بين الوفاء والغدر .. حادثة اليمن
حامد الشثري
عنوان الخطبة : بين الوفاء والأمانة والغدر والخيانة .. وحادثة اليمن 13/05/1446هـ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللَّهِ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
الْوِفَاءُ وَالْأَمَانَةُ.. وَالْغَدْرُ وَالْخِيَانَةُ
ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ أَتَى الْإِسْلَامُ مُتَمِّمًا لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، نَاهِيًا عَنْ سَفَاسِفِهَا.
وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ، وَحِفْظُ الْمَوَاثِيقِ، فَهَذَا عَبْدُاللَّه بْنُ جدْعَانَ كَانَ النَّاسُ يَأْتَمِنُونَهُ عَلَى أَسْلِحَتِهِمْ عِنْدَمَا يقْدِمُونَ إِلَى الْحَجِّ، وَفِي حَرْبِ الْفِجَارِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَهَوَازِنَ قَدِمَ حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ إِلَى عَبْدِالِلَّهِ بْنِ جدْعَانَ وَقَالَ لَهُ: احْتَبِسَ سِلَاحَ هَوَازِنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللَّهُ أَ بِالْغَدْرِ تَأْمُرُنِي يَا حَرْبُ ؟! وَاَللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُبْقِي مِنْهَا سَيْفٌ، إِلَّا ضُرِبَتْ بِهِ، وَلَا رُمْحٌ إِلَّا طُعِنَتْ بِهِ مَا أَمْسَكْتَ مِنْهَا شَيْئًا.
ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَأَقَرَّ هَذِهِ الْمَبَادِئَ، فَفِي قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ مَعَ هِرَقْلَ، أنَّ هِرَقْلَ قَالَ له: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ: أنَّه أمَرَكُمْ بالصَّلَاةِ، والصِّدْقِ، والعَفَافِ، والوَفَاءِ بالعَهْدِ، وأَدَاءِ الأمَانَةِ، قَالَ: وهذِه صِفَةُ نَبِيٍّ)، وَأَثْنَى اللَّهُ عَلَى خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي اتَّصَفَ بِالْوَفَاءِ فَقَالَ (وإبرَاهِيمَ الَذِي وفَّى) وَاثْنَى عَلَى ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ بِقَوْلِهِ (واذكُر فِي الكِتَابِ إسمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعدِ وكَانَ رَسُولاً نَّبِياً) وَفِي فَتْحِ مَكَّةَ وَانْتِصَارِ الْإِسْلَامِ وَعُلُوِّ شَأْنِ الْمُسْلِمِينَ يَأْخُذُ النَّبِيُّ صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ وَيَدْخُلُهَا، وَبَعْدَ أَنْ خَرَجَ صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ("أَيْنَ عُثْمَانُ ؟" فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ: "هَاكَ مِفْتَاحَكَ يَا عُثْمَانُ، الْيَوْمَ يَوْمُ بِرٍّ وَوَفَاءٍ").
وَبَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ عِنْدَمَا جَاءَ أَبُو بَصِيرٍ هَارِبًا مِنْ مَكَّةَ، وَجَاءَ رَجُلَانِ مِنْ قَوْمِهِ يَطْلُبَانِ رَدَّهُ حَسَبَ الشُّرُوطِ، فَأَبَى النَّبِيُّ إِلَّا أَنْ يُنَفِّذَ شُرُوطَ الصُّلْحِ، وَلَمَّا تَأَلَّمَ أَبُو بَصِيرٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَرْجِعَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَيَفْتَنَ عَنْ دِينِهِ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْتَ مِنْ الْعَهْدِ، وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَمَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرْجًا وَمَخْرَجًا)
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَا شَيْءَ فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَقْبَحُ مِنَ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةُ فهما صِفَتَانِ ذَمِيمَتَانِ خَسِيسَتَانِ، لَا يَتَّصِفُ بِهِمَا إِلَّا أَحْقَرُ النَّاسِ وَأَضْعَفُهُمْ وَأَذَلُّهُمْ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ مُوَاجَهَةِ خُصُومِهِ غَدَرَ بِهِمْ فِي الْخَفَاءِ، وَطَعَنَهُمْ مِنَ الْخَلْفِ، وَخَانَهُمْ وَهُمْ يَأْمَنُونَهُ، كَمَا هُوَ فِعْلُ الْمُنَافِقِينَ عَبْرَ الْأَزْمَانِ، وَلِذَا حَذَّرَ الْقُرْآنُ مِنَ منهم وَمِنَ الِاتِّصَافِ بِصِفَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ غَدْرٍ وَخِيَانَةٍ فقال تعالى (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وفي الحديث الصحيح أن النبي صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ("آية المنافق ثلاث إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ" وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: "وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ").
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَلِخْسَّةِ الْغَدْرِ وَشَنَاعَتِهِ، لَمْ يُرَخِّصْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فِي حَالِ الْحَرْبِ وَمِنْ وَصَايَاهُ فِي ذَلِكَ: "اغْزُوَا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
بَلْ نَهَى عَنْ خِيَانَةِ مَنْ خَانَكَ، وَأَنَّ هَذِهِ الصِّفَة لَا يَدْخُلُ فِيهَا الْمُعَامَلَةُ بِالْمِثْلِ فَقَالَ صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ("أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ")
وَأَهْلُ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ مَفْضُوحُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ" رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: الْغَدْرُ وَالْخِيَانَةُ صِفَةُ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ، وَلِذَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ شَرَّ الدَّوَابِّ فَقَالَ سُبْحَانَهُ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ)
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
وَقَدْ دَلَّ التَّارِيخُ الْقَدِيمُ وَالْمُعَاصِرُ عَلَى كَثْرَةِ خِيَانَةِ الْكُفَّارِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَكَثِيرًا مَا يُعَاهِدُونَهُمْ ثُمَّ يَغْدِرُونَ بِهِمْ، وَيُؤَمِّنُونَهُمْ ثُمَّ يَخُونُونَهُمْ، وَجَمِيعُ طَوَائِفِ الْيَهُودِ فِي الْمَدِينَةِ خَانَتِ النَّبِيَّ صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَفِ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِعَهْدِهَا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَانَتْ عَاقِبَةُ خِيَانَتِهِمُ الْقَتْلَ وَالْجَلَاءَ عَنِ الْمَدِينَةِ؛ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- لَهُمْ عَلَى غَدْرِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ.
وَكُفَّارُ مَكَّةَ لَمَّا عَقَدُوا الصُّلْحَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَمْكُثُوا عَلَى عَهْدِهِمْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَقَضُوهُ، فَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ مُكَافَأَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى وَفَائِهِمْ، وَعُقُوبَةً لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى غَدْرِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ.
وَفِي الْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ احْتَمَى أُلُوفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَأَغْلَقُوا الْأَبْوَابَ عَلَيْهِمْ، فَأَمَّنَهُمُ الصَّلِيبِيُّونَ، فَلَمَّا فَتَحُوا لَهُمُ الْأَبْوَابَ غَدَرُوا بِهِمْ، فَأَبَادُوهُمْ رِجَالًا وَنِسَاءً وَأَطْفَالًا.
وَأَطْوَلُ قَضِيَّةٍ سِيَاسِيَّةٍ مُعَاصِرَةٍ هِيَ قَضِيَّةُ فِلَسْطِينَ الَّتِي نَكَثَ فِيهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالْعُهُودِ، وَغَدَرُوا بِمَنْ وَثِقُوا بِهِمْ كَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ، وَلَا زَالُوا يَغْدِرُونَ وَيَخُونُونَ.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَنَا وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الْخَوَنَةِ الْغَدَّارِينَ، وَأَنْ يَهْتِكَ سِتْرَهُمْ، وَيُظْهِرَ أَمْرَهُمْ، وَيَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَنَفَعَنِي وَايَّاكُمْ بِمَا فِيهِمَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْأُمَّةِ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى احْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَى اللَّهِ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.. أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: حِينَ تَنْحَرِفُ بَعْضُ النُّفُوسِ عَنْ هُدَى مَوْلَاهَا، وَتَعْمَى عَنِ الْحَقِّ بَصَائِرُهَا، يَسْتَمِيتُ أَصْحَابُهَا فِي نَشْرِ بَاطِلِهِمْ، وَيَرْكَبُونَ كُلَّ سَبِيلٍ لِتَحْقِيقِ أَهْدَافِهِمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ كُلَّ مُحَرَّمٍ فِي الْوُصُولِ إِلَى غَايَاتِهِمْ، وَتَكُونُ الْمُحَرَّمَاتُ الَّتِي دَلَّ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ وَالْفِطْرَةُ السَّوِيَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَاجِبَاتٍ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُنْحَرِفِينَ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْغَدْرَ وَالْكَذِبَ وَالْخِيَانَةَ وَنَقْضَ الْعَهْدِ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُنَافِقُونَ؛ لِأَنَّ نُفُوسَهُمُ الْمَرِيضَةَ جَعَلَتْهُمْ يَعِيشُونَ بِشَخْصِيَّتَيْنِ مُزْدَوِجَتَيْنِ، فَهُمْ فِي حَالِ ضَعْفِهِمْ يُخْفُونَ نِفَاقَهُمْ، فَإِذَا اسْتَقْوَوْا بِالْكُفَّارِ أَظْهَرُوهُ وَغَدَرُوا بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَالْأُمَّةُ الْبَاطِنِيَّةُ هِيَ أَكْثَرُ الْأُمَمِ غَدْرًا بِالْمُسْلِمِينَ، وَخِيَانَةً لَهُمْ، حَتَّى أُسْقِطَتْ دُوَلٌ بِخِيَانَتِهِمْ، وَقُوِّضَتْ عُرُوشٌ بِغَدْرِهِمْ، كَمَا سَقَطَتْ دَوْلَةُ الْعَبَّاسِيِّينَ بِخِيَانَةِ الرَّافِضِيِّ الْبَاطِنِيِّ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ.
وَفِي الدَّوْلَةِ الصَّفْوِيَّةِ قَامَ عَبَّاسٌ الصَّفْوِيُّ بِمُكَاتَبَةِ قَائِدِ الصَّلِيبِيِّينَ الْبُرْتُغَالِ يُحَالِفُهُ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ، وَوَعَدَهُ بِأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ فِلَسْطِينَ إِذَا قَبِلَ حِلْفَهُ.
وَفِي الْيَمَنِ غَدَرَ الْحُوثِيُّونَ الْبَاطِنِيُّونَ بِالشَّعْبِ الْيَمَنِيِّ وَانْقَلَبُوا عَلَى حُكُومَتِهِ، وَارْتَكَبُوا الْمَجَازِرَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِذَا أَحَسُّوا بِالضَّعْفِ وَالْهَزِيمَةِ عَاهَدُوا فَتَمْتَدُّ إِلَيْهِمُ الْحِبَالُ الْخَارِجِيَّةُ فَيَنْقُضُونَ عُهُودَهُمْ، وَيَخُونُونَ أَمَانَاتِهِمْ، وَيَسْتَمِرُّونَ فِي انْتِهَاكَاتِهِمْ، فَهُمْ لَا يُعَاهِدُونَ إِلَّا لِيَسْتَقْوُوا ثُمَّ يَنْقُضُونَ مَا عَاهَدُوا.
وَفِي السُّودَانِ غَدَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِأَهْلِهِ وَخَرَجُوا عَلَيْهِمْ يُصَالِحُونَ وَيُعَاهِدُونَ وَيَنْقِضُونَ عُهُودَهُمْ وَيَخُونُونَ، وَيَرْتَكِبُونَ الْمَجَازِرَ الْبَشِعَةَ بِأَهْلِ السُّودَانِ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُسَالِمٍ وَغَيْرِ مُسَالِمٍ، وَلَا بَيْنَ قَادِرٍ وَعَاجِزٍ؛ فَالْكُلُّ عِنْدَهُمْ مُسْتَبَاحُ الدَّمِ، وَلِذَا قَتَلَ الْمُجْرِمُون شِيبًا وَنِسَاءً وَأَطْفَالًا، اِهَانُوا ذَا الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَانْتَهَكُوا أَعْرَاضَ النِّسَاءِ وَقَتَلُوا الْأَجِنَّةَ فِي الْبُطُونِ وَأَجْهَزُوا عَلَى الْجَرْحَى، قَتَلُوا عَشَرَاتِ الْآلَافِ، وَشَرَدُوا مِئَاتِهَا، حَتَّى قَتَلُوا قُرًى بِأَكْمَلِهَا، فِي تَعْتِيمٍ إِعْلَامِيٍّ شَدِيدٍ.
وَمِنْ صُوَرِ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ، مَا كَانَ فِي الْأُسْبُوعِ الْمَاضِي مِنْ غَدْرِ أَحَدِهِمْ بِرِجَالِ جَيْشِنَا أَثْنَاءَ تَمْرِينِهِمْ الصَّبَاحِيِّ فِي أَرْضِ الْيَمَنِ وَهُمْ فِي مَأْمَنٍ مِنْهُ، فَقَامَ بِقَتْلِ وَاصَابَةِ عَدَدٍ مِنْهُمْ فِي خِسَّةٍ وَدَنَاءَةٍ وَحَقَارَةٍ.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَ الْقَتْلَى وَأَنْ يَتَقَبَّلَهُمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُمْ، وَأَنْ يَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِ ذَوِيهِمْ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ، كَمَا نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَ الْجَرْحَى، وَأَنْ يَحْفَظَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
وَالْمُؤْمِنُ لَا يَخْسَرُ أَبَدًا؛ فَإِنْ عَاشَ عَاشَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ يَبْنِي بِهِ آخِرَتَهُ، وَإِنْ قَضَى فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى فَجَزَاهُ بِإِيمَانِهِ وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ، وَارْتَاحَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَكْدَارِهَا، وَلَنْ يَجِدَ الْأَعْدَاءُ بِحَرْبِهِمْ لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مَا يَسُوؤُهُمْ مِنْ ظُهُورِهِ وَانْتِشَارِهِ، وَعُلُوِّ حَمَلَتِهِ وَانْتِصَارِهِمْ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداه، محمد بن عبدالله كما أمركم الله بذلك في محكم التنزيل فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
المرفقات
1731646693_خطبة بين الوفاء والأمانة والغدر والخيانة .. حادثة اليمن 13 - 05 - 1446هـ.docx
1731646720_خطبة بين الوفاء والأمانة والغدر والخيانة .. حادثة اليمن 13 - 05 - 1446هـ.pdf
1731646733_خطبة بين الوفاء والأمانة والغدر والخيانة .. حادثة اليمن 13 - 05 - 1446هـ نسخة الجوال.pdf