بمَ تملأُ وقتَك-15-12-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/12/14 - 2024/06/20 05:47AM

بمَ تملأُ وقتَك-15-12-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

هذهِ صورٌ مشرقةٌ من عبادةِ السلفِ الصالحِ-رحمَهم اللهُ-تعالى-:

عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ: رَأَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ وَلَوْ قِيلَ لَهُ: غَدًا الْقِيَامَةُ، مَا كَانَ عِنْدَهُ مَزِيدٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ.

وهَذا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقولُ: إنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيَّ: لَوْ قِيلَ لَهُ: إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَعَّرُ، مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَزِيدَ فِي عَمَلِهِ.

وهُشَيْمٌ يَقولُ: لَوْ قِيلَ: لِمَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ: إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ عَلَى الْبَابِ مَا كَانَ عِنْدَهُ زِيَادَةٌ فِي الْعَمَلِ.

وَيَنقِلُ لنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ صُورَةً أُخرى عَظِيمَةً بَقولِه: مَا أَتَيْنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ فِي سَاعَةٍ يُطَاعُ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ-فِيهَا إِلَّا وَجَدْنَاهُ مُطِيعًا، إِنْ كَانَ فِي سَاعَةِ صَلَاةٍ وَجَدْنَاهُ مُصَلِّيًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَاعَةَ صَلَاةٍ وَجَدْنَاهُ مُتَوَضِّئًا، أَوْ عَائِدًا مَرِيضًا، أَوْ مُشَيِّعًا جنَازَةً، أَوْ قَاعِدًا فِي الْمَسْجِدِ، فَكُنَّا نَرَى أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يَعْصِي اللَّهَ-عَزَّ وَجَلَّ-.

لعلكم تعجبونَ من أمرِ هؤلاءِ العُظماءِ، وكيفَ وصلوا بطاعتِهم إلى السَّماءِ، ولكنَّ الناسَ عندَ اللهِ-سبحانه-مقاماتٌ متفاوتةٌ، منهم صاحبُ المقامِ الرفيعِ، والخيرِ الوَسيع، في أعلى عِلِّيِّينَ، الموَفقُونَ لكلِ خيرٍ، المُبعدُونَ عن كلِ شرٍ، فهم محفوظونَ بحفظِ اللهِ-تعالى-الكَبِيرِ المُتَعَال، من كلِ ما يُبغضُه من الأقوالِ والأفعالِ، اسمعوا كيفَ أنقذَ اللهُ-تعالى-عبدَه يوسفَ-عليه السلامُ-من عبادِه في أحلكِ الظروفِ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ)، كلُّ ذلك لأنه كانَ من عبادِه الأخيارِ الذين لهم مقامٌ عندَ اللهِ عظيمٌ.

إخواني: إن من عبادِ اللهِ-تعالى-من سدَّدَ اللهُ جوارحَهم فلا يستعملونها إلا في طاعتِه، جاءَ في الحديثِ القدسي: "إِنَّ اللهَ-تَعَالَى-قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ"، فهلْ أنتَ من هؤلاءِ الأولياءِ؟

ويظهرُ ذلكَ في مواسمِ الطَّاعاتِ، هل تَكونُ مِمن يُسابقُ إلى الباقياتِ الصَّالحَاتِ؟ أم تَذهبُ الأوقاتُ في غَفلةٍ وسُباتٍ؟ صارحْ نفسَك، ما هو الهمُ الحقيقيُّ الذي تحملُه في هذا اليومِ الجديدِ؟ هل هو همُّ الدُّنيا والشَّهواتِ الزَّائلةِ، أم همُ الآخرةِ وما فيها من اللَّذاتِ الباقيةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ".

يَقولُ ابنُ القيمِ-رحمَه اللهُ تعالى-: "إذا أصبحَ العبدُ وأمسى وليس همُّه إلا اللهُ وحدَه: تحمَّلَ اللهُ-سبحانَه-حوائجَه كلَّها، وحمَلَ عنه كلَّ ما أهمَّه، وفرَّغَ قلبَه لمحبِته، ولسانَه لذكرِه، وجوارحَه لطاعتِه، وإنْ أصبحَ وأمسى والدُّنيا همُّه: حمَّلَه اللهُ همومَها، وغمومَها، وأنكادَها، ووكلَه إلى نفسِه فشغلَ قلبَه عن محبتِه بمحبةِ الخلقِ، ولسانَه عن ذكرِه بذكرِهم، وجوارحَه عن طاعتِه بخدمتِهم وأشغالِهم، فهو يكدحُ كَدحَ الوَحشِ في خدمةِ غيرِه، كالكيرِ يُنفخُ بطنُه وتُعصرُ أضلاعُه في نفعِ غيرِه، فكلُّ من أعرضَ عن عبوديةِ اللهِ وطاعتِه ومحبتِه بُليَ بعبوديةِ المخلوقِ ومحبتِه وخدمتِه، قالَ-تعالى-: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَلَهُ قَرِينٌ).

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فهل تلاحظُ في أعمالِك وأقوالِك، في ليلِك ونهارِك، أنَّك مفتاحٌ لكلِّ خيرٍ، تنفعُ نفسَك وينتفعُ بكَ غيرُك، فتكونُ ممن قَالَ عنهم رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ".

أخبرني بم تملأُ وقتَك؟ ماذا تحبُ؟ ماذا تكره؟ مَنْ تصاحبُ؟ ما هي مجالِسُك؟ ماذا تسمعُ؟ ماذا تبصرُ؟ ماذا تقولُ؟ ماذا تقرأُ؟ بم تفكرُ؟ فإن كانت توافقُ مرادَ اللهِ-تعالى-، فأبشر بالخيرِ، فما يزالُ الإنسانُ كذلك حتى يصلَ إلى أعلى الدَّرجاتِ، قالَ إبراهيمُ بنُ أدهمَ-رحمَه اللهُ تعالى-: أعلى الدَّرجاتِ أنْ تنقطعَ إلى ربِّك، وتستأنِسَ إليه بقلبِك وعقلِك وجميعِ جوارحِك، فلا ترجُو إلاَّ ربَّك، ولا تخافُ إلاَّ ذنبَكَ، وترسخُ محبتُه في قلبِك فلا تُؤْثِرُ عليها شيئًا، فإذا كنتَ كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنتَ، أو في بحرٍ، أو في سَهْلٍ، أو في جبلٍ، وكان شوقُك إلى لقاءِ اللهِ الحبيبِ شوقَ الظمآنِ إلى الماءِ الباردِ، وشوقَ الجائعِ إلى الطَّعامِ الطَّيِّبِ، ويكونُ ذكرُ اللهِ عندَكَ أحلى مِنَ العسلِ، وأحلى من المَاءِ العذبِ الصَّافي عندَ العطشانِ في اليومِ الصَّائفِ.

فيا عبدَاللهِ، فتشْ عن نفسِك، فالأيامُ تسيرُ، والعُمُرُ قصيرُ، تقرَّبَ إلى اللهِ بتقواه، كرِّرْ سؤالَ هُداه، (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، فإذا هداكَ واصطفاكَ، ووفَّقكَ واجتباكَ، وسدَّدَ جوارحَك، اطمئن قلبُك، فعشتَ سعيدًا، ومُتَّ حميدًا، إن في الدُّنيا جنَّةً من لم يدخلْها لم يدخلْ جنَّةَ الآخرةِ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1718851701_بمَ تملأُ وقتَك-15-12-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1718851702_بمَ تملأُ وقتَك-15-12-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 800 | التعليقات 0