تأملات في سورة العصر الجزء الثالث 15/7/1437 هـ
مبارك العشوان
1437/07/14 - 2016/04/21 08:51AM
إن الحمد لله…أما بعد: فاتقوا الله ... مسلمون.
عباد الله: كان الحديث في خطبتين مضتا عن شيء من دروس وفوائد سورة العصر، وحديث اليوم عن دروس أخر من هذه السورة العظيمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: { وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }
يقسم الله تبارك وتعالى بالعصر أن الإنسانَ في خسرٍ، وهَلَكَةٍ، إلا من اتصفَ بصفاتٍ أربع:
أولُها: الإيمان، وثانيها: العملُ الصالح؛ وقد تقدم الحديثُ عنهما.
أما الثالثُ والرابعُ فهما التواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر.
يقول ابنُ عاشورٍ رحمه الله: وقد اشتمل قوله تعالى: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } على إقامةِ المصالح الدينية كُلَِها فالعقائدُ الإسلامية، والأخلاقُ الدينية مندرجةٌ في الحق، والأعمالُ الصالحة وتجنبُ السيئات مندرجة في الصبر... الخ
عباد الله: من صفات المؤمنين الناجين من الخسران تواصيهم بالحق.
يقول الشنقيطي رحمه الله: وقد جاءت آياتٌ في القرآن تدل على أن الوصية بالحق تشمل الشريعة كلَّها أصولَها وفروعَها ماضيَها وحاضرَها... الخ
فأول ما يدخل في تواصي المؤمنين بالحق تواصيهم بإخلاصِ التوحيد لله، تواصيهم باجتنابِ الشرك صغيرِه وكبيرِه، تواصيهم بالبُعدِ كُلَّ البعدِ عن العقائد المنحرفة، والأفكارِ المضلة، تواصيهم بلزومِ السنة وتركِ البدعة.
قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} البقرة132 وقال عن يعقوب عليه السلام: { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }البقرة 133
ويدخل في التواصي بالحق ما يتعلق بالعبادات،؛ فيوصي بعض المؤمنين بعضا بأداء الفرائض على الوجه المشروع، والمحافظة عليها، من صلاة وزكاة وصيام وحج؛ قال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } مريم 54- 55
ويدخل في التواصي بالحق ما يتعلق بالمعاملات، من بيع وشراء ونكاح، وما يتعلق بالحقوق، كحقوق الوالدين والأولاد والأزواج والجار، والضيف، وحقوق المسلم على أخيه؛ كلُّ هذا وغيره مما يتواصى به المؤمنون.
ويدخل في التواصي بالحق وهو مِن أفضلِه وأعظمِه أجراً: نشرُ العلم في الناس، ورفعُ الجهل عنهم، وتعليمُهم القرآنَ الكريم؛ ولذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) رواه البخاري.
نسألُ الله أن يعلمَنا ما ينفعُنا، وينفعَنا بما علمنا، ويزيدَنا علما.
بارك الله لي ولكم ... وغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فإن مما يدخل في التواصي بالحق الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال الله تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة 71 .
بالأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر فُضِّلت هذهِ الأمَّة؛ كما قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }آل عمران 110
وبالأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر يتحققُ الفوز والفلاح، كما قال تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران104
وهما واجبانِ على كل أحدٍ بحسبه، وعلى قدرِ استطاعته، فلا يختصان بفئةٍ من الناس، أو جهةٍ من الجهات؛ ففي الحديث: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم.
عباد الله: ومن صفات المؤمنينَ الناجينَ من الخسران: تواصيهم بالصبر. يوصي بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله.
فإذا رأيت من أخيك تهاوناً في طاعة؛ فأوصه بالصبر، وذَكِّرهُ بما أعدَّ الله تعالى للصابرين؛ وأنه لا بد للطاعات من صبر؛ كما قال تعالى: { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } وقال تبارك وتعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا }طه 132 وهكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد لهما من الصبر وتحمُّل أذى الناس، فالذي يأمر وينهى، ويحولُ بين الناسِ وبينَ ما تشتهيه نفوسهم من المعاصي؛ يتعرضُ لإيذائهم؛ فعليه عند ذلك بالصبر، ولذلك أوصى لقمانُ ابنه بالصبر بعد أن أوصاه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال له: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ } لقمان 17 وهكذا في هذه السورة العظيمة سورة العصر؛ ذكرَ التواصيَ بالصبر بعد التواصي بالحق؛ فإذا رأيت من أخيك ميلاً إلى المعاصي فاصبر أنت على أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وأوصه بالصبر وذكره بما أعدَّ الله للصابرين؛ وأنَّ النفوس أمَّارة بالسوء، تميلُ إلى المعاصي وتشتهيها؛ فكان لا بد من الصبر ليكفَّها عنها؛ وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ) رواه البخاري. وأخبر أنَّ من السبعة الذين يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ( رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ).رواه البخاري ومسلم.
وإذا أصيب أخٌ لك بمصيبة فأوصه بالصبر، وواسه وذكره بما يخفف حُزنَه والمصيبةَ التي حلت به، وما أعدَّ الله للصابرين.
كقوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } البقرة 155- 157
ومن أحسن ما يعزى به المصاب ما جاء في البخاري: ( كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا، فَأَرْسَلَ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ).
عباد الله: السورة مليئة بالفوائد ولعل فيما ذكر ذكرى؛ والذكرى تنفع المؤمنين، ثم صلوا وسلموا... اللهم أعز الإسلام...
عباد الله: كان الحديث في خطبتين مضتا عن شيء من دروس وفوائد سورة العصر، وحديث اليوم عن دروس أخر من هذه السورة العظيمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: { وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }
يقسم الله تبارك وتعالى بالعصر أن الإنسانَ في خسرٍ، وهَلَكَةٍ، إلا من اتصفَ بصفاتٍ أربع:
أولُها: الإيمان، وثانيها: العملُ الصالح؛ وقد تقدم الحديثُ عنهما.
أما الثالثُ والرابعُ فهما التواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر.
يقول ابنُ عاشورٍ رحمه الله: وقد اشتمل قوله تعالى: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } على إقامةِ المصالح الدينية كُلَِها فالعقائدُ الإسلامية، والأخلاقُ الدينية مندرجةٌ في الحق، والأعمالُ الصالحة وتجنبُ السيئات مندرجة في الصبر... الخ
عباد الله: من صفات المؤمنين الناجين من الخسران تواصيهم بالحق.
يقول الشنقيطي رحمه الله: وقد جاءت آياتٌ في القرآن تدل على أن الوصية بالحق تشمل الشريعة كلَّها أصولَها وفروعَها ماضيَها وحاضرَها... الخ
فأول ما يدخل في تواصي المؤمنين بالحق تواصيهم بإخلاصِ التوحيد لله، تواصيهم باجتنابِ الشرك صغيرِه وكبيرِه، تواصيهم بالبُعدِ كُلَّ البعدِ عن العقائد المنحرفة، والأفكارِ المضلة، تواصيهم بلزومِ السنة وتركِ البدعة.
قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} البقرة132 وقال عن يعقوب عليه السلام: { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }البقرة 133
ويدخل في التواصي بالحق ما يتعلق بالعبادات،؛ فيوصي بعض المؤمنين بعضا بأداء الفرائض على الوجه المشروع، والمحافظة عليها، من صلاة وزكاة وصيام وحج؛ قال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } مريم 54- 55
ويدخل في التواصي بالحق ما يتعلق بالمعاملات، من بيع وشراء ونكاح، وما يتعلق بالحقوق، كحقوق الوالدين والأولاد والأزواج والجار، والضيف، وحقوق المسلم على أخيه؛ كلُّ هذا وغيره مما يتواصى به المؤمنون.
ويدخل في التواصي بالحق وهو مِن أفضلِه وأعظمِه أجراً: نشرُ العلم في الناس، ورفعُ الجهل عنهم، وتعليمُهم القرآنَ الكريم؛ ولذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) رواه البخاري.
نسألُ الله أن يعلمَنا ما ينفعُنا، وينفعَنا بما علمنا، ويزيدَنا علما.
بارك الله لي ولكم ... وغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فإن مما يدخل في التواصي بالحق الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال الله تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة 71 .
بالأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر فُضِّلت هذهِ الأمَّة؛ كما قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }آل عمران 110
وبالأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر يتحققُ الفوز والفلاح، كما قال تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران104
وهما واجبانِ على كل أحدٍ بحسبه، وعلى قدرِ استطاعته، فلا يختصان بفئةٍ من الناس، أو جهةٍ من الجهات؛ ففي الحديث: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم.
عباد الله: ومن صفات المؤمنينَ الناجينَ من الخسران: تواصيهم بالصبر. يوصي بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله.
فإذا رأيت من أخيك تهاوناً في طاعة؛ فأوصه بالصبر، وذَكِّرهُ بما أعدَّ الله تعالى للصابرين؛ وأنه لا بد للطاعات من صبر؛ كما قال تعالى: { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } وقال تبارك وتعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا }طه 132 وهكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد لهما من الصبر وتحمُّل أذى الناس، فالذي يأمر وينهى، ويحولُ بين الناسِ وبينَ ما تشتهيه نفوسهم من المعاصي؛ يتعرضُ لإيذائهم؛ فعليه عند ذلك بالصبر، ولذلك أوصى لقمانُ ابنه بالصبر بعد أن أوصاه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال له: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ } لقمان 17 وهكذا في هذه السورة العظيمة سورة العصر؛ ذكرَ التواصيَ بالصبر بعد التواصي بالحق؛ فإذا رأيت من أخيك ميلاً إلى المعاصي فاصبر أنت على أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وأوصه بالصبر وذكره بما أعدَّ الله للصابرين؛ وأنَّ النفوس أمَّارة بالسوء، تميلُ إلى المعاصي وتشتهيها؛ فكان لا بد من الصبر ليكفَّها عنها؛ وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ) رواه البخاري. وأخبر أنَّ من السبعة الذين يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ( رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ).رواه البخاري ومسلم.
وإذا أصيب أخٌ لك بمصيبة فأوصه بالصبر، وواسه وذكره بما يخفف حُزنَه والمصيبةَ التي حلت به، وما أعدَّ الله للصابرين.
كقوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } البقرة 155- 157
ومن أحسن ما يعزى به المصاب ما جاء في البخاري: ( كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا، فَأَرْسَلَ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ).
عباد الله: السورة مليئة بالفوائد ولعل فيما ذكر ذكرى؛ والذكرى تنفع المؤمنين، ثم صلوا وسلموا... اللهم أعز الإسلام...