بين التاج والحلة

شايع بن محمد الغبيشي
1445/11/22 - 2024/05/30 01:29AM

بين التاج والحلة

إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ : فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

عباد الله حديثنا اليوم عن مشهدٍ عظيم للتكريم، يلبس فيه المُكرم التاج والحلة في مشهد مهيب لم تشهد الخلائق مثله، فمن المُكرم؟ ومن الذي يتولى التكريم؟ ومن الذي يعلن هذا التكريم بين جموع الخلائق دعونا نستمع إلى هذه الأحداث، عن أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: " اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ نِعْمَ الشَّفِيعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِنَّهُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا رَبِّ، حَلِّهِ حِلْيَةَ الْكَرَامَةِ، فَيُحَلَّى حِلْيَةَ الْكَرَامَةِ، يَا رَبِّ، اكْسُهُ كِسْوَةَ الْكَرَامَةِ فَيُكْسَى كِسْوَةَ الْكَرَامَةِ، يَا رَبِّ، أَلْبِسْهُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَلَيْسَ بَعْدَ رِضَاكَ شَيْءٌ " رواه الدارمي بسند حسن

وعنه رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: ‌يَا ‌رَبِّ، ‌حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ»، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً" رواه الترمذي وصححه الألباني، ألا ما أعظمه من تكريم! أما المُكرم فهو حافظ القرآن، وأما من يتولى التكريم فهم الملائكة وأما من يعلن التكريم فهو القرآن، وهناك في عرصات القيامة مشهد آخر لتكريم حافظ القرآن إذ يكرم الله والِداه فتأتي ملائكة الله لتلبسهما التاج والحلل فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به؛ أُلبس والداه يوم القيامة تاجا من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتان لا تقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن" رواه الحاكم وحسنه الألباني

الله أكبر ما أعظم منزلة حافظ القرآن وما أعظم فوز والداه حين يبرزون يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ليقام لهما هذا التكريم يا فوز من حفظ القرآن ويا فوز من كان له ولدة أو بنت حفظا القرآن ويا فوز من يعلم القرآن ويربي عليه ويا فوز من دعم القرآن وشجع على حفظه.

طوبى لحافظ القرآن حين يرقى في أعالي الجنان عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها " رواه أبو داود وصححه الألباني .

يترقي صاحب القرآن في درجات الجنان ويرتقي والده معه، طوبي لحافظ القرآن وطوبى لحافظة القرآن وما أعظم إحسانهما لوالديهما ولكم عباد الله أن تتخيلوا مشهد هذا الاحتفال في عرصات القيامة للحافظ والحافظة ووالديهما اسمع ماذا يقول القرآن: "يَا رَبِّ، حَلِّهِ حِلْيَةَ الْكَرَامَةِ، فَيُحَلَّى حِلْيَةَ الْكَرَامَةِ، يَا رَبِّ، اكْسُهُ كِسْوَةَ الْكَرَامَةِ فَيُكْسَى كِسْوَةَ الْكَرَامَةِ، يَا رَبِّ، أَلْبِسْهُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ" تأمل ماذا يحصل لوالديهما: "أُلبس والداه يوم القيامة تاجا من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتان لا تقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن"

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 أما بعد إخوة الإيمان وممن يفوز ويربح يوم القيامة ويكون من أهل التكريم والرفعة من عَلَّم وحفَّظه ودعم تعليمه وتحفيظه فإن حسنات الحفاظ تملى في صحائفهم قال الإمام السعدي في الحديث عما ينفع العبد بعد الموت: "أو دعا له ولده، سواء أكان من أولاده الحسيين أو من أولاده الروحيين الذين تخرجوا بتعليمه، وهدايته وإرشاده."

إن حفاظ القرآن ومن يقوم على تعليمهم وتحفيظهم ينالون الخيرية في الدنيا والآخرة فعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "‌خَيْرُكُمْ ‌مَنْ ‌تعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" رواه البخاري

تأمل يا من تحفظ القرآن ويا من تُعلم تربي على القرآن ويامن تدعم القرآن كم ستنال من الأجور والحسنات.

إنها التجارة الرابحة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }.

علينا عباد الله أن نشرع في حفظ كتاب الله مهما كان عمر الإنسان وسوف ييسر الله حفظه {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} رجل تقاعد وقد تجاوز عمره الستين عاما وعزم على حفظ القرآن وإذا به في يكمل حفظ كتاب الله وامرأة تجاوزت الستين من عمرها تتم حفظ كتاب الله.

عبد الله ابدأ الخطوة الأولى في طريق الحصول على تاج الكرامة وحلة الكرامة بحفظك لكتاب الله أو بتشجيع أبنائك وبناتك على حفظ كتاب الله وغداً بإذن الله في عرصات القيامة تكون من المكرمين اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرك يا حي يا قيوم.

عباد الله إن بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية منذ نشأتها إلى وقتنا الحاضر وهي تولي كتاب الكريم العناية الكبرى بنشره والتشجيع على حفظه وإقامة الجمعيات التي تسهم في حفظه ورعايته وإنشاء مجمع طباعة القرآن الكريم ليصل القرآن إلى شتى بقاع الأرض وجاءت رؤية المملكة 2030 لتسهم في التوسع في إنشاء جمعيات تحفيظ القرآن الكريم بشكل لم يسبق له ودعم تلك الجمعيات ورعايتها وإقامة المسابقات الدولية والمحلية لحفظ القرآن الكريم فجزى الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده خير الجزاء على ما يذلونه لخدمة كتاب العظيم ووفقهم لما يحب ويرضى.

 

المرفقات

1717021778_بين التاج والحلة م.docx

1717021778_بين التاج والحلة م.pdf

المشاهدات 573 | التعليقات 0