تأسيس وطن-13-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/08/12 - 2024/02/22 12:27PM

تأسيس وطن-13-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ: القَائدُ الشَّجاعُ أُسامةُ بنُ مُنقِذٍ، كَانَ مِن فُرسانِ نُورِ الدِّينِ زَنكيِّ وصَلاحِ الدِّينِ الأيوبيِّ-رحمهم اللهُ تعالى-في الحُروبِ ضِدَّ النصارى الصليبين، وفي عَامِ خمسِ مئةٍ واثنينِ وخمسينَ للهجرةِ، رَجعَ مَن إحدى مَعَارِكِهِ في الدِّفَاعِ عَن بِلادِ الإسلامِ، وَعِندَمَا وَصَلَ إلى بَلدِهِ شَيْزَرَ في الشَّامِ، بِالقُربِ مِن حَماةَ، فَإذا قَد أَصَابَها زِلزَالٌ، وهَدَمَها عَلى أهلِها، فَهَلَكَ كُلُّ مِن فِيها، مِنْ أَهلِهِ وأَقَاربِهِ مِن بني مُنقِذٍ، فَلم يَبقَ لَهم أَثرٌ، فَقَالَ قَصِيدةً منها:

لم يتركِ الدَّهرُ لي من بَعدِ فَقدِهِمُ*

                     قلبًا أُجشِّمُه(أُحَمِّلُهُ)صَبرًا وسُلوانا

فَلو رَأَوْني لَقَالوا: مَاتَ أَسعدُنا*

                         وَعَاشَ للهَمِّ والأحزانِ أَشقَانا

فَكنتُ أَصْبِرُ عَنهُم صَبرَ مُحتَسبٍ*

                       وَأَحملُ الخَطبَ فِيهم عَزَّ أو هَانَا

وأقتَدي بِالوَرى(الناسِ)قَبلي فَكَم فَقدوا*

                          أَخًا وكَم فَارقوا أَهلًا وَجِيرانا

وَاَلَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ (المَنازلَ والدِّيارَ)، وقَالَ فِي مُقَدِّمَتِهِ: "فَإنِّي دَعاني إلى جَمعِ هَذا الكِتابِ، مَا نَالَ بِلادي وَأَوطَاني مِن الخَرابِ، ... وَجَعلتُهُ بُكاءً للدِّيارِ والأَحبابِ، وذَلكَ لا يُفيدُ ولا يُجدي، وَلَكنَّهُ مَبلغُ جَهدي، وإلى اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-أَشكو مَا لَقيتُ مِن زَمَاني، وانفرَادي مِن أَهلي وإخواني، وَاغترابي عَن بِلادي وَأَوطَاني، ... في كِتابٍ تَفوحُ مِنهُ الأشجَانُ، وتتَقاطرُ مِنهُ الدَّموعُ والأحزانُ". انتهى كلامه.

إخواني: احمدوا اللهَ على نعمةِ الأهلِ والأوطَانِ، والعَافيةِ والأَمانِ، فَإنَّ خُروجَ الإنسانِ مِن الوَطَنِ، يُساوي خُروجَ الرُّوحِ مِن البَدَنِ، قَالَ-سُبحَانَه-: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ ‌مَا ‌فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ)، ولِذَلِكَ كَانَ المُهاجِرونَ-رضي اللهُ عنهم-مِنْ أعظمِ النَّاسِ عِندَ اللهِ أجرًا، وفقراؤُهم مِنْ أعلى الناسِ عندَهُ قَدرًا، يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا-: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ: "إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ ‌بِأَرْبَعِينَ ‌خَرِيفًا(عامًا)"، وذَلكَ لأنَّهم تَرَكوا الأهلَ والأوطانَ، وخَرجوا حِفَاظًا عَلى الدِّينِ والإيمَانِ، قُدوَتُهم في ذلكَ إمامُ الأَنبياءِ محمدٌ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-عِندَما وَقَفَ في طريقِ هِجرَتهِ والتَفَتَ إلى مَكةَ وقَالَ: "واللهِ إنَّكِ لَخَيرُ أَرضِ اللهِ، وَأَحبُ أَرضِ اللهِ إلى اللهِ، وَلَولا أَنِّي أُخرِجتُ مِنكِ مَا خَرجتُ"، ولا عَجَبَ فَإنَّ حَنينَ النَّفسِ إلى أَوطَانِهَا، وهَواهَا إلى بُلدَانِهَا، فَهيَ إلى مَولدِهَا مُشتَاقَةٌ، وإلى مَسقَطِ رَأسِهَا تَوَّاقَةٌ.

سَمِعَ رَجلٌ مِنَ التَّابعينَ وَكانَ فَقِيرًا، أَنَّ فَقراءَ المُهَاجرينَ يَسبِقُونَ الأغنياءَ إلى الجَنَّةِ، فقَالَ لِعَبدِ اللهِ بِنِ عَمرو-رضيَ اللهُ عنهما-: "أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، قَالَ: فَإِنَّ لِي خَادِمًا، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ".

فَسُبحَانَ اللهِ! نحنُ-اليومَ-نَعيشُ عِيشةَ المُلوكِ ولا نَشعُرُ، وَهلْ الدُّنيا إلا أَمْنٌ وَعافيةٌ وكَفَافُ رِزقٍ، قَالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"، فمَنْ جَمَعَ اللهُ لَهُ بِينَ عَافيةِ بَدَنِهِ، وَأَمنِ قَلبِهِ، وَكَفَافِ عَيشِهِ، بِقُوتِ يَومِهِ، وَسَلامِةِ أَهلِهِ، فَقَدْ جَمعَ اللهُ لَهُ جَميعَ النِّعمِ التي يعيشُها ملوكُ الدنيا.

انظروا إلى مَن فَقَدَ السَّكَنَ، وَهَجَرَ الوَطَنَ، فَلا طَعامَ ولا مَاءَ، ولا دِفءَ ولا غِطَاءَ، واسألوهم عَن أَقصى أَمانِيهم، فَسيَقُولونَ: نَرجِعُ إلى أوطَانِنا، ونَعيشُ بَينَ أهلِنا، ونُعطى قُوتَ يَومِنا، فَهل رَأيتُم أنَّ أقصى أَمانِيِّهم يشكو ويَتذَمَّرُ مِنه كثيرٌ من الناسِ!

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فعِندَما التقى الأميرُ محمدُ بنُ سعودٍ بالشَّيخِ مُحمَّدِ بنِ عبدِ الوَهابِ-رَحِمَهما اللهُ تعالى-في الدرعيةِ، قالَ الأميرُ للشَّيخِ: "أبشرْ ببلادٍ خيرٍ من بلادِك، وأبشرْ بالعِزِّ والمَنَعةِ"، فقالَ لَهُ الشَّيخُ: "وأنا أبشُّرُك بالعزِّ والتَّمكينِ؛ وهذه كلمةُ (لا إلهَ إلا اللهُ)، من تمسَّكَ بها وعَملَ بها ونصرَها؛ مَلَكَ بها البِلادَ والعِبادَ، ... فأرجو أن تكونَ إمامًا يَجتمعُ عليه المسلمونَ وذريَّتَك من بَعدِك"، ومِن هُنا كَانَ التَّأسيسُ.

بِهَذا اللِّقاءِ التّاَريخيِّ قَامَتْ الدَّولةُ السُّعوديةُ بشعارِ: (لا إلهَ إلا اللهُ، مُحمدٌ رَسولُ اللهِ)، تُطبِّقُ شَرعَ اللهِ-سبحانه-، وتَقتفي سُنَّةَ رسولِه-صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وتَأمرُ بالمَعروفِ وتنهى عن المُنكرِ، وتَنشرُ العقيدةَ الصَّحيحةَ، وتُحاربُ البِدعَ المُحدَثةَ، فتحقَّقَ-بإذن اللهِ-وعدُ اللهِ: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ*الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، فَحَافِظوا عَلى هَذا الإرثِ العَظيمِ، واعلَموا أنَّ جَزاءَ الإيمانِ الأمنُ في الأوطانِ، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ ‌لَهُمُ ‌الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، والزِيادةَ جَزاءُ الشُّكرِ، (وَإِذْ ‌تَأَذَّنَ ‌رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، والعَذابَ جَزاءُ الكُفرِ، (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ)، وسُنَنُ اللهِ لا تَتَغيَّرُ ولا تَتبَدَّلُ.

اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1708594111_تأسيس وطن-13-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1708594112_تأسيس وطن-13-8-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1517 | التعليقات 0