بلغوا عنِّي ولو آية

د عبدالعزيز التويجري
1442/02/27 - 2020/10/14 17:39PM

الخطبة الأولى:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} 

الحمدُ لله يهدي ويُضل، ويعزُّ ويُذل، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهَ وحدهُ لا شريك له، أنَّهُ هُو البرُّ الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ صلى الله عليه وسلم- وعلى آلهِ وأصحابهِ ومن سارَ على دربهِ إلى يومِ الدين .. أمَّا بعدُ: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ).

قال الإمام البخاري رحمه الله: بَابُ قول الله تعالى {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا}

قال أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رَكِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ وَأَرْدَفَني وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فمَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا فِي المَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَاليَهُودِ وَالمُسْلِمِينَ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا،  فَوَاللهِ، لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: وَاللهِ، لَحِمَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا المَرْءُ إِنَّهُ لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إِنْ كَانَ حَقًّا فَلاَ تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَاليَهُودُ، حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ - يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ - قَالَ: كَذَا وَكَذَا "، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، ولَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ البُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا، فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايَعُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَسْلَمُوا . أخرجه في الصحيحين.

هكذا هي رسالة الحق إذا وصلت أهل النفاق والعناد ، يشرقون بها، ويؤذون الدعاة والمصلحين بألسنة حداد ، حتى إذا ما على أتباع الدين وقويت شوكة الحق تلونوا بوجه النصح والاتباع .

ما صَبَرَ إنسانُ وتحمل وجالد في هذه الحياة في سبيل إبلاغ دين الله عز وجل إلا وذلل الله عز وجل له كل صعب، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}

إن سفينة الأمة تتقاذفها الأمواج ، ويخرق فيها المفسدون كل يوم خرقاً؛ فإن لم تجد من يصلح تلك الخروق، تغرق ولاشك،.

أرى خلل الرماد وميض جمر     وأخشى أن يكون لها ضرام

إن هذا الدين قوي ، فأقدم بقوة: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}

في ثباتٍ ومسارعةٍ: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي}

في شجاعة وعدم تَهَيُّبٍ وتردُّد.

          ومن يتهيب صعود الجبال     يعش أبد الدهر بين الحفر

في بصيرة وفرقان بإتقان: {أدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} 

لا أحد أحسن منك إن فعلت ذلك: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

كم من الأجور تصب في ميزان حسانتك في طريق الدعوة إلى الله {من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا} أخرجه مسلم .

{لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْرِ النِّعم}

كان أبو هريرة رضي الله عنه يحدث الناس ويخرج إلى السوق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقول :[لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئًا:  {إِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.

يا أيها الإنسان.. لاتستوحش الطريق بجرأة المفسدين ، فمهما علا الباطل وزمجر، وارتفع هديره؛ فإن الله سيجعله زبداً ويبقى ما ينفع الناس ..

 لا خوف فالله ناصر دينه شاء من شاء وأبى من أبى، أما كيد البشر فكيد ضعيف مهما عظم ، فإن أي قوة في الأرض لا تستطيع أن تصل لقلب مؤمن صادق في إيمانه ويقينه . 

أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه -سبحانه- من تمسك بشريعته ودعا إلى دينه ، وإذا رضي الله على عبده أرضاه وسدده ووفقه ، وختم له بالحسنى . 

(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إنه هو البر الرحيم

الخطبة الثانية .. الحمدلله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا .. أما بعد

إن أمانةَ تبليخَ هذا الدينِ ونشر الخير بين العالمين منوطةٌ بعنقِ كلِ مسلم ومسلمة ( بلغوا عني ولو آية )  كل بحسبه ، ولايكلف الله نفسا إلا وسعها ؛ ولا نجاح للدعوة ولا ثمرة لها إن نحن أعطيناها فضول أوقاتنا.

بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.. إن عليك إلا البلاغ ،لا تنظر إلى كثرة الاتباع ، فإن النبي يأتي يوم القيامه ومعه الرجل والرجلان ، ويأتي النبي وليس معه أحد ..دعا نوح إلى الله عز وجل ليلاً ونهاراً ، سراً وجهاراً ، ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما آمن معه إلا قليل، ماذا بقى من حياةِ نبيِّ اللهِ نوح، لم يُسخِّرها لدعوتهِ،حياته أُوقفها كُلَّها لله

فَمَا العُمرُ إلا صَفحةٌ سَوفَ تَنطوِي     ومَا المَرءُ إلا زَهرةٌ سَوفَ تَذبلُ

فاعمل واصبر وصابر ، واعلم أن قطرات العرق التي تتساقط منك في طريق الدعوة سوف تنبت أشجارا تستظل تحتها يوما ما .. 

ولا يلزم في الدعوة أن تعتلي منبرا أو تلقي محاضرة أو تكون خريج شريعة 

الدعوة كلمة طيبه ، ورسالة هادفة .. ونصيحة عابرة .. الدعوة تربية على القرآن وتنشئة أجيال وإصلاح بيوت ، وأمر بمعروف ونهي عن منكر ..

       لينطَلِقْ كُلُّ فَردٍ حَسْبَ طَاقَتِهِ       يَدعُو إلَى اللهِ إخفَاءً وَإعلاناً

     ولْنَترُك الَّلومَ لا نَجعلْهُ عُدَّتَنَا      وَلْنَجعَل الفِعلَ بَعدَ اليَوم مِيزَانَا

اللهم اجعلنا من أنصار دينك وشرعك ، اللهم صل وسلم على من بلغ الرسالة ..

المشاهدات 1202 | التعليقات 0