تأخر زواج الفتيات (إرشادات - أسباب - علاج) لبنى شرف

تأخر زواج الفتيات (1-3)

لبنى شرف - الأردن


الزواج سنة من سنن الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وفيه مصالح وفضائل جليلة وعظيمة للرجال والنساء والأمة جمعاء. قال عليه وآله الصلاة والسلام:"يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" [رواه مسلم في صحيحه:1400].

فالزواج إعفاف للنفس وصيانتها عن الحرام، وتطهير للمجتمع من الفاحشة لما فيه من إرواء للغريزة الجنسية، وهو سكن وطمأنينة وترويح للنفس لما يحصل به من الألفة والمودة والانبساط والإيناس بين الزوجين، وفيه إشباع لغريزة الأبوة والأمومة من خلال تكوين الأسرة الصالحة وإنجاب الأولاد، وهو خير وسيلة لتكثير النسل.

وجاء في المُغْني لابن قدامة في مصالح النكاح أنه (( يشتمل على تحصين الدين وإحرازه، وتحصين المرأة وحفظها والقيام بها، وإيجاد النسل، وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نفل العبادة)).

وتختلف مشروعية الزواج باختلاف الأحوال: من خوف العنت وعدم الصبر، ومن القوة على الصبر وزوال خشية العنت، ففي حين يكون واجباً في حق بعض، يكون مستحباً في حق آخرين، وقد يكون حراماً كما قال الإمام القرطبي فيمن تعلم من نفسها العجز عن القيام بحقوق الزوج، فهذه يحرم في حقها الزواج.

وعليه، فمن النساء من تتوق نفسها إلى الزواج، ولكن تأخر زواجها، فإلى حين أن يهيء الله لها الزوج الصالح، ماذا تصنع؟ هل تطلق لنفسها العنان حتى تقع في المحظورات والمنكرات كشأن ضعيفات الإيمان؟ أم تبقى تندب حظها إلى أن تصاب بالأمراض النفسية؟!

إن هذه شدة، و(( إصابة العباد بالشدة هي امتحان وبلاء، واختبار وفتنة، والذي يستيقظ لهذه الحقيقة يفيد من الشدة، ويعتبر بالبلاء، ويكسب من ورائهما حين يستيقظ. والألم لا يذهب ضياعاً إذا أدرك صاحبه أنه يمر بفترة امتحان لها ما بعدها إن أحسن الانتفاع بها، والألم يهون على النفس حين تعيش بهذا التصور، وحين تدخر ما في التجربة المؤلمة من زاد للدنيا بالخبرة والمعرفة والصبر والاحتمال، ومن زاد للآخرة باحتسابها عند الله، وبالتضرع لله، وبانتظار الفرج من عنده وعدم اليأس من رحمته..)).

هي مأمورة ابتداء بالاستعفاف، ولا بد من زاد يعينها، ولا خير من التقوى، فهي (( زاد القلوب والأرواح، منه تقتات، وبه تتقوى وترف وتشرق، وعليه تستند في الوصول والنجاة. وأولو الألباب هم أول من يدرك التوجيه إلى التقوى، وخير من ينتفع بهذا الزاد)).

عليها أن تشغل وقتها بكل ما هو نافع ومفيد لها في دينها ودنياها، فتكثر من العبادة، من صلاة وصيام و...، فهي زاد الطريق ومدد الروح وجلاء القلب، ولقد كان عليه وآله الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، هذا وهو الوثيق الصلة بربه، فكيف حالنا نحن؟! وتكثر من الأعمال التطوعية والخيرية، وتتفقه في دينها، وتطلب العلم النافع، وتنشط وتساهم في الأعمال الدعوية بحسب طاقتها وقدرتها وما يسرها الله له.

عليها باختصار أن تفيد من هذه المرحلة ومن هذا الوقت، وتستغله بشكل يعود بالنفع عليها وعلى أمتها، لا أن تبقى حبيسة فكرة أنها لم تتزوج بعد وغيرها تزوج! فهذا قدر الله، وعليها أن تفر من قدر الله إلى قدر الله، وتدفع الأقدار بالأقدار، كما يُدفع المرض بالدواء، والجهل بالمعرفة، والفقر بالعمل.

يقول عبد القادر الجيلاني: (( لكل حالة من أحوال الحياة، سعادة كانت أم شقاء، زمن تحل فيه وآخر تنتهي عنده، وأزمانها هذه لا تتقدم ولا تتأخر. ولذلك فالمطلوب من الإنسان أن يعالج هذه الأحوال بالوسائل المشروعة مع الانتظار حتى تسفر الحالة عن ضدها بمرور زمنها وانقضاء أجلها.. فمن طلب ضوء النهار بين العشائين لا يحصل عليه.. ولو أنه طلب إعادة الليل بعد حلول النهار لم تجب دعوته لأنه طلب الشيء في غير وقته فيبقى ساخطاً.. ومن شأن هذا القلق والسخط أن يُفضي به إلى سوء الظن بالله، والتخبط في معالجة الأقدار، فتفضي الحالة السيئة إلى ما هو أسوأ)).

ويقول سيد قطب: ((والنفس البشرية قد تستغرقها اللحظة الحاضرة وما فيها من أوضاع وملابسات، وقد تغلق عليها منافذ المستقبل فتعيش في سجن اللحظة الحاضرة، وتشعر أنها سرمد وأنها باقية، وأن ما فيها من أوضاع وأحوال سيرافقها ويطاردها.. وهذا سجن نفسي مغلق مفسد للأعصاب في كثير من الأحيان. وليست هذه هي الحقيقة، فقدر الله دائماً يعمل، ودائماً يغير، ودائماً يبدل، ودائماً ينشئ ما لا يجول في حسبان البشر من الأحوال والأوضاع، فرجاً بعد ضيق، ويسراً بعد عسر، وبسطاً بعد قبض.. ويريد الله أن تستقر هذه الحقيقة في نفوس البشر.. لتظل أبواب الأمل في تغيير الأوضاع مفتوحة دائمة، ولتظل نفوسهم متحركة بالأمل، ندية بالرجاء، لا تغلق المنافذ، ولا تعيش في سجن الحاضر، واللحظة التالية قد تحمل ما ليس في الحسبان..﴿..لا تَدْرىِ لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أَمْراً﴾..{الطلاق:1})).

إذن فلا بد من الصبر والاستعانة بالله، والحكمة في التعامل مع الأمور، فلكل أمر وحادثة قدر، والدعوة المستجابة تُستجاب، ولكنها تتحقق في أوانها الذي يقدره الله بحكمته، غير أن الناس يستعجلون! وغير الموصولين بالله يملون ويقنطون! ثم من يدري فلعل الخير في تأخر الزواج أو عدمه أصلاً! فالخيرة فيما اختاره الله، فكم من محنة تجرعها الإنسان جاءه من ورائها من الخير ما لم يأته من الرخاء والنعيم! وكم من مكروهات كان من ورائها الخير العميم، ولذات ومحبوبات كان من ورائها الشر العظيم!.. فالإنسان لا يعلم، والله وحده هو الذي يعلم، ونظرة الإنسان تبقى قاصرة ومحدودة.. إذن فليستسلم وليرض بقضاء الله، ولكن بعد أن يأخذ بالأسباب ويعمل ما يستطيع..﴿ وَعَسى أن تَكْرَهوا شَيْئاً وهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وعَسى أن تُحِبّوا شَيْئاً وهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وأَنتُمْـ لا تَعْلَمـونَ﴾..{البقرة:216}.
المشاهدات 3180 | التعليقات 2

تأخر زواج الفتيات.. الأسباب (2-3)

لبنى شرف - الأردن


إن الأسباب وراء ظاهرة تأخر زواج الفتيات تكمن - في نظري- في البعد عن منهج الله و روح الشريعة الإسلامية، ولكن لا بد بشيء من التفصيل فيها:

- عدم قدرة الشاب على النفقة بسبب قلة توفر فرص العمل، وغلاء المعيشة، أو بسبب الراتب المتدني الذي لا يكفي الحاجات الضرورية للأسرة، مما يجعل الشاب يفضل الزواج من امرأة عاملة، أو قد يضطر أحياناً للهجرة بحثاً عن فرصة أفضل للعمل وبأجر أعلى، وهذا يؤدي إلى تأخر زواجه وبالتالي تأخر زواج الفتاة. مع أن الأصل في المجتمع المسلم أن يكفل لكل قادر عملاً و رزقاً، ولكل عاجز ضمانة للعيش الكريم، ولكل راغب في العفة والحصانة زوجة صالحة.

- عمل المرأة غير المحتاجة في وظائف من الأوْلى أن يعمل فيها الشباب، فالشاب مطالب بالنفقة، أما المرأة فليست مطالبة بها، وإنما نفقتها على زوجها أو ذوي قرابتها، أو من بيت مال المسلمين! ولكن لبعدنا عن المنهج الرباني، أصبحت المرأة مضطرة للعمل أحياناً لتضمن لنفسها حياة كريمة!!.

- عدم التكافل والتعاون والتراحم بين ذوي القربى، مما يؤدي إلى تأخر زواج الشاب غير مستطيع النفقة، لأنه لم يجد عوناً من قرابته، أو حتى من يقرضه قرضاً حسناً! وقد يلجأ بعض الشباب إلى الاقتراض من البنوك، أو الحصول على المال بطرق غير شرعية!!.

- تعسير أهل الفتاة أمر الزواج على الشاب، والمبالغة في المهور والطلبات المادية غير الضرورية، والتمسك ببعض الأمور التي لا تعدو عن كونها عادات وتقاليد ليست من الدين في شيء. فهناك بعض الأسر تحرص على تقاليدها وإن كانت خاطئة وفيها ما فيها من استنزاف للوقت والمال، أكثر من حرصها على تطبيق شعائر دينها!!.

- منع بعض الآباء بناتهم من الزواج بحجة أن عليهن أن يساهمن في نفقات أهاليهن، وتعليم إخوتهن، يعني بعبارة أخرى يريد الأب أن يسترد ما أنفقه على ابنته!! بل إن هناك من يطالب ابنته وحتى بعد أن تزوجت بما أنفقه عليها!.. شيء عجيب! ومن يعش يسمع ويرى عجباً!!!.

- رفض الفتاة الزواج رغبة في إكمال دراستها، أو لأنها تريد أن تعمل والخاطب يرفض ذلك، فتقدم العمل والوظيفة على الزواج، مع أن النبي الكريم - عليه وآله الصلاة والسلام- يقول: " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" [حسن لغيره، الألباني- السلسلة الصحيحة:1022]. وهذا ما هو حاصل في مجتمعاتنا، فبعض الفتيات لا يعين المفهوم الصحيح للزواج، وأنه إعفاف وإحصان، وبناء لأسرة مسلمة، فقد طغت المادية، واختفت الموازين الإسلامية.

- بعض الفتيات يرفضن الزواج لأسباب نفسية تتعلق بطبيعة الشخصية وكيفية التربية والتنشئة، والبيئة التي نشأن فيها.. فهناك من تخاف من الزواج ومن تحمل المسؤولية، وهناك من ترفض سلطة الرجال عليها، وهناك من تخشى ألا تقوم بحق زوجها، أو أنها تعرف من نفسها أنها لن تستطيع القيام بحق الزوج. وقد حدث في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- " أن رجلاً أتى بانته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "أطيعي أباك، فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حق الزوج على زوجته، لو كانت به قرحة فلحستها.. ما أدت حقه. قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبداً! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنكحوهن إلا بإذنهن" [رواه المنذري في الترغيب والترهيب:3/98]. وكذلك في المقابل عزوف بعض الشباب عن الزواج لأسباب نفسية وتربوية ترجع لطبيعة التربية والبيئة التي نشؤوا فيها.

- رفض الفتاة الزواج من رجل متزوج، حتى وإن كان هذا الرجل صاحب دين وخلق، ولديه القدرة المالية لأن يتزوج بأخرى، فإنها ترفض فكرة التعدد.

- دور الإعلام الفاسد والمفسد في بث المفاهيم المغلوطة عن الزواج والحياة الزوجية ومسألة تعدد الزوجات، وشن الحملات والمخططات التي تستهدف القضاء على الأسرة.


تأخر زواج الفتيات.. حلول مقترحة (3-3)


لبنى شرف - الأردن


كما ذكرنا في الأسباب من أنها تكمن في البعد عن منهج الله، فكذلك الحلول تكمن في تطبيق منهج الله، فالإسلام ((هو النظام الذي قرره الله لحياة البشرية بجملتها، والمنهج الذي يسير عليه نشاط الحياة برمتها. وهو منهج واقعي للحياة، لا يقوم على مثاليات خيالية جامدة في قوالب نظرية، إنه يواجه الحياة البشرية - كما هي- بعوائقها وجواذبها وملابساتها الواقعية، يواجهها ليقودها قيادة واقعية إلى السير وإلى الارتقاء في آن واحد. يواجهها بحلول عملية تكافئ واقعياتها ولا ترفرف في خيال حالم، ورؤى مجنحة لا تجدي على واقع الحياة شيئاً!)):

- تحقيق مبدأ التكافل والتضامن في تيسير الزواج والمعاونة عليه في المجتمع المسلم، وتحقيقه ابتداءً في محيط الأسرة، وبين ذوي القربى، تحقيقاً لمروءة النفس، وتقوية لوشائج القربى، والأخذ من القريب أكرم من الأخذ من البعيد. والتكامل في محيط الأسرة - القريبة والبعيدة- هو حجر الأساس في بناء التكافل الاجتماعي العام في المجتمع، (( فإذا عجزت هذه الخطوة أو قصرت عن استيعاب جميع الحالات المحتاجة إلى التكافل، جاءت الخطوة التالية في محيط الجماعة المحلية المتعارفة، لتكملها وتقويها، فإذا عجزت هذه جاء دور الدولة المسلمة.. والتكافل في محيط الأسرة أو في محيط الجماعة الصغيرة يخلق مشاعر لطيفة رحيمة، تنمو حولها فضائل التعاون والتجاوب نمواً طبيعياً..)).

قال تعالى:﴿ وأَنكِحوا الأيـٰمى مِنكُمـ والصـٰلحينَ مِنْ عِبادِكُمْـ وإمآئكُم إن يَكونوا فُقَرآءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ واللهُ وٰسِعٌ عَليمٌـ﴾..{النور:32}، قال القرطبي: ((هَذِهِ الْمُخَاطَبَة تَدْخُل فِي بَاب السَّتْر وَالصَّلاح؛ أَيْ زَوِّجُوا مَنْ لا زَوْج لَهُ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ طَرِيق التَّعَفُّف؛ وَالْخِطَاب للأَوْلِيَاءِ، وَقِيلَ للأَزْوَاجِ، وَالصَّحِيحّ الأوَل؛ إِذْ لَوْ أَرَادَ الأزوَاج لَقَالَ " وَانْكِحُوا " بِغَيْرِ هَمْز، وَكَانَتْ الألِف لِلْوَصْلِ.

وقال سيد قطب: (( يجب أن تزول العقبات من طريق الزواج، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها. والعقبة المالية هي العقبة الأولى في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس. والإسلام نظام متكامل، فهو لا يفرض العفة إلا وقد هيأ لها أسبابها، وجعلها ميسورة للأفراد الأسوياء، فلا يلجأ إلى الفاحشة حينئذ إلا الذي يعدل عن الطريق النظيف الميسور عامداً غير مضطر، لذلك يأمر الله الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال.. وتمكينهم من الإحصان، بوصفه وسيلة من وسائل الوقاية العملية، وتطهير المجتمع الإسلامي من الفاحشة، وهو واجب، ووسيلة الواجب واجبة. فإذا وجد في المجتمع الإسلامي أيامى تعجز مواردهم الخاصة عن الزواج، فعلى الجماعة أن تزوجهم. ولا يجوز أن يقوم الفقر عائقاً عن التزويج - متى كانوا صالحين للزواج راغبين فيه، رجالاً ونساءً- فالرزق بيد الله، وقد تكفل الله بإغنائهم، إن هم اختاروا طريق العفة النظيف: " إن يَكونوا فُقَرآءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" ثلاثة حق على الله تعالى عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف")).

رُوِي أنه " كان بعض الصحابة قد انقطع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه، ويبيت عنده لحاجة إن طرقته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تتزوج؟ فقال: يا رسول الله، إني فقير لا شيء لي، وأنقطع عن خدمتك، فسكت ثم عاد ثانياً، فأعاد الجواب، ثم تفكر الصحابي وقال: والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما يصلحني في دنياي وآخرتي، وما يقربني إلى الله مني، ولئن قال الثالثة لأفعلن، فقال له الثالثة ألا تتزوج؟ قال: فقلت يا رسول الله، زوجني، قال اذهب إلى بني فلان فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني فتاتكم. قال فقلت: يا رسول الله، لا شيء لي، فقال لأصحابه: اجمعوا لأخيكم وزن نواة من ذهب، فجمعوا له، فذهبوا به إلى القوم فأنكحوه، فقال له: أولم. وجمعوا له من الأصحاب شاة للوليمة" [رواه ربيعة بن كعب الأسلمي وإسناده حسن- تخريج الإحياء للعراقي:2/30].

- تيسير أمر الزواج من قِبل أهل الفتاة، فديننا دين يسر لا عسر فيه، والله يريد اليسر لا العسر بعباده.. ﴿..يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ..﴾..{البقرة:185}. فلا داعي لهذا التعقيد في أمر الزواج، ولا داعي للمغالاة في المهور، فماذا ستستفيد المرأة من المهر الغالي إن ابتلاها الله بزوج يشقيها في حياتها!!.

قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية - يرحمه الله- في باب الصداق: ((السنة:‏ تخفيف الصداق، وألا يزيد على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، فقد روت عائشة - رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة‏)،‏ وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏خيرهن أيسرهن صداقًا)،‏ وعن الحسن البصري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألزموا النساء الرجال، ولا تغالوا في المهور)‏‏.‏ وخطب عمر ابن الخطاب الناس فقال‏:‏ ألا لا تغالوا في مهور النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم النبي صلى الله عليه وسلم‏،‏ ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏)).

ثم لا داعي لهذه الطقوس المتبعة في الزواج من الألف إلى الياء.. من طباعة بطاقات العرس، وفستان العرس، وحجز الصالات، وغيرها، فالزواج أبسط وأيسر من هذا كله، ولا يحتاج لكل هذا المال، ولا إلى هدر كل هذه الأوقات، بين أمور إما أن تكون تشبهاً وتقليداً لغير المسلمين في أفراحهم، أو عادات فارغة من الرصيد الإيماني توارثها الأجيال دون تدبر أو تفكير وظنوا أنها الحق وما سواه هو الباطل، فالناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل، وليس الذي يقرره الناس هو الحق أو هو الدين، وإقامة الناس حياتهم على شيء لا تحيل هذا الشيء حقاً إذا كان مخالفاً للشرع، ولا تبرره لأن أجيالاً متعاقبة قامت عليه، فالزواج ليس عادة وتقليداً، وإنما هو من الدين، واتباع أحكام الدين هو الأصل.. ثم ليقل الناس ما يقولون!.

- الزهد والقناعة والرضا باليسير الحلال ففيه البركة، والترفع عن عالم الطين، فإن متاع الدنيا متاع زائل لا يتجاوز حدود هذه الدنيا، ومتاع زهيد رخيص يليق بالحياة الدنيا، والمتاع الحقيقي هو ما ادخره الله للمتقين، فإنه يدخر لهم ما هو أكرم وأبقى..﴿ وزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتـٰـعُ الحَيَوٰةِ الدُّنْيا والآخرةُ عِندَ رَبِّكَ للمُتَّقينَ﴾..{الزخرف:35}. فلا داعي لكل هذه الطلبات من الخطاب، فإن كثيراً منها هو من الكماليات التي لا حاجة لها والحياة تكون بدونها، ثم إن كثيراً مما يُطلب من الخاطب - سواء كان من الفتاة أم من أهلها- يمكن أن يتيسر مستقبلاً، وليس من الضروري أن يتوفر في بداية الحياة الزوجية.

- أن يبحث والد الفتاة أو وليها أو غيرهم من محارمها وأهلها عن زوج صالح ذو خلق رضي، فلا حرج في ذلك، فقد عرض عمر - رضي الله عنه- ابنته حفصة - رضي الله عنها- على أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما- قبل أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك عرض سعيد ابن المسيب ابنته على طالب علم كان يحضر درسه. أو أن تعرض الفتاة على وليها تزويجها ممن تجد فيه الصلاح والتقوى.

قال تعالى:﴿ قالَ إنّىۤ أُريدُ أَنْ أُنكِحَكَ إحْدى ابْنَتَىَّ هـٰتَيْنِ عَلىۤ أن تَأْجُرَنِى ثَمـٰنِىَ حِجَجٍ..﴾..{القصص:27}، جاء في زبدة التفسير: ((فيه مشروعية عرض ولي المرأة لها على الرجل الكفء الصالح، وهذه سنة ثابتة في الإسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على عثمان ثم على أبي بكر - رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم- والقصة معروفة، وغير ذلك مما وقع في أيام النبوة وأيام الصحابة)).

وقال الإمام القرطبي: ((أُنْكِحك: فِيهِ عَرْض الْوَلِيّ بِنْته عَلَى الرَّجُل؛ وَهَذِهِ سُنَّة قَائِمَة؛ عَرَضَ صَالِح مَدْيَن اِبْنَته عَلَى صَالِح بَنِي إِسْرَائِيل، وَعَرَضَ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِبْنَته حَفْصَة عَلَى أَبِي بَكْر وَعُثْمَان، وَعَرَضَتْ الْمَوْهُوبَة نَفْسهَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَمِنْ الْحَسَن عَرْض الرَّجُل وَلِيَّته، وَالْمَرْأَة نَفْسهَا عَلَى الرَّجُل الصَّالِح، اِقْتِدَاء بِالسَّلَفِ الصَّالِح)).

وقال سيد قطب: ((وهكذا في بساطة وصراحة عرض الرجل إحدى ابنتيه.. في غير تحرج ولا التواء، فهو يعرض نكاحاً لا يخجل منه، يعرض بناء أسرة وإقامة بيت وليس في هذا ما يخجل، ولا ما يدعو إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد.. ولقد كان الآباء يعرضون بناتهم على الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانت النساء تعرض نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم- أو من يرغب في تزويجهن منهم. كان يتم هذا في صراحة ونظافة وأدب جميل، لا تُخدش معه كرامة ولا حياء.. عرض عمر - رضي الله عنه- ابنته حفصة على أبي بكر فسكت، وعلى عثمان فاعتذر، فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- بهذا طيب خاطره، عسى أن يجعل الله لها نصيباً فيمن هو خير منهما، ثم تزوجها.. وعرضت امرأة نفسها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فاعتذر لها، فألقت إليه ولاية أمرها يزوجها ممن يشاء، فزوجها رجلاً لا يملك إلا سورتين من القرآن، علمها إياهما، فكان هذا صداقها)).

- إنشاء جمعيات ومؤسسات تعنى بإعانة الشباب الراغبين في الزواج، وتساهم في تيسير الزواج، وذلك تيسيراً للحلال وتعويقاً للحرام، وحماية للمجتمع من الفاحشة، وتوفيراً لأسباب الإحصان والوقاية. ويكون لها كذلك دور في مساعدة الشباب في البحث عن زوجة مناسبة له، وكذلك بالنسبة للفتاة. كما وتُعنى كذلك بعقد دورات وندوات لتثقيف الشباب من الذكور والإناث، وتوعيتهم بكل ما يتعلق بالحياة الزوجية، وبث المفاهيم الشرعية الصحيحة عن الزواج والحياة الزوجية، والوقوف في وجه المخططات والحملات التي تستهدف القضاء على الأسرة.

- أن تنظر الفتاة لتعدد الزوجات على أنه تشريع إلـٰهي و رخصة ربانية مشروطة بالعدل، وتتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه، وتتوافق مع واقعه وضروراته وملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع والأزمان والأحوال، وما من تشريع إلـٰهي إلا وفيه حكمة ومصلحة، سواء أدركها البشر أم لم يدركوها.

وأما هذه السلوكيات الخاطئة من بعض المُعَددين، فليست هي التي تمثل نظام التعدد في الإسلام، فهؤلاء بعدوا عن الإسلام ولم يدركوا روح الشريعة ومنهج الإسلام النظيف الكريم. فعلى الفتاة إن تقدم لخطبتها رجل متزوج، ألا تتسرع برفضه لكونه متزوجاً، فربما يكون على درجة من الدين والخلق والعقل، وفيه من الصفات ما لا يوجد في غيره ممن لم يسبق له الزواج.

وأنا أدعو حقيقة المقتدرين على الزواج بثانية وثالثة و رابعة، وعندهم الرغبة في الزواج، أن يتزوجوا ممن تأخر زواجهن، أو حتى من الأرامل والمطلقات، من صاحبات الخلق والدين، ففي هذا إحصان لهن و وقاية وإعفاف، ولكن بشرط أن يتقوا الله فيهن وأن يعدلوا بينهن.

وبعد.. فإن غياب الموازين الإسلامية، وموازين التصور والتفكير الصحيح، جعل الأهواء والشهوات الدنيوية هي المسيطرة على تفكير الناس، مما أثر في ميادين الحياة فأفسدها، ومنها الزواج.. فالزواج أبسط وأيسر من كل هذه التعقيدات التي عقد الناس حياتهم بها، وحاجاته ومتطلباته المادية تندفع بأيسر التكاليف، ولكن النمط الاستهلاكي الترفي الذي سيطر على حياة كثير من المسلمين، جعل الأمور تسير على هذه الصورة المقيتة؛ ترف في الطعام والشراب واللباس، وفي تأثيث البيت مما لا حاجة له من تحف وكماليات.. ترف عام في الحياة، وتعلق بالقيم المادية، وجعلها هي الميزان الذي توزن به الأمور.

أصبح الزواج عند الكثيرين ماديات ليس إلا، مع أنه التقاء وارتقاء، وسمو ورفعة، إن كان الاختيار صحيحاً، وكانت الحياة وفق منهج الله.

لا بد للفتاة أن تجعل اهتمامها بالدرجة الأولى على جوهر الخاطب ومعدنه، فتختبر دينه وخلقه، وصفاء عقله، ونقاء قلبه، وتوافقها معه في الفكر والنظرة للحياة والأشياء، وبعد هذا كل الماديات تهون. وأما أن تكون الماديات هي جل اهتمامها ومبتغاها في هذه الحياة، فما أضيق هذه النظرة، وما أقصر الحياة الدنيا وما أضيقها إن كانت بهذه الصورة!

إن المسلمين اليوم بحاجة لأن يعودوا للإسلام، لا في مسألة الزواج فقط، وإنما في منهج الحياة كلها، فالإسلام جاء لتنظيم الحياة وإدارتها والسمو بها، وهو نظام متكامل، لا يعمل إلا وهو كامل شامل.. بحاجة لأن يهز الإسلام أرواحهم فيحدث فيها انقلاباً نفسياً وشعورياً كاملاً، ويُعيد تأليف ذراتهم على نسق جديد غير الذي كان، يُحدث تغيراً في تصورهم للحياة وفي موازين تفكيرهم، وفي صياغة المفاهيم لديهم.


المصدر: صيد الفوائد