بل أحياء عند ربهم يرزقون، د. صالح دعكيك

شادي باجبير
1446/04/22 - 2024/10/25 21:22PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة: بل أحياء عند ربهم يرزقون، د. صالح دعكيك، مسجد آل ياسر، المكلاَّ، 2/8/2024م

*الحمد لله رب العالمين.

   معركة أمتنا مع اليهود – الذين هم أجرم وأحقر أهل الأرض - معركة غير متناهية، حتى ينطقَ عليهم الشجر والحجر! ولهذا لا نستغرب أن يرتكبوا كل جرائم الإبادة، وحرق الأرض بمن عليها، و قتلهم الأطفال الرضع، والمعاقين، أو المرضي بمتلازمة داون، الذين نهشت كلابهم أجسادهم أمام أعينهم، قاتلهم الله وعجل بهلاكهم.

    أما استهدافهم لقادة المقاومة الفلسطينية، ولرموز المجاهدين منهم، فهو أمر يتمنون الوصول إليه، ولكن المجاهدين قد وطنوا أنفسهم على ذلك، بل يعدون ذلك شهادة يتمنونها، ويرددون نشيدهم: "والموت في سبيل الله أغلى أمانينا".

   يخطئ بنو صهيون وكل أعداء ديننا، ممن يعادى المجاهدين من كل مكان، وفي كل مكان، حينما يعتقدون أن اغتيال قائد أو أكثر من قيادة المقاومة سيضعف المقاومة، أو سيحد من قوتها أو من تماسكها، إن هؤلاء لا يستوعبون أن حركات المقاومة الجهادية تحمل عقيدة وإرادة يستعصي على الكسر، إن استشهاد الرموز لديهم يولد أيقونة، تدفع برحم المقاومة لتجديد القيادات، وتدفع لمزيد من التماسك والإصرار، على مقاومة العدو، وإذا ذهب قائد يخلف بعده عشرات القادة، كما هو مشاهد ومعلوم.

     إن هذه الأمة أمة عمل وجهاد، تؤمن أن الجهاد أحدُ ركائزِ هذا الدين، وتؤمن بمقتضيات هذه الركيزة العظمى.

-      إنها أمة تؤمن إيمانا لا يخالطه شك أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة.

-      وتؤمن أمتنا بما أخبرها به نبيها صلى الله عليه وسلم :(أن الجهاد ذروةُ سنام الإسلام).

-      وتؤمن أمتنا أنه لا يرفع ظلم المظلومين ولا يرد الباغين إلا القوة قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير).ٌ الحج (39).

-       وتؤمن أمتنا أن طريق استعادة المقدسات والأوطان ورد المعتدين لا يكون إلا بالقتال: قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). البقرة (190).

-      وتؤمن أمتنا أن الخنوع للكافرين، والتثاقل الى الأرض ذلةٌ ومهانةٌ، يتنافى مع الإيمان والعقيدة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ). التوبة(38).

-      وتؤمن أمتنا أن الشهداء أحياء بعد موتهم، قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون). آل عمران (169).

-      وتؤمن أمتنا أن الطريق إلى الجنة لا يمر إلا ببذل النفوس لجهاد العدو الكافر، قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).آل عمران (142).

-      وتؤمن أمتنا أن طريق النصر على العدو محفوف بالبأساء والضراء، قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ). آل عمران (214).

-      وتؤمن أمتنا أن الجهاد في سبيل الله أكبرُ تجارة مع الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (الصف: 10-12).

-      وتؤمن أمتنا أن النصر حليفُنا إن نصرنا الله ودينه ورسوله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). محمد (7).

-      وتؤمن أمتنا أن من قتل في سبيل الله فقد تُقبل سعيه، وحاز الهداية وصلاح البال وجنة المتعال، قال تعالى: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ). محمد:(4-6).

   إن الجهاد - معاشر المؤمنين - سمو ورفعة، وانتصار وعزة، ورفعة في الحياة وفي الممات.

    كان نبينا عليه الصلاة والسلام، يحث أصحابه على الجهاد، لما يعلم أن الحق لابد من الدفاع عنه، وأن للباطل في كل وقت أنصارا من الكفار والمنافقين، يبغون على أهل الحق، فكان يرغب في الجهاد فيقول عليه الصلاة والسلام:

-       (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المُجاهد في سبيل الله). مسلم (1878).

-      (إِن في الجنة مائةَ درجةٍ أعدها الله للمُجاهدين في سبيل الله؛ ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض). البخاري (2637) .

-       (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان). رواه مسلم (1913).

-       (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف). رواه البخاري (2818). مسلم (1742).

-      (إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة تحت العرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل). رواه مسلم (1887) والطبراني (8905) واللفظ له.

-       وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ). رواه النسائي (2180) صحيح الجامع: 4483.

-       ( للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلَّى حلية الإيمان، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه ). رواه الترمذي (1663) وصححه.

أيها المسلمون :

    لمثل هذه الفضائل والدرجات والمعالي تشرئب الأعناق، وتطير القلوب شوقا إلى الجنة ، إنه ليس عمل من أعمال الإسلام يضاهي الجهاد أبدا مطلقا، فلتكن القلوب على وعد به.

     قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). التوبة(111).

              بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ...

((الخطبة الثانية))

      الجهاد فرض من فروض الدين، إنه لهذه الأمة نبض حياتها، وهو معقد العز في أوطانها، وحينما يصيب الأمة الضيم باحتلال أراضيها، واغتصاب مقدساتها، واستلاب مقدراتها، يجب أن تدافع عن دينها وكرامتها وأرضها، وهنا يصير رد العدوان وجهاد العدو فريضة، قال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }. البقرة (216).

       وقد علم أعداء الأمة خلال تاريخها الطويل، ماذا يحل بهم حينما يعلن الإمام الجهاد في سبيل الله، والنفير العام، وحينما تستجيب الأمة لداعي الجهاد.

    ومن الحقائق التاريخية العجيبة أن ملك فرنسا لويس التاسع، قاد حملته الصليبية السابعة على العالم الإسلامي سنة 1250 م، فأعلن السلاطين الأيوبيون في مصر النفير العام، واستجابت الأمة لهم، فقامت معركة حامية الوطيس، وبفضل الله حلت الهزيمة بجيش لويس التاسع قرب المنصورة، ووقع لويس التاسع نفسه أسيراً في أيدي المسلمين، وسجن بدار ابن لقمان في المنصورة، حرسها الله، وحرس مصر، وجميع بلاد المسلمين من كل سوء، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن دفع فدية ضخمة. الحملة الصليبية على العالم الإسلامي يوسف الطويل(3/ 240).

ملكنا هذه الدنيا قرونا*** وأخضعها جدود خالدونا

وسطرنا صحائف من ضياء ***فما نسى الزمان ولا نسينا

حملناها سيوفا لامعات ***غداة الروع تأبى أن تلينا

إذا خرجت من الأغماد يوما***  رأيت الهول والفتح المبينا

وكنا حين يرمينا أناس **** نؤدبهم أباة قادرينا

وما فتئ الزمان يدور حتى *** مضى بالمجد قوم آخرونا

وأصبح لا يرى في الركب قومي *** وقد عاشوا أئمته سنينا

    إنه الجهاد أيها السادة ، حينما تتحرك به الأمة عقيدة ودينا، ترجو به رضى ربها، ونصرة دينها، الجهاد الذي يراد قتله في نفوسنا، ووأده في قلوب ناشئتنا، وتجريمُه ووصمه بالإرهاب، على مستوى الفكر والسياسة والقانون، أما استعمارهم، وإرهابُهم، وقتلُهم للأبرياء، وحرب الإبادة في ديارنا، فهو دفاع مشروع، يقره القانون، فيا للعجب!!! .

   اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة أن تمن على كل المستضعفين في الأرض بالفرج العاجل، وعلى فلسطين وغزة خصوصا بنصر مؤزر مبين، ارفع ما حل بهم، ارحم ضعفهم، تول أمرهم، أحقن دماءهم، ثبت أقدامهم، اجعل لهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا.

  هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، بقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

      والحمد لله رب العالمين.

المرفقات
المشاهدات 137 | التعليقات 0