تأملات في آيات من سورة ( ق )
مبارك العشوان
1437/05/16 - 2016/02/25 14:06PM
إن الحمد لله…أما بعد: فلقد أنزل الله تبارك وتعالى كتابه هداية للناس ليدبروا آياته، ويعملوا بأحكامه، ويتعظوا بمواعظه: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمـُؤْمِنِينَ } يونس 57 في القرآن عباد الله؛ الهدى والنور، والشفاء لما في الصدور، الذكرى بالقرآن أعظم ذكرى، وموعظة القرآن أبلغ موعظة. عباد الله: ومن مواعظ القرآن ما جاء في سورة ( ق ) من قوله سبحانه:{ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ، وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ، أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ، مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ، قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ، مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ، يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ، وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ، لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }. ق 19ـ 35
أيها الناس: إذا جَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ فلا مفر منها، ولا محيد ولا هروب:{ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلـُونَ } الجمعة 8 .
إذا حضر الموت فإن له سكرةً، وهولاً وشدةً، لا يسلم منها أحد، حتى أكرم الخلق على الله ـ رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، تقول عنه عائشة رضي الله تعالى عنها لما كان يحتضر: ( فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ... ) رواه البخاري. وتقول رضي الله عنها: لما ثقل أبو بكر تمثلت بهذا البيت:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه وقال ليس كذلك، ولكن قولي: { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ }.
أيها المؤمنون: إن الأمر لا ينتهي بالموت وسكرته
ولو أنا إذا مــتنا تركنا * لكان الموت غــاية كــل حــي
ولـكــنا إذا مـتنا بعثنا * ونُسـأل بــعد ذا عن كـــل شيء
سكرة الموت على هولها و شدتها، شيء هين نسبة لما بعدها إذ بعدها القبر وضمته وظلمته، والسؤال وروعته، والنفخ في الصور، والبعث من القبور، والعرض على الجبار جل جلاله والسؤال عن القليل والكثير، ونصب الموازين، وتطاير الصحف فآخذ كتابه بيمينه، أو بشماله من وراء ظهره، والصراط على متن جهنم، أدق من الشعر، وأحد من السيف، عليه كلاليب وحسك يأخذن من شاء الله: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّـــاً } مريم 71 ـ 72 أهوال، وأحداث يشيب لها الولدان.
بعد الموت القبر، أول منزل من منازل الآخرة؛ يقف عثمان رضي الله عنه على القبر فيبكي حتى تبتل لحيته، فيقال له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر، وإن لم ينج منه فما بعده أشد؛ قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه ) رواه الترمذي وقال وحسنه الألباني.
ويقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: ( بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ؛ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ... فَقَالَ مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا، قَالَ فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَقَالَ تَعَوَّذوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالَ تَعَوَّذوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالَ تَعَوَّذوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ) رواه مسلم. اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.
ثم قال عز وجل: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ }. ينفخ في الصور نفخة البعث، ويبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، ويقوم الناس لرب العالمين، وتجيء كل نفس معها سائق يسوقها إلى موقف القيامة، فلا تمانع أو تتأخر؛ وأنَّى لها ذلك، وشاهد يشهد عليها بأعمالها خيرها وشرها، فلا ينفعها الإنكار يومئذٍ، ففي ذلك اليوم يختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون.
فاللهم إنا نسألك السلامة والنجاة من النار، اللهم إنا نسألك السلامة والنجاة من النار. بارك الله... وأقول ما تسمعون ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وتأملوا قوله تبارك وتعالى: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ }.
وعد الله جل وعلا النار أن يملأها من الجِنة والناس أجمعين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ) :لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ ) رواه مسلم.
ثم قال سبحانه: { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ، لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } هيأ الله جنته، وأعدها وأدناها لعباده المتقين، يقال لهم على وجه التهنئة:{ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ }.
هذه الجنة وما فيها؛ مما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، هي التي وعد الله كل أواب حفيظ، رجاع إلى الله في جميع الأوقات من جميع الذنوب، محافظٍ على أوامر الله ممتثلٍ لها، مجتنبٍ لنواهيه مبتعدٍ عنها، يخشى ربه بالغيب ويخافه، قلبه منيبٌ سليمٌ خاضع. يقال لهم:{ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ } قال قتادة: سَلِموا من عذاب الله عز وجل، وسلَّم عليهم مـلائكةُ الله.
يخلدون في الجنة فلا يموتون أبدا، ولا يظعنون أبدا، ولا يبغون عنها حولا، لهم فيها ما يشاءون، مهما طلبوا وجدوا، ومهما تمنوا أدركوا وأعظم من ذلك ! وأفضل من ذلك !! ما وعد الله من المزيد:{ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }{ لِلَّذِينَ أَحْسَــنُوا
الْحُســْنَى وَزِيَادَةٌ } يونس 26 { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة 22 ـ 23
المزيد: النظر إلى وجه الله الكريم، عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ، قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ؛ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه مسلم.
اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ...عباد الله صلوا وسلموا ...
اللهم صل وسلم ...
أيها الناس: إذا جَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ فلا مفر منها، ولا محيد ولا هروب:{ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلـُونَ } الجمعة 8 .
إذا حضر الموت فإن له سكرةً، وهولاً وشدةً، لا يسلم منها أحد، حتى أكرم الخلق على الله ـ رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، تقول عنه عائشة رضي الله تعالى عنها لما كان يحتضر: ( فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ... ) رواه البخاري. وتقول رضي الله عنها: لما ثقل أبو بكر تمثلت بهذا البيت:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه وقال ليس كذلك، ولكن قولي: { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ }.
أيها المؤمنون: إن الأمر لا ينتهي بالموت وسكرته
ولو أنا إذا مــتنا تركنا * لكان الموت غــاية كــل حــي
ولـكــنا إذا مـتنا بعثنا * ونُسـأل بــعد ذا عن كـــل شيء
سكرة الموت على هولها و شدتها، شيء هين نسبة لما بعدها إذ بعدها القبر وضمته وظلمته، والسؤال وروعته، والنفخ في الصور، والبعث من القبور، والعرض على الجبار جل جلاله والسؤال عن القليل والكثير، ونصب الموازين، وتطاير الصحف فآخذ كتابه بيمينه، أو بشماله من وراء ظهره، والصراط على متن جهنم، أدق من الشعر، وأحد من السيف، عليه كلاليب وحسك يأخذن من شاء الله: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّـــاً } مريم 71 ـ 72 أهوال، وأحداث يشيب لها الولدان.
بعد الموت القبر، أول منزل من منازل الآخرة؛ يقف عثمان رضي الله عنه على القبر فيبكي حتى تبتل لحيته، فيقال له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر، وإن لم ينج منه فما بعده أشد؛ قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه ) رواه الترمذي وقال وحسنه الألباني.
ويقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: ( بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ؛ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ... فَقَالَ مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا، قَالَ فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَقَالَ تَعَوَّذوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالَ تَعَوَّذوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالَ تَعَوَّذوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ) رواه مسلم. اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.
ثم قال عز وجل: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ }. ينفخ في الصور نفخة البعث، ويبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، ويقوم الناس لرب العالمين، وتجيء كل نفس معها سائق يسوقها إلى موقف القيامة، فلا تمانع أو تتأخر؛ وأنَّى لها ذلك، وشاهد يشهد عليها بأعمالها خيرها وشرها، فلا ينفعها الإنكار يومئذٍ، ففي ذلك اليوم يختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون.
فاللهم إنا نسألك السلامة والنجاة من النار، اللهم إنا نسألك السلامة والنجاة من النار. بارك الله... وأقول ما تسمعون ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وتأملوا قوله تبارك وتعالى: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ }.
وعد الله جل وعلا النار أن يملأها من الجِنة والناس أجمعين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ) :لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ ) رواه مسلم.
ثم قال سبحانه: { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ، لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } هيأ الله جنته، وأعدها وأدناها لعباده المتقين، يقال لهم على وجه التهنئة:{ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ }.
هذه الجنة وما فيها؛ مما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، هي التي وعد الله كل أواب حفيظ، رجاع إلى الله في جميع الأوقات من جميع الذنوب، محافظٍ على أوامر الله ممتثلٍ لها، مجتنبٍ لنواهيه مبتعدٍ عنها، يخشى ربه بالغيب ويخافه، قلبه منيبٌ سليمٌ خاضع. يقال لهم:{ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ } قال قتادة: سَلِموا من عذاب الله عز وجل، وسلَّم عليهم مـلائكةُ الله.
يخلدون في الجنة فلا يموتون أبدا، ولا يظعنون أبدا، ولا يبغون عنها حولا، لهم فيها ما يشاءون، مهما طلبوا وجدوا، ومهما تمنوا أدركوا وأعظم من ذلك ! وأفضل من ذلك !! ما وعد الله من المزيد:{ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }{ لِلَّذِينَ أَحْسَــنُوا
الْحُســْنَى وَزِيَادَةٌ } يونس 26 { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة 22 ـ 23
المزيد: النظر إلى وجه الله الكريم، عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ، قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ؛ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه مسلم.
اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ...عباد الله صلوا وسلموا ...
اللهم صل وسلم ...