تأملات في سورة المسد

د.صالح العبداللطيف
1439/08/03 - 2018/04/19 23:32PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..  قال سبحانه وتعالى: يا إيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أخرج البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}
  أيها المؤمنون.. إن كتاب الله تبارك وتعالى مليءٌ بالأسرار والدرر.. حقيق بأن تبذل الأعمار في تدبره وتعلمه وتلاوته.. وتسخر الجهود لخدمته وتوجيه شباب المؤمنين إليه.. تعلما وحفظا وتخلقا بأخلاقه..
 ومن سور هذا الكتاب الخالد.. سورةُ المسد.. وهي مع قصرها ألا أن هداياتها لا تحصرها الأفهام.. فلازالت أفهام المسلمين تستخرج منها اللطائف والكنوز.. في كل حين وزمن.. فهذه السورة مكية النزول.. وفيها يتحدث الرب تبارك وتعالى.. عن خسارة فادحة وهلاك محقق.. لمن يتعرض للرسالة السماوية معاديا مناوئا.. فيقول الله سبحانه.. تبت يدا أبي لهب وتب.. والتباب هو الهلاك والخسران..   
   وقوله وتب.. تأكيد لوقوع خسرانه وتحقيق له.. وأبو لهب لقب له.. وإلا فاسمه عبدالعزى.. وهو عم للنبي عليه الصلاة والسلام.. وكان شديد العداوة له.. ثم قال جل وعلا.. ما أغنى عنه ماله وما كسب.. فمال هذا الشقي وولده.. لن ينفعاه في دفع عذاب الله عنه.. فمصيره لامحالة.. ناراً ذات لهب.. وامرأته حمالة الحطب.. أي أن زوجه سيكون مصيرها كمصير بعلها.. وذلك أنها كانت معينةً له في عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم.. وهي أم جميل واسمها أَروَى بنتُ حربِ بنِ أُمَيَّةَ.. وهي أُختُ أَبي سفيان.. ووصفت بأنها حمالةُ الحطب.. لأنها كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ويحتمل أنها سميت بذلك لأنها تَحْمِلُ الْحَطَبَ في جهنم.. ثم ختم الله هذه السورة بقوله: في جيدها حمل ممن مسد.. والجيد هو العنق.. فجزاء لعداوتها للنبي صلى الله عليه وسلم جعل الله في عنقها يوم القيامة حبلاً من ليف أو نحوه.. كالقلادة حول العنق..
 أيها المؤمنون.. في هذه السورة المباركة من العبر والعظات مالا يخطر على بال.. ففيها وصف للمعادين لرسالات الله وتحديد لمصيرهم ومآلهم.. وأن مصيرهم هو الخسرانُ التام في الدنيا والآخرة.. والحسرةُ والغيظُ لقلوبهم.. وهم يرون دينَ الله ينتصر.. وأفواجَ الناس وهي تدخله طائعة مختارة.. وأن جهودهم في الوقوف أمام دعوة الحق باءت بالخسران.. فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون.. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون.. فدين الله باق مهما ادلهمت الخطوب.. والله حافظ دينه.. ناصر جنده.. مؤيد أولياءه..
   ونحن نرى أعداء الإسلام يكيدون لدين الله.. ومع هذا لا يستطيعون الوقوف أمامه والحد من انتشاره.. حتى بين أولادهم..
  وفي هذه السورة المباركة.. تسلية للقلوب المؤمنة.. وحث لها بأن تكون متصلة بربها.. مستمدة منه العون والمدد.. وألا تلتفت للعوائق والمثبطات.. فهذا الرسول الخاتم.. وأكرم الخلق على الله.. الصادق المصدوق.. القرشي الهاشمي.. يتلقى العداوة الشديدة والأذية المتواصلة من أقرب الناس إليه.. عمه أبو لهب.. فرغم أنهم في جاهلية عمياء.. يقف فيها الرجل مع ابن قبيلته.. مدافعا معاضداً.. سواء أكان محقاً أم ظالماً.. إلا أن هذا الرجل الخاسر.. وقف لابن أخيه موقف المعاند.. وهو يعلم صدقه وأمانته.. بل يبذل جهده وجاهه في سبيل صد الناس عن دعوته.. عن رَبِيعَةُ بْنُ عِبَادٍ الدِّيلِي قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ، وَهُوَ يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا ". وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ وَضِيءُ الْوَجْهِ، أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَذَكَرُوا لِي نَسَبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا لِي: هَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ.. إسناده حسن.. فيا من يريد الإصلاح والتغيير.. لا تكن أذية الناس لك وما تراه من جهود أهل الشر معوقاً لك في طريق الإصلاح.. فهذا الأسوة والقدوة يتلقى الشدائد فلا يلين ولا يستكين.. ولم تمض مدة يسيرة إلا وقد فتح الله البلاد لدعوته.. وانتشر الخير والبر بين الناس..
  أيها المسلمون.. إن سورة المسد من أكبر الأدلة على صدق وحي الله سبحانه..   
  فإنها نزلت في أبي لهب وامرأته.. وهما على قيد الحياة.. وكانت إعلاما بأنهما لا يسلمان.. بل يموتان على الكفر.. فقد سبق في علم الله أنه هذا الشقي لن يدعي الإسلام ولو كذبا.. حتى لو كان في ذلك تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم ورسالته.. وذلك بأن ينطق بالشهادة ولو مدعياً.. ليكون مسلماً من جهة الظاهر.. فيوهم الناس بخطأ القرآن.. إذ كيف يُحكم على مسلم بأن مصيره النار لا محالة.. ولكن الله عليم بالنفوس مطلع عليها.. عالم أن هذا المعاند لن يتمكن من نطقها.. وفي هذه السورة بيان بأن الهداية لا تكون إلا من الله.. وأن من أراد هداية الله فعليه أن يلتجأ إليه داعياً متضرعاً.. نسأل الله أن يجعلنا من عباده المهديين..أقول ماتسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم..
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين واصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. 
 وبعد فيا عباد الله.. اتقوا الله.. وصلوا على نبيكم كما أمركم ربكم...
  اللهم اعز الإسلام والمسلمين.. وأذل الشرك والمشركين..اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان..اللهم عجل بنصرهم.. وتقبل شهداءهم واشف جرحاهم.. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين.. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك ياارحم الراحمين.. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا..ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.اللهم صل على نبينا محمد
 
المرفقات

تأملات-في-سورة-المسد-27-رجب-1439

تأملات-في-سورة-المسد-27-رجب-1439

المشاهدات 4897 | التعليقات 0