بين فتح أبواب وإغلاق أخرى
شايع بن محمد الغبيشي
بين فتح أبواب وإغلاق أخرى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد:
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ([1])
عباد الله في آن واحد أبواب فُتّحت فاستبشِروا وافرحوا وأمِلوا، وأبواب غلّقت فاستبشِروا وافرحوا وأمِلوا، ولكن كيف نفرح بفتح أبواب وإغلاق أبواب في آن واحد؟
ها كم الخبر يزفه إليكم خير البشر صلى الله عليه وسلم فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» رواه البخاري([2])ما دلالات ذلك وهداياته؟
أولاً: محبة الله جل وعلا لعباده ورحمته ولطفه بهم حيث جعل لهم مواسم عظيمة للخيرات تقربهم منه، وجعل لتلك المواسم مميزات وخصائص تحفزهم على ذلك فما أرحم الله بنا قال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }([3]) وهذا يوجب علينا محبة ربنا جل وعلا والإقبال عليه وطاعته والإنابة إليه والإسراع إلى مرضاته سبحانه.
ثانياً: تشويق العباد للجنة وما أعد الله لعباده فيها من النعيم المقيم الذي لا يخطر للعبد على بال كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}» رواه البخاري ومسلم تأمل قول المولى جل وعلا: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)}([4]) هناك يجتمع المؤمن بأهله وأحبابه: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}([5]) وصف رسول الله صلى الله وسلم قصورها فقال: "لَبِنَةٌ ذهَبٌ، ولَبِنَةٌ فِضَّةٌ، و ملاطُها المسْكُ، وحَصْباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوتُ، وتُرابُها الزعْفَران، مَنْ يدخُلُها يَنْعَمُ ولا يَبْأَسُ، وُيخلَّدُ؛ لا يموتُ، لا تبْلى ثِيابُه، ولا يَفْنى شَبابُه" رواه أحمد وحسنه الألباني وأخبر عن خيامها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول:"إنَّ في الجنَّة خَيْمةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مجوَّفَةِ، عَرْضُها ستّونَ ميلاً، في كلِّ زاويةٍ منْها أهلٌ ما يرونَ الآخَرين، يَطوفُ عليهم المؤْمِنُ، وجنَّتانِ مِنْ فِضَّةٍ آنيتُهما وما فيهِما، وجنَّتانِ مِنْ ذَهبٍ آنِيَتُها وما فيهِما) رواه البخاري ومسلم
ثالثاً: تبشير الصائمين بالجنة وبيان أن رمضان من أعظم فرص دخولها والفوز بها ففيه تفتح أبوابها، بل إن الله خص الصائمين باب من أبواب الجنة يسمى الريان فعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " رواه البخاري ([6])
ربعاً: الاستكثار من الأعمال التي توصلهم إلى دخول الجنة والفوز بنعيمها والمسارعة والمسابقة إلى ذلك قال تعالى:{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}([7])
خامسا: أن يلهج العبد بالدعاء أن يدخله الجنة ويجعله من أهلها وخاصة في هذه الأيام التي فتح الله فيها ابواب الجنة لتتعلق النفوس بها وترغب فيها وتطمع في فضل ربها ورحمته، اللهم أدخلنا الجنة اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نسألك الفردوس العلى من الجنة يا حي يا قيوم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن حمد عبده ورسوله أما بعد:
عباد الله ومن دلالات قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»
سادساً: في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ» الطمع في العتق من النار ورمضان شهر العتق فقد قال صلى الله عليه وسلم "إن لله عُتَقَاءَ في كل يومٍ وليلة، لكل عبدٍ منهم دعوةٌ مُسْتجابةٌ"([8]) ولذا كان من دعاء المتقين: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (}([9]) ودعاء أولي الألباب: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}([10])
سابعاً: في إغلاق أبواب جهنم حثٌ للمسلم بأن يسعى جاهداً للفوز بالعتق من النار، فيسارع إلى الخيرات ويلهج في الدعاء ويلح على الله في هذا الشهر أن يكتبه من العتقاء ويتحرى ساعات الإجابة وأحرى تلك الساعات عند الفطر فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ»([11]) وكذلك في الثلث الأخير من الليل وقت النزول الإلهي.
ثامناً: في التذكير بإغلاق أبواب جهنم في كل ليلة من رمضان، تذكير للمسلم بأن يخاف من عذاب جهنم وأن يعظ نفسه بما ورد في وصوفها في القرآن وصحيح السنة من صنوف العذاب لردعها عن الوقوع في معصية الله ولتستقيم له على طاعته الله عز وجل لذا ذكر الله عباده بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}([12]) وقال تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }([13])وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا» رواه مسلم ([14]) وعنه رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا» رواه مسلم ([15]) و عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا»رواه مسلم([16]) أعاذنا الله وإياكم من عذابها ،من الكتب المؤلفة في ذلك، التخويف من النار لابن الجوزي رحمه الله، والجنة والنار للأشقر رحمه الله.
تاسعاً: الحذر كل الحذر من الذنوب والمعاصي فهي أس البلاء والسبب الذي يورد العبد النار قال تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}([17])
اللهم وفقنا لصيام رمضان إيمان واحتساباً واكتبنا فيه من العتقاء من النار واجعلنا بمنك وكرمك من أهل جنتك وكرامتك واجعلنا من المسارعين للخيرات يا حي يا قيوم.
([1]) [آل عمران : 102].
([2]) رواه البخاري (3277)
([3]) [الحديد: 9]
([4]) [فاطر: 33 - 35]
([5]) [الرعد: 23، 24]
([6]) رواه البخاري (1896)
([7]) [الحديد: 21]
([8]) مسند أحمد ت شاكر (7450) صححه الألباني وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين
([9]) [آل عمران: 16].
([10]) [آل عمران: 191]
([11]) رواه ابن ماجة ( 1643 ) وقال الألباني: حسن صحيح.
([12]) [التحريم: 6]
([13]) [إبراهيم: 15 - 17]
([14]) رواه مسلم (2844)
([15]) رواه مسلم (2843)
([16]) رواه مسلم ( 2842 )
([17]) [البقرة: 81]
المرفقات
1710454108_بين فتح أبواب وغلق أخرى.docx
1710454108_بين فتح أبواب وغلق أخرى.pdf