بمناسبة بداية العام الدراسي الجديد (الدور الريادي للمعلم في التربية والتعليم
عمر الدهيشي
1432/10/10 - 2011/09/08 10:02AM
خطبة:الدور الريادي للمعلم في التربية والتعليم
عباد الله..إن تفوق الأفراد،ورقي المجتمعات وتقدم الأمم،مرهون بتطور القاعدة الصلبة التي يبنى عليها ما سواها كي تكون داعما أساسٍ لها،ومسبوق بعملية تهيئة وإعداد لأفرادها ورجالاتها،حتى يصبحوا أعضاء صالحين وفاعلين في النهوض بأنفسهم،ونفع مجتمعهم،والمشاركة في تقدم أمتهم،وكل هذا كامن في العملية التربوية والتعليمية من تقدم أو تقهقر،فالتربية والتعليم في حقيقتِه هو صياغة المجتمع وصناعةُ الجيل وتأهيله وتوجيهه، وكلّ الأمم والدوَل تدرِك هذا الجانبَ، وتسعى بكلّ ما تستطيع لترسيخ مبادئها وأهدافها عن طريق التربية والتعليم،وقطب رحى التربية والتعليم هو المعلم والأستاذ،فإليه يورد وعنه يصدر، وهو الرجل الأول في العملية التعليمية والتربوية فهل يتصور تعليم بلا معلم،وتوجيه بلا موجه،وما الوسائل والتقنيات والمبان والتجهيزات،إلا أدوات مساعدة ووسائل معينة لأداء المعلم وإعانته على تحقيق أعلى المستويات في التربية والتعليم،فالمهمة صعبة،والمهنة شاقة،وأي خطأ يرتكبه ذاك الذي يظن التعليم وظيفة رسمية فحسب، وأي ظلم وإهانة للجيل والنشء- لا للمعلم وحده - تلك النظرة القاصرة التي تقلل من مكانة المعلم، وترى أن التعليم وظيفة من رضوا بالدون، وأخلدوا للدعة، وتركوا التسابق للمراتب العالية.
عباد الله..التربية والتعليم هي مهمة عِلْية القوم،وخيرِ المجتمع،وهي وظيفة الأنبياء والرسل،ودعوة أبينا إبراهيم عليه السلام (ربنا وابعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آيتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) إذ بالعلم والتربية تُبنى الحضارات وتُبلغ الأمجاد ويحصلُ البناء والنماء،والعلم يُجلِس صاحبَه مجالسَ الملوك، وإذا اقترن بالإيمان فتِلك رفعة الدنيا والآخرة:(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) والمعلِّمون والمعلمات يجلِسون من كراسي التعليم على عروش ممالك رعاياها أولادُ المسلمين؛ فهم الذين يصوغون الفكرَ ويفتقون الأذهان، ويطلِقون اللسان ويربّون الجنان، حقُّهم الإعزاز والإكرام والإجلال وفائق الاحترام، حقهم أن يُنزَلوا منازلهم العالِية، ويُوَفَّوا حقوقَهم الكاملة، وأن يُعرَفَ قدرهم وتبقى هيبتهم.
أَعلِمتَ أشرفَ أو أجلّ من الذي *** يبني وينشئ أنفسًا وعقولاً؟!
أيها المعلمون..إنَّ أولاد المسلمين أمانةُ الله في أعناقكم، وودائعُ الأمّة بين أيديكم، إن المعلِّم لا يستطيع أن يربِّيَ تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان فاضِلاً، ولا يستطيع إصلاحَهم إلاَّ إذا كان في نفسه صالحًا؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثرَ مما يأخذون عنه بالتّلقين، وإنّ الناشِئَ الصغير مرهَف الحسِّ، قويّ الإدراك للمعايبِ والكمالات، فإن زيَّنتُم لهم الصدقَ فكونوا صادقين، وإن حسَّنتُم لهم الصبرَ فكونوا من الصابرين: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) قال الشافعي موصياً مؤدب أولاد الخليفة الرشيد:"ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تكرهه".
عباد الله ..إنَّ الاستثمار في الإنسان لا يماثله أي استثمار تجاري أو مادي فهو الاستثمارُ الناجحُ الباقي المسَلسَل أجرُه ومنفعتُه في الدنيا وبعد الممات، وفي الحديث الصحيح قال ﷺ :"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"رواه مسلم.ونصيب المدرس لا يقف عند واحدة من هذه الثلاث، بل يظفر بها جميعاً كما بيَّن ذلك الحافظ بدر الدين ابن جماعة حين قال:"وأنا أقول : إذا نظرت وجدت معاني الثلاثة موجودة في معلم العلم، أما الصدقة الجارية فإقراؤه إياه العلم وإفادته إياه... وأما العلم المنتفع به فظاهر؛ لأنه كان سبباً لإيصال ذلك العلم إلى كل من انتفع به. وأما الدعاء الصالح له فالمعتاد على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة من الدعاء لمشايخهم وأئمتهم… فسبحان من اختص من شاء بجزيل عطائه.ا.هـ
أيها المعلمون..دوركم ليس قاصرا على سرد معلومات محددة على الطلاب بعد حفظها واستظهارها،بل يتجاوز ذلك إلى صناعة نشأ صالح فاعل مع نفسه ومجتمعه،من خلال إتقان العلوم،وتوصيل المعلومات المنوطة بذات المادة،مع التوجيه بروح الأبوة ونصح الأخوة،إلى معالي الأمور والبعد عن سفسافها قال الإمام النووي ( ينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية، والشيم المرضية... فأول ذلك أن يحرضه بأقواله وأحواله المتكررات على الإخلاص والصدق وحسن النيات، ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات.. ويعرفه أنه بذلك تنفتح عليه أبواب المعارف، وينشرح صدره، وتتفجر من قلبه ينابيع الحكم واللطائف، ويبارك له في حاله وعلمه، ويوفق للإصابة في قوله وفعله وحكمه"
أيها المعلمون.. مهنتكم تحفها المتاعب،ويغشاها الملل،وربما عانيتم الضجر، وهذا حال المهام الصعبة إلا أن سلوانها ذاك الأثر الملموس والواقع المحسوس في الجيل والنشأ إما قريبا أو بعيداً،فهل رأيت العالم الداعية الذي يحمل همَّ دينه، وتلتف حوله الجماهير؟ أم أبصرت القاضي الذي يحكم في دماء الناس وأعراضهم وأموالهم؟ أم قابلت الجندي الذي يقف في الميدان حامياً لعرين الأمة، وحارساً لثغورها كل أولئك إنما جازوا من قنطرة التعليم، وعبروا من بوابة الدراسة، وقد كان لهم ولاشك معلمون وأساتذة، ولم يعدموا مدرساً ناصحاً، وأستاذاً صادقاً،فالمعلمون يخدمون البشرية جمعاء، ويتركون بصماتهم واضحة على حياة المجتمعات التي يعملون فيها، كما أن تأثيرهم على حياة الأفراد ومستقبلهم يستمر مع هؤلاء الأفراد لسنوات قد تمتد معهم ما امتد بهم العمر،فهم يتدخلون في تشكيل حياة كل فرد مرَّ من باب المدرسة، ويشكلون شخصيات رجال المجتمع من سياسيين، وعسكريين، ومفكرين، وعاملين في مجالات الحياة المختلفة.
أيها المعلمون..بلادكم ومجتمعكم وحيكم بل ومن في الجامع كلهم ينظرون إليكم نظر المؤمل خيراً فالآمال بعد الله تعالى معقودة بكم والطموحات معلقة بما قدمتوه وتقدمونه في سبيل العلم والتعليم والتربية، فقوموا بمهمكتم خير قيام،وكونوا على مهنتكم أقوياء أمناء،وأدوا ما استئمنكم الله عليه نسأل الله أن يوفقكم ويسدد خطاكم وأن يمدكم بإعانته وتسديده، ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على النبي الأمين صلى أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى
عباد الله..المعلمون والأساتذة بشر مثلنا يعتريهم ما يعتري البشر،ويكتنفهم المد والجزر،وهم يتعاملون مع أنفس متباينة لا أوراق جامدة،فمن حقهم علينا إعانتهم والشد على أيديهم،ومؤازرتهم بالكلمة الطيبة، والنصح والتسديد،فهم العملة الثمينة والورقة الرابحة إن أحسنا اختيارهم وسعينا في التواصل معهم،فالكلمة الطيبة صدقة،والإشادة والثناء نافعة بل ومؤثرة.
هذا وصلوا وسلموا
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
بارك الله فيك يا شيخ عمر على هذه الخطبة الطيبة وأسأل الله أن يبارك فيها
تعديل التعليق