تأملات في سورة النصر
إبراهيم بن سلطان العريفان
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة .. إن الله أنزل هذا القرآن العظيم لتدبره والعمل به ]كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب[.
أقف معكم مع تأملات في سورة قصيرة، سورة تحمل البشريات لخير البريَّات نبيِّنا عليه أفضل السلام والصلوات، بنصر الله للإسلام ودخول الناس فيه جماعات، وفيه علامة وإشارة إلى قرب أجلِ نبينا محمد ﷺ، لذا أمره الله بكثرة التسبيح والاستغفار.
سورة عظيمة تتكرَّر على أسماعنا، وهي آخر ما نزل من القرآن، روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: أَنَّهُ قَالَ لِعُبَيدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُتبَةَ: تَعْلَمُ آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ القُرآنِ، نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ ]إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا[ قَالَ: صَدَقْتَ.
يقول ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ، فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ]إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح[؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ ]إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح[ وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ ]فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا[ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ.
تقول عَائِشَةُ رضي اللهُ عنها: مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ ]إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح[ إِلَّا يَقُولُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. وفي رواية: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ.
قال رسول الله ﷺ (خَبَّرَنِي رَبِّي أني سأرى علامَةً في أُمَّتِي، فإذا رأيتُها أكثرتُ مِنْ قولِ: سبحان اللهِ وبحمدِهِ، أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليهِ، فقد رأيتُها ]إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ[ فتحُ مكةَ ]وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رِبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا[.
قال الله تعالى ]إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح[ المراد بالنصر نصر الله لنبيه على قريش. والمراد بالفتح فتح مكة. فإن أحياء العرب كانت تُلَوِّحُ بإسلامها فتح مكة يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجًا، فلم تمض سنتان حتى استوثقت جزيرة العرب إيمانًا ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام. وكان فتح مكة في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة.
]فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ[ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يقول في دعائه: رب اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي، وجهلي، وهزلي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، إنك على كل شيء قدير. فكن متعلقًا به، سائلًا راغبًا، متضرعًا، فإن الاستغفار تعبد يجب إتيانه، ذلك تنبيه لأمَّته، لكي لا يأمنوا ويتركوا الاستغفار.
]إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا[ على المسبحين؛ على المستغفرين، يتوب عليهم ويرحمهم ويقبل توبتهم، وإذا كان ﷺ وهو معصوم يؤمر بالاستغفار فما الظن بغيره؟! قَالَ ﷺ (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةَ).
اللهم إنا نستغفرك؛ إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدرارًا.
أقول ما تسمعون ...
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... قَالَ ابنُ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِمِنًى فِي حِجَّةِ الوَدَاعِ، ثُمَّ نَزَلَتْ ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي[ فَعَاشَ بَعدَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ ثَمَانِينَ يَومًا، ثُمَّ انتَقَلَ إِلَى الرَّفِيقِ الأَعلَى ﷺ.
علمتنا السورة: أن النصر من الله؛ فلا يطلب من غيره ]وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ[ وأن نصر الله قريب ]أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[.
ولن يتحقق لنا النصر إلا بالإيمان والتمسك بفرائض الإسلام ]وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ[ ]إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[.
فإن النصر يستمر للدين، ويزداد عند شكر الله بالتسبيح بحمده واستغفاره، ولم يزل نصر الله لدينه في عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين ومن بعدهم لما كانت الأمة شاكرة لله، مسبحة بحمده مستغفرة، قائمة بأمره متمسكة بحبله، ولما حدث في الأمة ما حدث من المخالفة لأمر الله؛ أصابها ما أصابها من الضعف والاختلاف والتفرق، ووعد الله بالنصر ثابت لا يتخلف.
علمتنا السورة: كثرة دوخل الناس في هذا الدين، قال رسولُ اللَّهِ ﷺ (ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يترُكُ اللَّهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخَله اللَّهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ به الكُفرَ[.
علمتنا السورة: أن نحرض على الاكثار من الأعمال الصالحة. ومنها التسبيح والاستغفار، نلزم به أنفسنا ونرطب به ألسنتنا.
علمتنا السورة: موت النبي ﷺ، وسيأتي ما يوعدون، فهو كان أمَنةً لأصحابه، وأصحابه أمنة لمن بعدهم.
وصلى الله على نبينا محمد ...
المرفقات
1731623403_تأملات في سورة النصر.pdf
1731623409_تأملات في سورة النصر.docx