بين علي وفاطمة

د عبدالعزيز التويجري
1443/06/24 - 2022/01/27 17:26PM
الخطبة الأولى : بين علي وفاطمة .             25/6/1443هـ
الحَمْدُ للهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، نَشْكُرُ ربنا على ما من علينا من الخير والبر والإحسان، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ هَدَانَا لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَنَا القُرْآنَ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين .أَمَّا بَعْدُ:
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا انكم ملا قوه واعملوا صالحا
قصة غريبة فريدة ..  قليلة في مبناها ، عظيمة في معناها .. يرويها سهل بن سعد رضي الله عنه، كما في البخاري ومسلم، قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت، فقال: «أين ابن عمك؟» قالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني، فخرج، فلم يقل عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: «انظر أين هو؟» فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه، ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب» .
أرأيتم إلى هذا الحدثِ القصيرِ، والموقفِ اليسيرِ .. لا يتجاوزُ مضمونَه أربعةِ أسطرٍ، لكنَّ محاورَه تُقامُ بها درواتٌ واستشاراتٌ .. بفهمهِ يُنهي في المحاكمِ جلساتِ ، وببيانهِ يُخرس السنةً فرقت بيوتاتٌ ، وبتعقلهِ يلتمُ شملُ أسرٍ لعبت بها المغرياتُ .
 المشهدُ والقصةُ تمت بلحظات، لكنها قاعدةٌ لسنوات، وعلاجٌ لكثيرٍ من المشكلات .
وإليكم القصةُ ببيانِ تفاصيلها .. بيتًا زوجيةً حديثةُ عهدٍ بزواج ، يُيممُ والدُ الزوجةِ نحو بيتِ ابنتهِ يتحسس أخبارَهم، ويطمئنُ على حياتِهم، ويتفقدُ أحوالهَم، فيطرقُ بيتَهم ، فتخرجُ له ابنتهُ وريحانتهُ وجمّارةُ قلبهِ، فيسلمُ عليها، وقبلَ أن يدخل يسال عن زوجِها وعن أحوالِه، فتفاجئُه ابنتهُ بأنهُ قد جرى بينهما خلافُ في أمرٍ وصل إلى حد الغضبِ بينهما، وعند شدةِ الخلافِ وتفاقمِ المشكلةِ، خرج الزوج من البيت غاضبا ولم تعلم أين ذهب .
فماذا صنع والدُها، وماهي درجاتُ الحنقِ التي انصبت عليه؟  وإن تعجبوا فاعجبوا من عرض البنت للمشكلة لأبيها .
لم تخبره ماذا حدث بينهم، وماذا حصل.. فلم تزد على أن قالت ( كان بيني وبينه شيءٌ فغاضبني فخرج )
 ياترى ما هو هذا الشئ؟ الفرصةُ مواتيةُ لبوحِ كلِ شيءٍ، وفتحِ ملفاتٍ سابقةٍ، وشحناتٍ على الزوجٍ ماضيةٍ ، لكنّ الزوجةُ التي ملأت البيتَ عقلاً ورجاحةً وفطنةً ، لم تكن لتفشي سرَ زوجِها، أو تخلخلَ جدرانَ العلاقةِ مع من أسكنها من مالهِ، وغذاها من طعامهِ، وأشركها حياتهُ .. وفاءً لمعروفهِ ولو غاضبها، بقاءً في عصمتهِ ولو خالفها .. لم تكن البضعةُ المحمديةُ لترفسَ النعمةَ التي بين يديها وهي التي تخرجت من أعظمِ جامعةِ في الدنيا، وحصلت على اعظمِ وسامِ تفوقٍ في الحياةِ الاسريةِ، وتربت في كنفِ أعظمِ بيتٍ ، لم تذكر الخلافَ والمشكلةَ لأبيها ولم تستغل الحدث لتأليبه على زوجها ، لأنه لم يكن مصدرُ ثقافتِها، ومن يُحكم حياتَها الاسريةِ، ومسيرتهَا الشخصيةِ ، مجاهيلَ لما خسروا حياتَهم ولم يكن لهم رقمٌ في عالم الإنجازِ عندها أخذوا معولَ الشهرةِ ليحطموا من خلالِها جُدُرِ البيوتِ، واستخدموا عاطفةَ النساءِ بسلبِ عقولِهنّ عن بيوتهنّ، والابتعادِ عن ازواجهنّ واوليائهنّ، بعرضِ متاعِ الحياةِ والخضرةِ والنزهة، وتأليبهنّ على من يرعاهنّ ويحفظُ كرامتهنّ. فأصبحوا شركاءَ في سرايا أبليس لتفريقِ الاسرِ وهدمِ جدرانِ الالفة.
ما كانت لتفعل ذلك وهي الدرة المصونة .
هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟       من ذا يداني في الفخار أباها
في روض فاطمة نما غصنان لم                   ينجبهما في النيرات سواها
هي أسوة للأمهات وقدوة                     يترسم القمر المنير خطاها
جعلت من الصبر الجميل غذائها         ورأت رضا الزوج الكريم رضاها
وبعد ذلك ينطلق والدها يبحث عن من اغضب ابنته ، فيجده نائما في المسجد فيا ترى ؟ هل ركله بقدمه وعنفه ؟ ، قال سهل بن سعد فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليٌ مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه التراب، ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب» ، بكل رحمة وادب يجلس بجانبه ويزيل الغبار والتراب عن ظهر ، وكأن شيئا لم يحدث، واغلقت ستار المشكلة ، وانتهت حلقاتهُا فالبنت لم تخبر احدا ، والاب لم يسال ولم يعنف ، والزوج قام راضيا
ووالله وبالله إن هذا الحديث، وهذه القصة لو قرأت في البيوت، وتربت عليها الأسر ، لما اشتكت المحاكم من كثرة الخلاف والنزاع والشقاق على دنيا ديه، وحضوض نفسيه ، ولدحر الشيطان ، وانخنس دعاة الشهرة على عواتق العواطف.
في أحاديث السيرة تربية ، وفي مواقف الرعيل مدرسة، حين تفر الزوجه لأن زوجها أعف بالحلال نفسه وأخذ بكلام ربه ( فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)
العظيمات في بيوت القامات تختصر دورات واستشارات ، حين يضيع أفراد الاسرة من أجل لهث خلف كوب ودعاية ونزهه ..  حق لكل بيت أن تفتح صفحة من تلك البيوت الراقية تتثقف بتعاملها وأدبها ، وتتربى على وفائها وحسن عشرتها ، لا من يصنعون خناجر في الصدور باسم الحرية والعيشة المسقبلية ، الاعراض والحرمات ليست سلعا يتاجر بها ، الأعراض ليست دعايات للترويج من خلالها
ومن لا يذد عن حوضه بسنانه     يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
 أعاذنا الله من كل شر حاسد إذا حسد ومن كل مبطل ومفسد.
أستغفر الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية : الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتننا وعلى الله وسلم على عبده ورسوله وأله وأصحابه اما بعد .
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا .
يا ايها الناس اتقوا الله في بيوتكم وأوزوكم وازواجكم.. واقنعوا بما آتاكم الله.. "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى(*)وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى"
هذه هي هي الوصية الربانية التي معها طمئنينةُ في الدنيا وفلاح في الآخرة.
 واعلموا انه لا يدوم للإنسان إلا ذريته الطيبة ، فهي الذخر في الآجل ..
 ربوا أنفسكم وأزواجكم وأبنائكم على أن ما في أيدي الناس ذل، وأن اتباع كل ناعق مذلة وخسران، وان القناعة والكفاف عز ..
يقولون لي فيك انقباضُ وإنمــــــا           رأوا رجلا في موقف الذل أحجما
أرى الناسَ من دانهم هان عندهم         ومن أكرمته عزةُ النفس أُكرما
أُنزهها عن بعض ما لا يشيُنهــــا            مخافة أقوالِ العِدا فيم ؟ أو لمِا
وما كلُ برقِ لاح لي يستفزُني             ولا كلُ من لاقيتُ أرضاهٌ مُنعِما
وإني لما فاتني الأمــــــــر لم أبت              أُقلـــــــب كفي إثرهُ  متندِمــــا
وكم نعمةِ كانت على الحرِ نقمةُ           وكم مغنمِ يعتده الحرُ مغرما
وإني لراضِ عن فتى متعففِ            يروح ويغدوا وليس يملكُ درهما
اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا واصرف عنا وعن المسلمين كل سوء وفتنة
المرفقات

1643304374_بين علي وفاطمة.docx

1643304378_بين علي وفاطمة.pdf

المشاهدات 1079 | التعليقات 0