بناء النبي صلى الله عليه وسلم لوعي الأمة وأثره في مواجهة التحديات

الشيخ السيد مراد سلامة
1440/05/17 - 2019/01/23 08:54AM
بناء النبي صلى الله عليه وسلم لوعي الأمة وأثره في مواجهة التحديات        
للشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى

أما بعد:

إخوة الإسلام حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن بناء النبي صلى الله عليه و سلم لوعي الأمة وأثره في مواجهة التحديات} فنحن في زمن كثرة فيه الفتن و التحديات العالمية و المؤمن بحاجة ماسة لبنا الوعي ضد تلك التحديات و النبي –صلى الله عليه وسلم حرص على ذلك البناء سواء أكان بناء عقديا أو فكريا أو سياسيا أو أخلاقيا و حذر أمته من الانزلاق  و الجري وراء تلك التحديات و حثنا على الاعتصام بالكتاب و السنة و أنه لا نجاة للأمة إلا بالأخذ بالنورين كتاب الله و سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم-عن الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ،قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ، فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ، فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»([1])

 فأعيروني القلوب و الأسماع:

أولا: بناء الوعي العقدي ضد التحديات المستقبلية

إخوة الإيمان لقد حرص النبي – صلى الله عليه وسلم-على بناء الوعي العقدي على للأمة الإسلامية في المستقبل وحذرهم أن يقعوا فيما وقعت فيه الأمم السابقة من أهل الكتاب في الانحراف العقدي   

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهَا فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيهِمْ يُحَرِّمُونَ الْحَلَالَ، وَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ» ([2]).

و حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم- من الوقوع في الشرك منها عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى يَعْبُدُوا الأَوْثَانَ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ([3]).

وحذرنا من اتخاذ القبور مساجد كما حدث للامة السابقة عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي مَرضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ

قَالَتْ: وَلَوْلاَ ذلِكَ لأبْرَزُوا قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي أَخْشى أَنْ يُتَّخَذَ مِسْجِدًا([4])

ثانيا: بناء الوعي الفكري ضد التحديات المستقبلية

ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بناء الوعي الفكري ضد الأفكار والجماعات الهدامة فبين للأمة ذلك وحذرهم مما سيكون في المستقبل وهاك أيها المسلم طرف من ذلك

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حِدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِّيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ : يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ . فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ([5]).

روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ ». ([6])

النبوءة التي جاءت بصيغة (سين) الاستقبال ـ قال النبي: «سيكون في أمتي اختلاف وفرقة: قوم يحسنون الكلام ويسيئون العمل، يدعون الى كتاب الله عز وجل وليسوا منه في شيء، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون اليه حتى يرتد على فُوقِه، هم شر الخلق والخليقة».):

فانظروا -يا عباد الله -فمن صفاتهم الثابتة في السنة:

الصفة الأولى صغار السن: أن اغلبهم شباب صغار يندر فيهم الشيوخ والكبار  فقال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ)، قال الحافظ ابن حجر "‏وَالْحَدَثُ: هُوَ الصَّغِيرُ السِّنِّ". ([7])

الصفة الثانية: الطَّيش والسَّفه: فعامة الخوارج ومن يتبنى فكرهم من الشباب الذين تغلب عليهم الخِفَّة والاستعجال والحماس، وقصر النظر والإدراك، مع ضيق الأفق وعدم البصيرة، كما جاء في الحديث المتفق عليه: (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ)، والأحلام: الألباب والعقول، والسَّفه: الخفة والطيش.

قال النووي: "يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّثَبُّتَ وَقُوَّةَ الْبَصِيرَةِ تَكُونُ عِنْدَ كَمَالِ السِّنِّ وَكَثْرَةِ التَّجَارِبِ وَقُوَّةِ الْعَقْلِ"، نقله عنه الحافظ في الفتح.

الصفة الثالثة: الغرور والتَّعالي: فالخوارج يُعرفون بالكبر والتعالي على عباد الله، والإعجاب بأنفسهم وأعمالهم، ولذلك يُكثرون من التفاخر بما قدموه وما فعلوه!!

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ، حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ) رواه أحمد بسند صحيح.

ويدفعهم غرورهم لادعاء العلم، والتطاول على العلماء، ومواجهة الأحداث الجسام، بلا تجربة ولا رَوية, ولا رجوع لأهل الفقه والرأي.

الصفة الرابعة الاجتهاد في العبادة: فهم أهل عبادة من صلاة وصيام وقراءة وذكر وبذلٍ وتضحيةٍ، وهذا مما يدعو للاغترار بهم، ولذا جاء البيان النبوي واضحاً في التنبيه على هذه الصفة فيهم: (لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ) رواه مسلم.

وقال: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ) متفق عليه.

وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون صلاتهم مع صلاتهم، فكيف بغير الصحابة؟!

ولما لقيهم عبد الله بن عباس قال: "فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا ثِفَنُ الْإِبِلِ [أي غليظة]، وَوُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ مِنْ آثَارِ السُّجُودِ" رواه عبد الرزاق في المصنف.

الصفة الخامسة سوء الفهم للقرآن: فهم يكثرون من قراءة القرآن والاستدلال به، لكن دون فقه وعلم، بل يضعون آياته في غير موضعها، ولهذا جاء وصفهم في الأحاديث: (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ)، (يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ)، (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ).

الصفة السادسة التَّكفير واستباحة الدماء: وهذه هي الصفة الفارقة لهم عن غيرهم؛ التكفير بغير حق واستباحة دماء المخالفين لهم، كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ) متفق عليه .

وهذا "مِنْ أَعْظَمِ مَا ذَمَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَوَارِجَ" مجموع الفتاوى.

وسبب قتلهم لأهل الإسلام: تكفيرهم لهم، قال القرطبي في المفهم: "وذلك أنهم لما حكموا بكفر مَن خرجوا عليه من المسلمين، استباحوا دماءهم".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِلُّونَ مِنْ دِمَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَيْسُوا مُرْتَدِّينَ " مجموع الفتاوى.

وقال: "وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا " مجموع الفتاوى.

الصفة السابعة اتخاذهم شعارًا يتميزون به عن سائر الناس: ولهم في كل عصر وزمان شعار يتميزون به ، وقد يكون هذا الشعار في الراية ، أو لون اللباس ، أو هيئته ، أو غير ذلك .

وقد كان شعارهم في زمن علي بن أبي طالب حلقَ شعر رؤوسهم ، كما أخبر عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ). رواه البخاري .

قال شيخ الإسلام : " وَهَذِهِ السِّيمَا سِيمَا أَوَّلِهِمْ كَمَا كَانَ ذُو الثُديَّة ؛ لا أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُمْ".([8])

ثالثا: بناء الوعي السياسي لدى الأمة بأخبارهم بما يحيك لهم الأعداء في المستقبل

إخوة الإسلام لقد حرص النبي –صلى الله عليه وسلم – على بناء الوعي السياسي لدى الأمة وإخبارهم بالأعداء الذين يتربصون بها الدوائر وجاء ذلك في عدة مواطن من السنة المطهرة وهاك بيانها :

من نوع هذه التنبؤات ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحوال الأمة من بعده ومن ذلك: كما في حديث ثوبان - رضي الله عنه - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  يُوشكُ أنْ تَداعَى عليكم الأُمَمُ من كلِّ أُفُقٍ كما تَدَاعى الأَكَلَةُ على قَصْعَتِها , قال قلنا يا رسولَ الله : أَمِنْ قِلَّةٍ بنا يومئذٍ , قال - صلى الله عليه وسلم - : أنتم يومئذٍ كثيرٌ , ولكنْ تكونونَ غُثاءً كغثاء السَّيلِ , تُنْتَزَعُ المهابةُ من قلوب عدوِّكم , ويُجعلُ في قلوبكم الوَهْنُ , قال : قلنا : وما الوهنُ , قال - صلى الله عليه وسلم - : حبُّ الحياةِ , وكراهيةُ الموتِ  ([9]) ..

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الْأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ وَالنَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ ([10])

 يقول الإمام النووي – رحمه الله - وَقَدْ وُجِدُوا فِي زَمَاننَا هَكَذَا ، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( حُمْر الْوُجُوه ) أَيْ بِيض الْوُجُوه مَشُوبَة بِحُمْرَةٍ . وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة ( صِغَار الْأَعْيُن ) وَهَذِهِ كُلّهَا مُعْجِزَات لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَدْ وُجِدَ قِتَال هَؤُلَاءِ التُّرْك بِجَمِيعِ صِفَاتهمْ الَّتِي ذَكَرَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِغَار الْأَعْيُن ، حُمْر الْوُجُوه ، ذُلْف الأنف ، عِرَاض الْوُجُوه ، كَأَنَّ وُجُوههمْ الْمَجَانّ الْمُطْرَقَة ، يَنْتَعِلُونَ الشَّعْر فَوُجِدُوا بِهَذِهِ الصِّفَات كُلّهَا فِي زَمَاننَا ، وَقَاتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مَرَّات ، وَقِتَالهمْ الْآن ، وَنَسْأَل اللَّه الْكَرِيم إِحْسَان الْعَاقِبَة لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرهمْ وَأَمْر غَيْرهمْ ، وَسَائِر أَحْوَالهمْ ، وَإِدَامَة اللُّطْف بِهِمْ ، وَالْحِمَايَة ، وَصَلَّى اللَّه عَلَى رَسُوله الَّذِي لَا يَنْطِق عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى) ([11])

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا حوراً وكرمان من الأعاجم حمر الوجوه فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر " ، وأخرجه الجماعة سوى النسائي

يقول ابن كثير –رحمه الله -  (والمقصود أن الترك قاتلهم الصحابة فهزموهم وغنموهم وسبوا نساءهم وأبناءهم، وظاهر هذا الحديثَ يقتضي أن يكون هذا من أشراط الساعة، فإن كانت أشراط الساعة لا تكون إلا بين يديها قريباً فقد يكون هذا أيضاً واقعاً مرة أخرى عظيمة بين المسلمين وبين الترك حتى يكون آخر ذلك خروج يأجوج ومأجوج كما سيأتي

ذكر أمرهم، وإن كانت أشراط الساعة أعم من أن تكون بين يديها قريباً منها فإنها تكون مما يقع في الحملة ولو تقدم قبلها بدهر طويل، إلا أنه مما وقع بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم ([12])

وهذه شارة نبوية إلى ما سيكون من تجمع الأمم ضد المسلمين استضعافاً لهم وطمعاً فيهم

مع كثرة المسلمين ووفرة عددهم حينئذ

و يخبر النبي صلى الله عليه وسلم – عن تلك الحرب التي  ستكون بين المسلمين والروم وان الخيانة والغدر سيكون من الروم ،قال عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ الهُدْنَةِ، قَالَ: قَالَ جُبَيْرٌ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ذِي مِخْبَرٍ، رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَتَيْنَاهُ فَسَأَلَهُ جُبَيْرٌ عَنِ الهُدْنَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ، فَتُنْصَرُونَ، وَتَغْنَمُونَ، وَتَسْلَمُونَ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ، فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ، وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ " "([13] ) .

عوف بن مالك رضي الله عنه يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك وهو في قبة أدم فقال: " أعدُدْ سِتّاً بَيْنَ يَدَي الساعةِ موتي، ثم فَتْحُ بيتِ المقدس، ثم مُوتَانٌ يأخذكم كقُصاص الغنم، ثم استِفاضةُ المالِ حتى يُعطَى الرجلُ مائَةَ دينار فَيَظَلُ ساخِطاً، ثم فِتنةٌ لا تُبْقِي بَيْتاً من العَربِ إِلاَّ دَخَلَتْه، ثم هُدنةٌ تكون بَيْنكم وبين بني الأصفرِ فيَغْمُون فيأتونكم تحت ثمانين رايةً تحتَ كل رايةٍ اثنا عَشَر ألْفاً "([14])  

إشارة نبوية إلى ما سيكون من فتح المسلمين لبعض الجزر البحرية ولبلاد الروم وبلاد فارس

وهذه إشارة نبوية إلى أن المسلمين سيقاتلون اليهود وينتصرون عليهم حتى أن اليهودي لا يجد له مخبأ يحميه من سيف المسلم

عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ ([15])

عن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ([16])

وينتج عن ذلك البيان النبوي اخذ العدة و يقظة الأمة قال الله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 60، 61]

أقول قولي، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أما بعد:

رابعا: بناء الوعي الأخلاقي للأمة لما ستواجهه في المستقبل

ولقد حرص نبيكم صلى الله عليه وسلم على بناء الوعي الأخلاقي ضد التحديات المستقبلية وتحذيرهم من الانخراط والانسياق وراء تلك السفاهات التي تهدف إلى هدم القيم انسلاخ المسلم من قيمة وأخلاقه عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " . قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ " فَمَنْ ([17])

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم ويثبت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا) رواه البخاري ومسلم، والمقصود بشرب الخمر كما ذكر الشرّاح: كثرة ذلك واشتهاره، بدليل ما جاء في الرواية الأخرى للحديث، وفيه: (ويكثر شرب الخمر) وقد رواها البخاري كذلك.

وعن التحايل في الشرع وتسمية الخمر بغير اسمها، واستحلالها وإنكار تحريمها، ورد حديث عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ من أمتِي الْخمر باسم يسمونها إِيَّاه) ([18])

وأقوى منه الحديث الذي رواه البخاري، وفيه وعيدٌ شديد في حقّ أصحاب هذه المعصية، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِي وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِى سَمِعَ النَّبِىَّ –صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِى الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا. فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة".([19])

يؤكد هذا الحديث على أن مستحلي الزنا وشرب الخمر والمعازف من أمة سيدنا  صلى الله عليه وسلم في عصر يأتي فيه الفقير يسال الإحسان فيقال له "فوت علينا بكرة" يعاقبهم الله ويجعل منهم القردة والخنازير الى يوم القيامة وهذا يعنى استمرار عملية العقاب في كل حين وفى كل عصر

الدعاء ...........................................................

 

[1] - أخرجه : أبو داود ( 4607 ) ، وابن ماجه ( 43 ) ، والترمذي ( 2676 ) .

[2] - أخرجه الطبراني (18/50 ، رقم 90) ، والحاكم (3/631 ، رقم 6325) . وأخرجه أيضًا : البزار (7/186 ، رقم 2755) . قال الهيثمى (1/179) : رجاله رجال الصحيح .

[3] - أخرجه أبو داود في سننه ( 11 / 324 ) والترمذي في سننه ( 6 / 466 ) وقال هذا حديث صحيح .

[4] - أخرجه البخاري في: 23 كتاب الجنائز: 62 باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور

[5] - صحيح البخاري مع الفتح ، ج12 283 ، رقم الحديث : 6930 .

[6] - صحيح مسلم رقم 150 – (1064).

[7] - الفتح (12/287):

[8] - مجموع الفتاوى (28/ 497)

[9] - رواه الإمام أحمد رقم 22397 ج37/82 وغيره , وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 8183 .

[10] - صحيح البخاري - (ج 11 / ص 423)

[11] - شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 295)

[12] - النهاية في الفتن والملاحم - (ج 1 / ص 4)

[13] - إسناده صحيح : أخرجه أحمد (4/91) وأبو داود (4293)

[14] - أخرجه البخاري رقم (3176) في الجهاد ، باب ما يحذر من الغدر .

[15] - أخرجه البخاري (3/1070 ، رقم 2768) ، ومسلم (4/2239 ، رقم 2922) .

[16] - أخرجه عبد الرزاق (20837)، وعنه أحمد (2/149)، والترمذي (2237) وقال:((حديث حسن صحيح)

[17] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري ( 13/300) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، حديث رقم (7320). ورواه مسلم في صحيحه (4/2054) كتاب العلم ، حديث رقم (2669) .

[18] - انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (1/ 136).).

[19] - أخرجه البخاري (5/2123 ، رقم 5268) ، وأبو داود (4/46 ، رقم 4039)

المرفقات

covercommander-4

النبي-صلى-الله-عليه-وسلم-لوعي-الأمة-وأث

النبي-صلى-الله-عليه-وسلم-لوعي-الأمة-وأث

المشاهدات 3935 | التعليقات 0