بمناسبة نزول المطر
فهد عبدالله الصالح
الحمد لله الغني الحميد , الفعال لما يريد , يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ,أحمده سبحانه وأشكره , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ,إله الأولين والآخرين ورزاق الخلق أجمعين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله,أسوة المؤمنين وقدوة الشاكرين, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على هديه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أمــا بعــــد : فاتقوا الله يا عبادالله وابتغوا عنده الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
أيها المسلمون :لقد فتح الله لنا برحمته أبواب السماء , فعم بخيره الأرض وانتفع العباد والبلاد (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ), فله الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن .
عباد الله : إن إنزال الغيث نعمة من أعظم النعم وأجلها امتن بها سبحانه على عباده وأشاد بها في كتابه , تأملوا رعاكم الله تلك الأوصاف التي ذكرها الله تعالى في كتابه فأحياناً يصف الماء بالبركة , وأحياناً يصفه بالطهر وأخرى بأنه سبب الحياة يقول سبحانه (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا), (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا), (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).
عبــاد الله : في هذا الغيث مواطن للعبر وآيات للتذكر من أبرزها أنه دليل باهر وبيان قاهر على توحيد الله وعظيم أمره وجليل سلطانه لو اجتمع الإنس والجن والملائكة وأرادوا إنزال قطرة غيث واحدة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا , وإذا أراد الله أمراً فإنما يقول له : كن فيكون , ينشئ المولى سبحانه السحاب فتتراكم وتتجمع على أشكال مختلفة , ثم تأتي الرياح بأمره فتسوقها إلى بلد محدد دون أخر والى مكان معين دون أخر , فينزل المطر بقدر معلوم وفي أوقات معلومة بتقدير العزيز العليم , روي عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره أنه قال : ليس عام أكثر مطراً من عام , ولكن الله يقسمه كيف يشاء فيمطر قوم ويحرم آخرون , وربما كان المطر في البحار والقفار وهذا معني قوله سبحانه (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ).
ومن الآيات والعبر في نزول المطر أنه دليل واضح على قدرته سبحانه على إحياء الموتى واثبات البعث والنشور , فالذي يحيي الأرض بعد موتها بالمطر هو الذي يحي الموتى بعد مفارقتهم الحياة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
والمطر قد ينزل إنعاماً , وقد ينزل استدراجاً وقد يكون رحمة وقد يكون عذاباً , لقد أهلك بهذا المطر أقواماً تمردوا على شرعه وتنكروا لهديه كحال قوم نوح عليه السلام .
عباد الله إن من مظاهر كفران نعمة إنزال المطر التشبه بأهل الجاهلية في نسبة إنزال المطر إلى غير الله من الكواكب والأنواء وغيرها من الأسباب عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال : صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من ليل , فلما انصرف اقبل على الناس فقال (هل تدرون ما قال ربكم), قالوا الله ورسوله أعلم قال (قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب , وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب)رواه مسلم .
نعم أيها المصلون : الله سبحانه وتعالى هو الخالق والمسبب للأمطار وأسبابها بيد إن هنالك تحليلات وتوقعات يتحدث أهل الاختصاص عن احتمال نزول مطر هنا أو هناك حسب ما أعطى الله الناس من العلم ولا يعني أن الذين يتوقعون أنهم يعلمون الغيب أو أنهم كذبة منجمون أبداً ولكنهم يبنون توقعاتهم على صور الأقمار الاصطناعية وعلى حركة الرياح والسحب وغيرها من المؤشرات الظاهرة .
ألا فاتقوا الله عباد الله واشكروا الله على نعمه ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ), وابتعدوا عن المعاصي ما ظهر منها وما بطن فهي أحد أسباب الجدب يقول مجاهد رحمه الله (إن البهائم تلعن عصاه بني آدم إذا اشتدت السنة وامسك المطر تقول هذا بشؤم معصية بني آدم).
اللهم جنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن
اللهم اجعل ما أنزلته علينا عوناً على طاعتك وبلاغاً إلى حين
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ....
الخطبة الثانية :
أما بعد : فيا عباد الله ثبت عن نبيكم صلى الله عليه وسلم سنن قولية وسنن فعلية , كان يأتي بها عند نزل الأمطار ومن ذلك أنه كان يقول إذا رأى الغيث (اللهم صيباً نافعاً) رواه البخاري وفي رواية لأبي داود (اللهم صيباً هنيئاً) وثبت عنه أيضاً أنه قال (مطرنا بفضل الله ورحمته)رواه البخاري , أما إذا نزل المطر وخشي منه الضرر فيدعى بقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم حولينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر)أخرجه الشيخان.
أما السنن الفعلية : فمنها استغلال وقت نزول المطر بالدعاء واستحب بعض العلماء رفع اليدين لحديث (ثنتان لا يرد فيهما الدعاء : عند النداء وعند نزول المطر)أخرجه الحاكم وحسنه الألباني رحمه الله .
وكذلك يستحب كشف بعض البدن حتى يصيبه المطر ثبت في صحيح مسلم عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال : كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض بدنه ليصيبه المطر .
وينبغي على من يذهب للفسحة في أماكن السيول والرياض أن يحافظ على المكان من حيث النظافة وعدم العبث بالعشب أو الأشجار لأنها أماكن عامة ، كما يجب أخذ الحيطة والحذر من أخطار السيول والأماكن الخطرة
هذا وصلوا وسلموا ......