بين النفس والعقل ( 1 )

                                 بين النفس والعقل ( 1 )    

                                      9 / 4 / 1441هـ

  

الحمد لله العزيزِ الغفّار ، الرحيمِ الجبار ، القديرِ القّهار وأشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ لا غنى إلا بالافتقار لرحمته ، ولا عز إلا بالتذلل لعظمته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أمينه على وحيه ، وسفيره بينه وبين عباده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..

أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله  فأيام حياتنا أوقات بذر وزرع ، حصاد نتاجه يوم لقاء الله  {  تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل عمران30

عباد الرحمن : لو أن عظيما من عظماء الناس جاء فأقسم ثلاثا فإن الناس ستشرئب أعناقهم لمعرفة كلامه وسوف يعتني به أكثر من يخصه الكلام ! وأنا أطرح بين يديك - عبد الله - تساؤلا : ما أطول قسم لرب العزة سبحانه في القرآن ؟! وعن ماذا كان ؟!  أحد عشر قَسَما متتابعا كان جوابها  : {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا .وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }الشمس9 ، 10 وكانت النفس ضمن ما أقسم الله به !

معشر الكرام : خلق الله في الإنسان عقلا ونفسا ، خلق الله العقل ليدُل ويهدي ويتفكر ويُري صاحبه الطريق   وأما النفس فخلقت لتشتهي وتهوى ؛ فتحب وتكره ، وتفرح وتحزن ، وترضى وتغضب ، والعقل يريها الصحيح من الخطأ ويميز لها الخير من الشر والنافع من الضار من طبائِعها وشهواتها وأعراضها .

 عباد الله : نفوس الناس تختلف في نوع ما تشتهي ومقداره ، لكنها تشترك في النهم وطلب المزيد كحب المال مثلا ولذا خلقت العقول وأنزلت الشرائع حتى تضبطها ، فالشرائع الربانية فيها ضبط عام يستوي فيه الجميع .

والعقل يدله الوحي وينيره ؛ كالعين فإنها وإن كانت سليمة لا تبصر الأشياء في الظلماء مع وجودها ، ولكن إذا أضيء المكان أبصرت الأشياء فالعقل يضل في عبادته بدون الوحي قال الحق سبحانه {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام122 {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الشورى52.

عباد الرحمن : ولم يذم الله العقل لذاته ولكن جاء ذم النفس ! فإذا ذُكر العقل ذم عدم استعماله في التفكير {  لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا  }الأعراف179  { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة44 {  انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }الأنعام65 {  لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ }يوسف46 { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }الأنعام50 ، وأما النفس فيتوجه إليها الذم لأنها تؤمر العقل بالخطأ والسوء !  {  إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ  }يوسف53 فدخل الاستثناء عليها ؛ لأن الأصل فيها الأمر بالسوء ؛ ولأجل هذا جاء التحذير من النفس كثيرا ولم يأتِ التحذير من العقل ولو مرة !

ولم يستعذ النبي صلى الله عليه وسلم من عقله ولكن جاءت الاستعاذة من شر النفس ففي خطبة الحاجة يقول" ونعوذ بالله من شرور أنفسنا " وقال " أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان " ( رواه أحمد  وأبو داوود والترمذي والنسائي )

والنفس قد تُعطَى الخير فترفضه وقد تزين الشر ولذا شرعت الاستعاذة من شرها {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }المائدة30  وقال السامري {  وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }طه96 { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً   }يوسف18 وقال تعالى عن اليهود {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة75 فالمشكلة في نفوسهم الحاسدة المتكبرة ! تأمل الآية { يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وجاء في آية أخرى أن الحسد سبب كفرهم  {بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ  }البقرة90

وكذلك نفوس المشركين مبتلاة بالهوى ؛ فهم ينكرون نبوة البشر ويعبدون ربا من حجر !! قال سبحانه مخبرا  عن حقيقة إنكار فرعون وقومه للآيات { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً   }النمل  14

بارك الله لي ولكم ...

الحمد لله دلت على ربوبية جميع مخلوقاته ، وعجائب مصنوعاته ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد :

فإن اختلاف النفوس سنة إلهية للكون ، يحصل به توازن وتدافع ويتعامل الناس فيما بينهم  " ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع " .

عباد الرحمن : ومن لطف الله بعباده أن جاءت التكاليف الشرعية منسجمة مع طبائع النفوس فالمرأة البكر المطبوعة على الحياء " إذنها صماتها " لأن شجاعتها في الرفض قوية أما في الموافقة فلا !

ولذا جاء اشتراط الولي عند النكاح ليكون في مقابل الزوج عند التفاوض على الزواج رجل يحفظ لها حقها ، ولذا لا يشترط لها ولي عند رفض الزواج من رجل لا ترغبه !

والمحرم يَكْسِر حدّة ضعف النفس في الخلوة !

وأيضا لم يكن مناسبا وضع المرأة في مواضع الشدة والنزاع والخصومات ؛ ليس لأجل ضعف عقلي ؛ وإنما لأجل الطبع النفسي المؤثر فلو أنيط بها إقامة الحدود وتنفيذ العقوبات لتعطل ذلك ، وسبب ذلك عدم مناسبة تلك التكاليف لطبعائها فسبحان الله وبحمده {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14

عباد الرحمن : وصراع النفس مع العقل يظهر عند شهواتها ، فإنها إذا تمكنت في النفس تعاملت النفس مع العقل بمقدار ما لديه من علم وخبرة وإيمان وتسعى للتحايل عليه حتى تحقق مرادها ، ومداخلها حال قوة الإيمان غير مداخلها حال ضعف الإيمان ! وإذا عجزت عن تحقيق رغباتها بالخطأ الصريح مزجت الخطأ بشيء من الصحة !

وللحديث عن النفس بقية إن شاء الله في خطبة أخرى .ثم صلوا وسلموا ..

*ملحوظة : مجمل هذه الخطبة من كتاب : الفصل بين النفس والعقل . للشيخ عبد العزيز الطريفي

المرفقات

النفس-والعقل-1

النفس-والعقل-1

المشاهدات 1186 | التعليقات 2

بين النفس والعقل ( 2 ) https://khutabaa.com/forums/%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9/355057#.XjGRF7hDSpQ


بين النفس والعقل ( 3 ) " تزكية النفس " https://khutabaa.com/forums/%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9/355277#.XjXRfbhDSpQ