تالية لعيد الفطر في أهمية استيعاب دروس رمضان1437/10/3هـ

عبد الله بن علي الطريف
1437/09/28 - 2016/07/03 15:16PM
تالية لعيد الفطر في أهمية استيعاب دروس رمضان: في1437/10/3هـ
الحمد لله الذي منَّ علينا بإدراكِ شهرِ الصيامِ؛ ومتعنا بطاعتِه فيه إلى أن بلغنا عيدَ الفطرِ ونحن بصحةٍ وسلامٍ؛ نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونتوبُ إليه؛ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا؛ من يهدِه اللهُ فلا مضلَ لهُ ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
أيها الإخوة: قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]. ثم اشكروه على ما منَّ به عليكم من الطاعةِ واسألوهُ القبولَ.
جميلٌ أن نقفَ بعد شهرِنا وقفاتِ تهمُنا في حياتِنا الدنيويةِ والأخرويةِ؛ نخرجُ مع كلِ واحدةٍ منها بعبرةٍ وموعظةٍ.
أولُها: وقفةُ اعتبارٍ لسرعةِ تقضي اللياليَ والأيامَ فبعدما كنا نرجو اللهَ وندعوه بلوغَ الشهرِ وإتمامَه والسعادةَ بالعيدِ فإذ بنا نفرحُ بإدراكِهما؛ ثم ينصرفان عنا مُودعَين شاهدين؛ فهنيئاً لمن أودَعَهما الخيرَ. وهكذا الأيامُ بطيئةٌ في التحري سريعةٌ في التقضي:
وإنا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُها **** وكلُ يومٍ مضى يُدني من الأجلِ.
يقولُ الحسنُ رحمهُ اللهُ: ما من يومٍ ينشقُ فجرُه إلا وينادي يا ابنَ آدم: أنا خلقٌ جديدٌ؛ وعلى عملِك شهيدٌ فتزودْ مني فإني إذا مضيتُ لا أعودُ إلي يومِ القيامةِ. ويقولُ: يا ابن آدم إنما أنتَ أيامٌ كلما ذهب يومٌ ذهب بعضُك، ويقول آخرُ:
وما المرءُ إلا راكبٌ ظهرَ عمرِه **** على سفرٍ يفنِيه باليومِ والشهرِ
يبيتُ ويضـحي كـلَ يومٍ وليلةٍ **** بعيداً عن الدنيا قريبـاً من القبرِ
ثانيها: كنا نقولُ في أولِ شهرِ رمضانِ أن رمضانَ فرصةٌ لتربيةِ النفوسِ، وتقويةِ الإرادةِ فيها والارتفاعِ بها في سُلم الأخلاقِ الفاضلةِ، والنأيُ بها عن السيئِ من الأخلاقِ.. وإن رؤيةَ هلالِ الصيامِ في السماءِ هو إشارةٌ لبدءِ معركةِ الإرادةِ وقوةِ العزيمةِ للتخلصِ من الأخلاقِ السيئةِ والتحلي بالحلمِ وحسنِ الخلقِ..
فالصومُ يدربُ المسلمَ على أن يمتنعَ باختيارِه عن كثيرٍ من الأخلاقِ السيئةِ.. ويضعُ له منهجاً للتغييرِ ويُعطيه فترةً تدريبيةً هي عُمرُ شهرِ رمضانَ المباركِ..
وها هو الشهرُ قد انقضي ونسألُ اللهَ القبولَ للجميعِ.. لكن لنعلمْ أيها الأحبةُ: أن أَعْرَاضَ الْفُتُورِ وَالتَّثَاقُلِ عَنِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ تُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَنْصَرِفُ لِلْمَعَاصِي مِنْ ضِيقِ مَا يَجِدُ مِنِ انْصِرَافِهِ عَنِ الطَّاعَاتِ.!
وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَلَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلْيُبَكِّرْ إِلَى الـمَسْجِدِ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ، وَلَا يَتْرُكُ فِيهِ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ وَالْوِتْرَ وَسُنَّةَ الضُّحَى، وَلَا يَهْجُرِ الْقُرْآنَ، بَلْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ، ويمتنعُ عما كان يمتنعُ عنهُ لحرمتِه وحرمةِ شهرِ رمضانَ حَتَّى يُجَاوِزَ أَيَّامَ الْفُتُورِ، وسيجدُ بعد ذلكَ نفسَه إنْ شاءَ اللهُ نَشِيطًا فِي الطَّاعَةِ كَمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ.
الثالثةُ: اعلموا رحمني اللهُ وإياكم أن أبوابَ الخيرِ مشرعةٌ ووسائلَه متاحةٌ، لم ولن تغلقَ ما لم تغرغرْ منا الروحُ، أو تخرجُ الشمسُ من مغربِها، واعلم أن دقيقةَ صمتٍ تمضيها يمكنُك أن تغرسَ فيها ستونَ نخلةً في قيعانِ الجنةِ، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ» رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ وصححه الألباني. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. رواه الترمذي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وحسنه الألباني. وفي دقيقتينِ ونصفٍ يمكنُك أن تعملَ عملاً وعدَ رسولُ اللهِ عليهِ مغْفرةَ ذنوبِك وإن كانت مثلَ زبدِ البحرِ؛ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ. رواه الترمذي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وصححه الألباني. ومثلُ هذه الفرصُ الذهبيةُ كثيرةٌ حريُ بالمؤمنِ أن لا يفوتَها؛ فاجتهدوا وفقني اللهُ وإياكم باستثمارِها فالعمرُ قصيرٌ.
الرابعةُ: ونحن نودعُ شهرَ الصيامِ والقيامِ الذي حافظَ فيه كثيرٌ منا على صلاةِ الوترِ مع صلاةِ التراويحِ أو القيامِ وهذا توفيقٌ من اللهِ تعالى؛ جديرٌ بنا أن لا نتركَ الوترَ بعدَهُ؛ وأقلُه ركعةٌ وهو سنةٌ مؤكدةٌ جداً. فعَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب قَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاتِكُمْ الْمَكْتُوبَةِ؛ وَلَكِنْ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ. رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه الألباني. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ ؛ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ. رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ عبدالله. ومن فاته الوترُ لنسيانٍ أو انشغالٍ سُنَ لهُ أن يقضيَهُ من الغدِ ولكن شفعاً.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ...

الثانية:
الخامسةُ: قامت التقنيةُ الحديثةُ بدورٍ كبيرٍ في تيسيرِ التواصلِ بين الأهلِ والأقاربِ؛ وهذه نعمةٌ نشكرُ اللهَ عليها. لكن يجبُ الحذرُ من الإغراقِ في ذلك واتخاذِها الوسيلةِ الوحيدةِ للتواصلِ بين الأهلِ والأرحامِ؛ وفي هذا خطرٌ كبيرٌ، وإلا كيفَ يُستَسَاغُ أن تكونَ تهنئةُ العيدِ التي لا تكونُ إلا في العامِ مرةً واحدةً عبرَ رسالةِ جوالٍ بين الأقاربِ، وربما كانوا من الدرجةِ الأولى والثانيةِ.
أحبتي: إذا لم نتواصلْ في أيامِ العيدِ ونلتقيْ وننسىْ ما بيننا من الخلافاتِ فمتى نلتقي، إذا لم يُحَيِّ بعضُنا بعضاً ويدعو بعضُنا لبعضٍ في العيدِ فمتى يكونُ ذلك.!
إن أمرَ صلةِ الرحمِ عظيمٌ فقد عظمَه اللهُ ورسولهُ بما رتبوا على الصلةِ من الأجرِ وعلى القطيعةِ من الإثمِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ".. مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.." وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" رواهما البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ»، قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ.. دَعِ النَّاقَةَ» رواه البخاري ومسلم وفي رواية: "فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أَمَرْتُهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ".
وقَالَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ." رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدِ الصَّحِيحِ, وابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وصححه الألباني رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ. عَن أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مَعِيطٍ رَضِيَ الله عَنْهَا أَيْ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْقَاطِعِ الْمُضْمِرِ للعَدَاوَةَ فِي بَاطِنِهِ.
أيها الإخوة: الأحاديثُ كثيرةٌ في فضلِ الصلةِ وتحريمِ القطيعةِ ولن استعرضَها كلَها ولكنها إشارةٌ.
لكني أقول: مادامَ هذا هو فضلَ الصلةِ وأثرَها ومكانتَها عند اللهِ ومكانتَها من الدينِ، فهل تختصرُ برسالةِ جوالٍ ربما أن من أرسلَها كتبَ منها العشراتِ لمعارِفه!! والله إنها لمصيبةٌ عظمى وفاجعةٌ كبرى، أن يصلَ تقييمُنا للروابطِ الاجتماعيةِ التي أكدَ عليها الدينُ وشددَ أمرَها إلى هذا المستوى، وواللهِ إنَّ هذا لنذيرُ سوءٍ وناقوسُ خطرِ، وهذا استعمالٌ للتقنيةِ بغيرِ مكانِه، فهل من مدكرٍ أرجو ذلك. أَعُوذُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22،23] وصلى الله وسلم على نبينا محمد

المرفقات

1092.doc

1093.pdf

المشاهدات 1493 | التعليقات 0