ: (غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَولُهُ ﷺ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وعليه من وفق لصلاة الجماعة يومًا كاملًا يدرك الصلاة كاملة تحصل له معفرة مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ إحدى وعشرين مرة إن شاء الله، فياله من فضل فرط فيه بعضنا.. وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ ﷺ: «مَنْ قَالَ: حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ» رواه أبو داود عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: حَضَرَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ الْمَوْتُ، فَقَالَ: إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا مَا أُحَدِّثُكُمُوهُ إِلَّا احْتِسَابًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ الْيُمْنَى إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَسَنَةً، وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ الْيُسْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ سَيِّئَةً فَلْيُقَرِّبْ أَحَدُكُمْ أَوْ لِيُبَعِّدْ فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ غُفِرَ لَهُ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ صَلَّى مَا أَدْرَكَ وَأَتَمَّ مَا بَقِيَ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ كَانَ كَذَلِكَ» رواه أبو داود وصححه الألباني.

وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ ﷺ: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ» رواه أبو داود عن زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ ﷺ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني.

ومثلُ هذه الفُرصُ الذهبيةُ كثيرةٌ حريُ بالمؤمنِ ألا يُفوتَها؛ فاجتهدِوا وفقني اللهُ وإياكم باستثمارِها فالعمرُ قصيرٌ. باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ...

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِ العالمين وأشهدُ ألا إلهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له إله الأولين والآخرين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281] ثم أما بعد: أيها الإخوة: الوقفة الرابعةُ: ونحن نودعُ شهرَ الصيامِ والقيامِ الذي حافظَ فيه كثيرٌ منا على صلاةِ الوترِ مع صلاةِ التراويحِ أو القيامِ، وهذا توفيقٌ من اللهِ تعالى؛ جديرٌ بنا ألا نتركَ الوترَ بعدَهُ؛ وأقلُه ركعةٌ وهو سنةٌ مؤكدةٌ جداً. فعَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاتِكُمْ الْمَكْتُوبَةِ؛ وَلَكِنْ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ». رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي واللفظ له وصححه الألباني. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ؛ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ». رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بن عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ» رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ومن فاتَه الوترُ لنسيانٍ أو انشغالٍ سُنَ لهُ أنْ يقضيَهُ من الغدِ في الضحى، ولكن شِفعاً.

أسألُ اللهَ تعالى أنْ يُصلحَ أَحولَنا وأن يفقهَنا في دِيننا، وصلوا وسلموا على نبيكم..

 

 

 

 

 

المشاهدات 3425 | التعليقات 0