بين مؤتة والُقصير .. ومضاتٌ وعبَرَات

محمد الأحمد
1434/07/28 - 2013/06/07 07:50AM
خطبة بعنوان:
بين مؤتة والُقصير .. ومضاتٌ وعبَرَات
27/7/1434هــ
هشام بن صالح الذكير
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
معاشر المسلمين.. أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجَلَّ، فإنَّها وربي خير الزاد ﴿ وتزودوا فإنَّ خير الزاد التقوى﴾ وقال I ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلِح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطِع الله ورسوله فقد فازَ فوزاً عظيماً﴾

معاشر المؤمنين ..
حفظت لنا كتب السِّير ما حصل في السنة الثمانية من الهجرة لما أن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمرو الأزدي إلى ملك بُصَرَى، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقلته صبراً، وكانت الرسل لا تُقتَل.
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسل سرية إلى ( مؤتة ) بأرض الشام في جمادى الأولى من سنة ثمانٍ من الهجرة.
وكان عدة هذه السرية ثلاثة آلاف مقاتل، وأَمَّرَ عَليها زيدَ بن حارثة، ثم قال: إن قتِلَ فجعفر، وإن قُتِلَ جعفرُ فعبد الله بن رواحة.
فتأهَّب الجيشُ ومضوا حتى نزلوا منطقة ( مَعَان ) بِأرضِ الشَّام، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل
( مآب ) من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخمٍ وجذامٍ وبَلَقَين وبَهْرَاء وبَلِي مائة ألف، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله e فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما يأمرنا بأمره فنمضي له.
فشجع ابن رواحة الناس وقال: " يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل بعددٍ ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين: إما ظهورٌ وإما شهادة ".
فقال الناس: قد صدق ابن رواحة.
فتلاحم الصفان واقتتلوا .. فاستشهد زيد، ثم أخذ الراية جعفرُ، فاقتحم على فرسٍ له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتى أكرمه الله بالشهادة وهو ينشد:
يا حبذا الجنةُ واقترابُها * طيبةً وبارداً شرابُها
والرومُ رومٌ قد دنا عذابُها * كافرةً بعيدةً أنسابُها
عليَّ إذْ لا قيتها ضِرَابُها

روى ابن هشام أن جعفراً أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قُتِل، وهو ابن ثلاثٍ وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك بجناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء.
فلما قُتِل جعفر أخذ الراية ابن رواحة ونزل ساحة الوغى حتى نال الشهادة.
ثم أخذ الراية ثابتُ بن أقرمَ وطلب من المسلمين أن يصطلحوا على رجلٍ منهم، فرشحوه، فرفض، فاصطلحوا على ابن الوليد، فقام بلعبة عسكرية فَذَّة
حيث جعل مقدمته ساقَتَه، وساقَتَه مقدمته، وميمنته ميسرته، وميسرته ميمنته فأنكر الأعداء ما كانوا يعرفون من رايات وهيئات المسلمين وقالوا: قد جاءَهم مدد، فرعبوا، فانكشفوا منهمزين، وانكسرت يومئذٍ في يد خالد بن الوليد تسعة أسياف، ومازال خالدٌ يحاورهم ويداورهم والمسلمون يقاتلون في أثناء انسحابهم بضعة أيام حتى خاف الروم أن يكون هذا استدراجاً لهم إلى الصحراء، فتحاجز الفريقان وانقطع القتال.
فالثبات انقلبت الهزيمة إلى نصر، وأي نصرٍ يُرجَى أكثر من صمود جيشٍ تعدَاده ثلاثة آلاف أمام جيشٍ تعداده مائتا ألف.
فلما رجع الجيش خرج رسول الله e لاستقبالهم، فجعل الناس يحثون التراب على الجيش ويقولون: " يا فرّار فررتم في سبيل الله " !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار، ولكنهم الكرار إن شاء الله ".

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله e أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.

[ الخطبة الثانية ]:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
معاشر الموحدين..
بين (مؤتة) في أرض الشام .. وبين ( القصير ) في أرض الشام أيضاً ومَضَات وعَبَرات:
فالأرض هي الأرض ! والغايَة هي الغايَة ! وقلةُ العُدِّة والعدد !
والعدو هو العدو !
والدين هو الدين ! والكرُّ هو الكر بإذن الله !
هاهم أحفاد ابن رواحة وجعفرَ وزيدٍ وخالدٍ في أرض القُصير بأرض الشام يقاتلون عدواً من أعداء الإسلام !
فما أشبه الليلة بالبارحة ..
في غزوة (مؤتة) تآلب العدو: من لخمٍ وجُذامٍ وبَلَقين وبهراء وبَلِي.
وفي معركة (القُصير) تآلبَ بشارٌ والنصيرية وحزبُ اللات وإيرانُ وروسيا وما خفي كان أعظم!

أيها المؤمنون:
لقد كان رسول الله e وأصحابه في المدينة، فهم لم يشاركوا في تلك الغزوة، ولننظر إلى مشاعرهم وولائهم لأولئك الأبطال:
- لقد حفظت لنا كتب السير دموعه e على أصحابه: فحينما أطلَع الله سبحانه رسولَه ما جرى في أرض المعركة قام على المنبر فقال: " أخذ الراية زيدٌ فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيبُ، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب – وعيناه تذرفان – حتى أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله حتى فتح الله عليهم ".
- ولما أصيب جعفر دخل رسول الله e على أسماء بنت عميس فقال: " ائتني ببني جعفر" فأتت بهم فشمَّهم وقبَّلَهم وذرفت عيناه.
فقالت أسماء: أبلغك عن جعفرٍ وأصحابه شيء ؟ قال: نعم أصيبوا هذا اليوم.
فجعلت تصيح وتولول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماً، فإنهم قد شُغِلوا بأمر صاحبهم ".
فقد كان هذا دعمٌ من النبي صلى الله عليه وسلم بشتى أنواعه.. فهو دعمٌ نفسي ومعنوي ومادي لأهل الشهداء.
ولما ذكرت له أمهم يتمهم وضعفهم قال لها: " العَيْلَة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ".
- كان لشهداء (مؤتَة) مكانَةٌ عظيمة ولذا قال رسول الله e: "ما يسرني أو قال ما يسرهم أنهم عندنا ".
ولاءٌ عجيب، وشعورٌ بالمجاهدين وأهلهم وصغارهم .. إنه تطبيق للتوجيه الإلهي: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ". وقوله " إنما المؤمنون إخوة ".
معاشر المؤمنين:
من فوائد غزوة (مؤتة) .. جواز الانسحاب أمام العدو إذا لم تبق للمسلمين مصلحة ظاهرة وكان البقاء مفسدة ظاهرة كما فعله خالد رضي الله عنه.
وأرض (القُصَير) لم تسقط كما يُهِّول له الإعلام، وإنما هو كر وفر .. والنصر قادمٌ بإذن الله، فليس من المصلحة التهويل خلف هذا إعلامٌ يقود زمامه المغرضين والحاقدين.

أيها الأحبة:
كثيرٌ منا يسأل نفسه .. ما الواجب الذي عليَّ ؟
والجواب هو استشعار قوله تعالى (( ولا ينالون من عدو نيلاً )) فكل نيلٍ من أعداء الدين هو من الجهاد بإذن الله، وإليك بعض النماذج للتذكير بها:
- تخصيص مبلغ شهري للتبرع لأهل سوريا عن طريق الجهات الموثوقة.
- التغريد (بتويتر) ولو بالدعاء .. فهذا له أثر نفسي لإخواننا هناك.
- الدعاء في صلواتنا مع حضور القلب واستشعار أن النصرة واجبة كل حسب استطاعته.
المشاهدات 2478 | التعليقات 1

تشبيهٌ في قمّة البلاغة و التأثير . . و توظيفٌ جيّدٌ للمشاهد و الانتقال بينها = ينتهي بإذن الله إلى تثبيت عقيدة الولاء والبراء في قلوب المؤمنين .
تقبّل الله منك جهاد الكلمة ، ونصركَ في كلّ موطنٍ تحبُّ فيه النصرة ! .