تابوت السكينة!
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى:27/12/1442هـ (تابوت السكينة)
أما بعد: ففي قصة عجيبة هي معجزةٌ لنبيِّ ذلك الزمان، وكرامة للمَلِك، وتثبيتًا للمؤمنين، قال جل وعلا: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ... ﴾.
تابوت مقدَّس عند بني إسرائيل، يُختَطف مِن قِبَل عدوهم، وهم على شوقٍ وانتظار لمعجزة تأتي بتابوت السَّكينة، فقَدوا الأمن الذي كانوا يشعرون به بوجود التابوت، وصار القلق والخوف، والحزن والشتاتُ رفيقًا لهم ما دام التابوت بعيدًا عنهم.
في التابوت بقيةٌ مما ترك آل موسى وآل هارون، آثارٌ مهمَّة؛ كعصا موسى وهارون، وعمامتهما، وقطع من ثيابهما، وألواح التوراة، وشيء من المَنِّ، ولك أن تتصور معي السرورَ الذي حل ببني إسرائيل عند رؤية ذلك التابوت بعد غياب طويل، فكانوا من شدَّة ما يستبشرون به يُقدِّمونه في غزواتهم وحروبهم، فيستفتحون به وينتصرون؛ لِمَا يفيض به عليهم من سكينة واطمئنان، وثباتٍ وانشراح صدر، ولما يبثه في قلوب أعدائهم من خوفٍ ورعب وهلع.
تابوت السكينة هذا رغم أهميته في حياة بني إسرائيل فإنه كان هاجس خوف عندهم؛ مخافةَ فقدانه أو ضياعه، أو تسلُّطِ الأعداء عليه، فهم يتنقلون به هنا وهناك، ويُخْفونه حتى لا يظفر به عدو، وهم الموكَّلون بحفظه وصيانته ورعايته.
ولو نظرنا إلى الأمة المسلمة، فإننا نرى أن الله جل وعلا قد أكرم هذه الأمة بكرامةٍ عظيمة، فجعل السكينة في محلٍّ لا تَطولُه أيدي المتربصين، ولا تختطفه مؤامرات أعداء الدين، فقال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾، فقلب المؤمن في هذه الأمة هو تابوت السكينة، فلا سلطان لأحد عليه إلا الله جل وعلا، ومتى ما أنزل الله سبحانه السكينةَ والطُّمأنينة والثبات، فلا نازع لها إلا هو جل في علاه.
يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله: يخبر تعالى عن منّته على المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم، وهي السكون والطمأنينة، والثبات عند نزول المحن المقلقة، والأمور الصعبة، التي تشوش القلوب، وتزعج الألباب، وتضعف النفوس، فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال أن يثبته ويربط على قلبه، وينزل عليه السكينة، ليتلقى هذه المشقات بقلب ثابت ونفس مطمئنة، فيستعد بذلك لإقامة أمر الله في هذه الحال، فيزداد بذلك إيمانه، ويتم إيقانه، فالصحابة رضي الله عنهم لما جرى ما جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين، من تلك الشروط التي ظاهرها أنها غضاضة عليهم، وحط من أقدارهم، وتلك لا تكاد تصبر عليها النفوس، فلما صبروا عليها ووطنوا أنفسهم لها، ازدادوا بذلك إيمانا مع إيمانهم. أهـ كلامه.
فما أحوج القلوبَ اليوم إلى السكينة!ولا سبيل لذلك إلا بالاعتصامُ به جل وعلا وبكتابه؛قال ابن القيم رحمه الله، ولا سبيل للوصول إلى تلك السكينة بمالٍ أو جاهٍ، أو منصب أو عشيرة أبدًا، وسبيلها الوحيد هو كتاب الله.بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية:
أما بعد:فالسكينة والطمأنينة من أبرز نتائج وثمار التوكل والمؤمن مؤمن بأقدار الله ومقاديره ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والله هو الرزاق ، ورزق الله لا يجره حرص حريص ولا ترده كراهية كاره ، والمسلم يجمع بين التوكل والأخذ بالأسباب .
وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم القولية والعملية والتقريرية ما يحض المسلمين على الأخذ بالأسباب، ويدعوهم إلى مراعاتها، مع تعلق القلب بالله تعالى مسبب الأسباب، وصاحب الخلق والأمر،فعن أنس بن مالكٍ : أنَّ رجلاً وقف بناقته على باب المسجد، وهمَّ بالدُّخول، فقال: يا رسول الله! أُرسلُ راحلتي، وأتوكل؟ فوجَّهه النَّبيُّ ﷺ إلى أنَّ مباشرة الأسباب أمرٌ مطلوبٌ، ولا ينافي بحالٍ من الأحوال التَّوكُّل على الله تعالى، فقال له ﷺ (اعقلها وتوكل).
أيها الناس: وإنه من هذه الأسباب التي يجب العمل بها حصول منسوبي التعليم من أعضاء هيئة التدريس والتدريب، والمعلمين والمعلمات، والطلاب والطالبات، والمتدربين والمتدربات) على جرعتين من لقاح فيروس كورونا .حماية لأنفسهم وحفاظا على سلامة أسرهم وأقرانهم وللوقاية من العدوى وانتشار فيروس كورونا، ولكي تكون المنشآت التعليمية مكملة للبيئات الآمنة ولتحقق رسالتها التعليمية والتدريبية.