بقاء الخير في الأمة.. وخطورة تأخير الحج

د.صالح العبداللطيف
1438/11/18 - 2017/08/10 20:51PM

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..  قال سبحانه وتعالى: يا إيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما..

   أيها المؤمنون.. في زمننا هذا كثرت المنغصات وتعددت.. واستشرفت الفتن وتنوعت.. فأصبحت قلوب المؤمنين عليلة.. ونفوسهم مكلومة.. فأينما يممت وجهك في بلاد المسلمين.. رأيت الفقر والجهل والحروب.. والتشاحن والتناحر والتدابر.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

   لكن الله رحيم بعباده.. ناصرٌ أولياءه.. فلا يخلو زمن ولا مكان في أمة الإسلام.. إلا وفيه خير وبشائر وفتوحات.. فاللهم لك الحمد على فضلك وجودك ورحمتك..

    ومما يبهج النفس المؤمنة في هذا الزمن.. ويدفع عنها الهم والحزن.. إقبالُ الناس على الخير والاستقامة.. والبذلُ والعطاءُ.. والتنافسُ في سبيل عزة هذا الدين..

   فتكتض المساجد بالمؤمنين من سائر الأعمار.. وتزدحم حلق العلم بطلابها.. حيث الهمم العالية.. والنفوس الأبية.. ويكثر سؤال الناس عن تفاصيل دينهم.. رغبة منهم بكمال الأجر وتمامه..

   ومن باب الحرص على الخير.. والتواصي بالبر والتقوى.. ورغبة في صقل صورة المجتمع وتنقيتها.. وتجليتها من كل ما يكدر جمالها وبهاءها.. كانت هذه الكلمات الصادقة.. في التحذير من ظاهرة منتشرة بين بعض أفراد المجتمع..

  ألا وهي تأخير إداء فريضة الحج.. رغم القدرة والاستطاعة..

وإن المسلم ليأبى من أخيه أن يؤخر فريض الله بعد وجوبها.. ومعه ما يوصله إلى تلك البقاع الطاهرة.. من مركب ومال.. والذي يحز في النفس.. أن بعض هؤلاء الفضلاء.. قد مضى على تأخيره حج بيت الله سنوات.. بل منهم من شاخ ولازال يفرطُ ويؤخر.. ويختلقُ الأعذار الواهية..

 ونقول لمن أخر الحج مع قدرته عليه.. احمد الله سبحانه على أن أمد في عمرك.. ورزقك الصحة والعافية.. فبادر قبل أن يفجأَك الموت.. أو يبادرَك المرض..

  وليعلم هؤلاء أنهم قد عرضوا أنفسهم لأمر عظيم.. حذرت منه نصوصٌ صحيحةٌ صريحة..  وإليك شيئا منها.. قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ

وحث رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم اتباعه بتعجيل الحج فقال: تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ) رواه أحمد وحسنه الألباني

وروي عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بإسناد صحيح أنه يَقُولُ: مَنْ أَطَاقَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ، فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ يَهُودِيًّا مَاتَ أَوْ نَصْرَانِيًّا..

فيامن تأخرت في أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.. بادر ما دمت في زملة المهلة.. واطرح نفسك بين يدي ربك في تلك البقاع الطيبة.. وتعرض لنفحات الله ورحماته.. ولا تحرم نفسك هذا الخير والفضل العظيم..

    ثم كيف يفرط بالحج من يعلم فضائله ونفحاته.. وما أعده الله من الأجر والمكانة.. لمن حج بيته ووقف في تلك المواطن الطاهرة.. فالحج من أفضل الأعمال.. لما ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله».

   قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» رواه البخاري ومسلم.....وهو من أسباب مغفرة الذنوب.. لما ثبت في البخاري ومسلم.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج فلم يرفُث، ولم يفسُق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه

     والحج من أسباب دخول الجنة.. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ» رواه الشيخان

   ومن مات وهو محرم فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا.. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فوقصته.. أي: كسرت عنقَه.. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثوبيه الذين أحرم فيهما، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» رواه البخاري ومسلم.

ثم انظر إلى هذا الفضل العظيم.. والذي يختص به حج بيت الله.. عن عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ " رواه مسلم..

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.. أقول ماتسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه..

   وبعد:   فاعلموا أيها المؤمنون.. أن دينَنا دينُ التيسير والرفق.. ورفعِ الحرج والمشقة.. فإذا لم يجد المسلم قيمةَ ما يحجُ به.. فلا يجب عليه أن يقترض لأجل حجه.. بل الأولى أن لا يفعل ذلك.. وذلك أن الدَّين يبقى في ذمته بعد موته..  

   والحج لا يأثم بتركه وهو لا يجد قيمتَه.. ولذا قال أهل العلم.. إذا كان على الإنسان دَين.. فإنه يقضي دينه ثم يحج.. لأن براءة الذمة هي الأولى.. وإذا كان الإنسان عاجزاً عن الحج بنفسه وعنده مال.. فإن كان عجزا مستمراً لا يرجى زواله.. كالكبير الذي لا يستطيع أن يحج بنفسه.. أو المريضِ مرضاً لا يرجى برؤه.. فإن عليه أن ينيب من يحجُّ عنه.. وإن كان يرجى زوالُ عجزِه فإنه لا ينيب أحداً..  بل يصبر حتى يزول عجزه فيحج بنفسه..

     ومن تيسير الله سبحانه.. أن أسقط وجوب الحج عن المرأة التي لم تجد محرماً يرافقها في حجها.. لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلاَثًا.. إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم..   ووجوب المحرم للمرأة التي تريد الحج ثابت لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» متفق عليه..

 اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل اللهم اعز الإسلام والمسلمين.. وأذل الشرك والمشركين.. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان.. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين.. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك ياارحم الراحمين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا..ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.اللهم صل على نبينا محمد

المرفقات

عن-بقاء-الخير-في-الأمة-وخطورة-تأخير-الح

عن-بقاء-الخير-في-الأمة-وخطورة-تأخير-الح

المشاهدات 575 | التعليقات 0