بُطُولَاتُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ 21 جماد الآخرة 1436 هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1436/06/19 - 2015/04/08 16:52PM
بُطُولَاتُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ 21 جماد الآخرة 1436 هـ
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَعَزَّ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّقَاه ، وَأَذَلَّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ فَعَصَاه ، النَّاصِرِ لِدِينِهِ وَمَنْ وَالاه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّين .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ هُوَ ذَرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَامِ ، بِهِ يَعْلُو الدِّينُ وَيَرْتَفِعُ التَّوْحِيدُ وَيُقْمَعُ الشِّرْكُ وَتَنْطَفِئُ الْكُفْرُ ، بِهِ يُعِزُّ اللهَ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَيُذِلُّ مَنْ كَفَرَ بِهِ ، بِالْجِهَادِ تُحْمَى الدِّيَارُ وَيُذَادُ عَنِ الْمَحَارِمِ وَيُصَدُّ الْعَدُوُّ ، بِالْجِهَادِ تُشْتَرَى الْجَنَّةِ وَيُنْجَى مِنَ النَّار .أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ضَرَبُوا أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالدِّفَاعِ عَنْ دِينِ اللهِ وَالْمُقَاتَلَةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى اسْتَحَقُّوا أَنْ يَنَالُوا مَرْتَبَةَ الشَّهَادَةِ وَيَفُوزُوا الْفَوْزَ الْعَظِيمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَكَانَ مِنْ بُطُولاتِهِمْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ الشَّيْءَ الْعَظِيمَ حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَرَأَ أَوْ سَمِعَ سِيَرَهُمْ لَيَتَمَنَّى أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلُوا .
وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ نَحْتَاجُ إِلَى أَنْ نُشَجِّعَ إِخْوَانَنَا الْمُجَاهِدِينَ فِي مَعْرَكَةِ عَاصِفَةِ الْحَزْمِ وَأَنْ نَشُدَّ مِنْ أَزْرِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ مُشْرِكِينَ وَيُدَافِعُونَ عَنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْوُقُوفِ مَعَهَمْ أَنْ نُعْلِمَهُمْ بِمَا أَعَدّ اللهُ لَهُمْ وَأَنْ نَخْلُفُهَمْ بِخَيْرٍ فِي أَهَالِيهِمْ وَأَنْ نَحْكِيَ لَهُمْ مَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ الذِينَ هُمْ قُدْوَاتُنَا .
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ، فَقَدْ غَزَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : مَعْرَكَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى أَوَّلُ لِقَاءٍ جَمَعَ اللهُ فِيهِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، وَكَانَ فِيهَا نَصْرٌ مُبِينٌ وَظُهُورٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَظِيمٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : اقْتَرَبَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ) فَقَالَ عُمَيْرٌ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟ قَالَ (نَعَمْ) قَالَ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ؟) قَالَ : لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا) فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ كَانَتْ مَعَهُ ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَفِي أَوَّلِ الْمَعْرَكَةِ خَرَجَ ثَلاثَةٌ مِنْ خِيرَةِ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ كَانُوا مِنْ عَائِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُمْ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ ، وَاْلوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، فَلَمَّا انْفَصَلُوا مِنَ الصَّفِّ طَلَبُوا الْمُبَارَزَةَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ شَبَابِ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. قَالُوا : أَكْفَاءٌ كِرَامٌ ، مَا لَنَا بِكُمْ حَاجَةٌ، وَإِنَّمَا نُرِيدُ بَنِي عَمِّنَا، ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِمْ : يَا مُحَمَّدُ ! أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عَلِيٌّ) فَلَمَّا قَامُوا وَدَنَوْا مِنْهِمْ، قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَأَخْبَرُوهُمْ ، فَقَالُوا: أَنْتُمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ ، فَبَارَزَ عُبْيَدَةُ عُتْبَةَ , وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ ، فَأَمَّا حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ فَلَمْ يُمْهِلَا قَرِينَيْهِمَا أَنْ قَتَلَاهُمَا ، وَأَمَّا عُبَيْدَةُ فَاخْتَلَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَرينِهِ ضَرْبَتَانِ، فَأَثْخَنَ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ كَرَّ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ عَلَى عُتْبَةَ فَقَتَلَاهُ وَاحْتَمَلَا عُبَيْدَةَ إِلَى مُعَسْكِرِ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ قَامَتْ الْمَعْرَكَةُ وَأَبْلَى جُنْدُ اللهِ أَعْظَمَ الْبَلَاءِ وَقَاتَلُوا قِتَالَ الْأَبْطَالِ حَتَّى نَصَرَ اللهُ جُنْدَهُ وَأَعْلَى كَلِمَتَهُ .
وَفِي مَعْرَكَةِ أُحُدٍ : تَقَارَبَ النَّاسُ وَنَشَبَتِ الْمَعْرَكَةُ وَحَصَلَ فِي أَوِّلِها قِتَالٌ لا يَكَادُ يُوصَفُ ، وَأَظْهَرَ فِيهِ أَبْطَالُ الْمُسْلِمِينَ صُنُوفَاً مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْبَسَالَةِ لا تُعَبِّرُ عَنْهَا الْكَلِمَاتُ ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ قَدْ بَثَّ الْحَمِيَّةَ فِي آلِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وُهُمْ حَمَلَةُ لُوَاءِ الْمُشْرِكِينَ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، قَدْ وُلِّيتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى النَّاسُ مِنْ قِبَلِ رَايَاتِهِمْ ، إِذَا زَالَتْ زَالُوا ، فَإِمَّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا ، وَإِمَّا أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ !
فَغَضِبَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ لِقَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ أَشَدَّ الْغَضَبِ، وَهَمُّوا بِهِ وَتَوَعَّدُوهُ، وَقَالُوا لَهُ : نَحْنُ نُسْلِمُ إِلَيْكَ لِوَاءَنَا ؟ سَتَعْلَمُ غَدَاً إِذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ. وَقَدْ ثَبَتُوا عِنْدَ احْتِدَامِ الْمَعْرَكَةِ حَتَّى أُبِيدُوا عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ , وَكَانُوا عَشَرَةً .
فَكَانَ أَوَّلَ وَقُودِ الْمَعْرَكَةِ حَامِلُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيُّ ، وَكَانَ مِنْ أَشْجَعِ فُرْسَانِ قُرَيْشَ ،فَخَرَجَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى جَمَلٍ، يَدْعُو إِلَى الْمُبَارَزَةِ، فَأَحْجَمَ عَنْهُ النَّاسُ لِفَرْطِ شَجَاعَتِهِ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَسَدٌ مِنْ أُسْدِ اللهِ : الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَلَمْ يُمْهِلْهُ بَلْ وَثَبَ إِلَيْهِ وَثْبَةَ اللُّيُوثِ حَتَّى صَارَ مَعَهُ عَلَى جَمَلِهِ ، ثُمَّ اقْتَحَمَ بِهِ الْأَرْضَ، فَأَلْقَاهُ وَذَبَحَهُ بِسَيْفِهِ.
فَحَمَلَ اللُّوَاءُ بَعْدَهُ أَخُوهُ أَبُو شَيْبَةَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَتَقَدَّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ يَقُولُ :
إِنَّ عَلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ حَقًّا * أَنْ يَخْضِبُوا الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا
فَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَضَرَبَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ضَرْبَةً بَتَرَتْ يَدَهُ مَعَ كَتِفِهِ، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى سُرَّتِهِ ، فَبَانَتْ رِئَتُهُ ، فَسَقَطَ صَرِيعَاً !
ثُمَّ رَفَعَ اللِّوَاءَ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِسَهْمٍ أَصَابَ حَنْجَرَتَهُ، فَأَدْلَعَ لِسَانَهُ وَمَاتَ لِحِينِهِ.
ثُمَّ رَفَعَ اللِّوَاءَ مُسِافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحِ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَحَمَلَ اللِّوَاءَ بَعْدَهُ أَخُوهُ كِلَابُ بْنُ طَلْحَةَ ، فَانْقَضَّ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ ابْنُ العَوَّامِ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ حَمَلَ اللِّوَاءَ أَخُوهُمَا الْجُلَاسُ ، فَطَعَنَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ طَعْنَةً قَضَتْ عَلَى حَيَاتِهِ ، وَهَكَذَا تَوَالَى بَنُو عَبْدِ الدَّارِ عَلَى حَمْلِ اللِّوَاءِ وَتَوَالَى أَبْطَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالِهمْ حَتَّى أَبَادُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْأَبْطَالِ الذِينَ كَانَ لَهُمْ قَصَبُ السَّبْقِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْإِقْدَامِ : أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ !
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ : يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ ، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ .
قَالَ أَنَسٌ : فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
فَلِلَّهِ دَرُّهُمْ ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنَّا مَنْ يَقْتَفِي أَثَرَهُمْ وَيَفْعَلُ أَفْعَالَهُمْ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَمَّا بَعْدُ : فَفِي مَعْرَكَةِ مُؤْتَةَ فِي بَلْقَاءِ الشَّامِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ ثَلاثَةَ آلافٍ فَقَطْ ، وَقَابَلُوا جَيْشَاً قِوَامُهُ مِائَتَا أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنَ الرُّومِ وَبَعْضِ العَرَبِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَّرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وَقَالَ (إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ)
فَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَرَأَى النَّاسُ هَذَا الْجَيْشَ الْكَبِيرَ الْعَرَمْرَمَ، مِثْلَ الْبَحْرِ الْخِضَمِّ ، تَرَدَّدَ بَعْضُ النَّاسِ شَيْئَاً مِنَ التَّرَدُّدِ ، فَشَجَّعَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَالَ : يَا قَوْمِ وَاللهِ إِنَّ التِي تَكْرَهُونَ لِلَّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبَونُ : الشَّهَادَةُ ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلا قُوَّةٍ وَلا كَثْرَةٍ ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إِلَّا بِهَذَا الدَّينِ الذِي أَكْرَمَنَا اللهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا ظُهُورٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ ، فَتَشَجَّعَ النَّاسُ ، وَبَدَأَ الْقِتَالُ الْمَرِيرُ، ثَلاثَةُ آلافِ رَجُلٍ يَوَاجِهُونَ هَجَمَاتِ مِائِتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ. فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَجَعَلَ يُقَاتِلُ بِضَرَاوَةٍ بَالِغَةٍ، وَبَسَالَةٍ لا يُوجَدُ لِهَا نَظِيرٌ إِلَّا فِي أَمْثَالِهِ مِنْ أَبْطَالِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ وَيُقَاتِلُ حَتَّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ وَخَرَّ صَرِيعَاً ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَطَفِقَ يُقَاتِلُ قِتَالاً مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ، حَتَّى إِذَا أَرْهَقَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ الشَّقْرَاءَ فَعَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُطِعَتْ يَمِينُهُ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ بِشِمَالِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قُطِعَتْ شِمَالُهُ، فَاحْتَضَنَهَا بَعَضُدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ رَافِعَاً إِيَّاهَا حَتَّى قُتِلَ ، وَأَثَابَهُ اللهُ بِجَنَاحَيْهِ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهَمَا حَيْثَ يَشَاءُ ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَاتَلَ هُوَ الآخَرَ قِتَالَ الْأَبْطَالِ حَتَّى قُتِلَ.
فَبَقِي الْمُسْلِمُونَ بِغَيْرِ قَائِدٍ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ قَاتَلَ قِتَالاً مَرِيرَاً مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ ، رَوَى الْبَخُارِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ : لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بِقَيِ فِي يَدِي إِلَّا صِفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ .
كُنْ كَالصَّحَابَةِ فِي زُهْدٍ وَفِي وَرَعٍ *** الْقَوْمُ هُمْ مَا لَهُمْ فِي النَّاسِ أَشْبَاهُ
عُبَّادُ لَيْلٍ إِذَا جَنَّ الظَّلَامُ بِهِمْ *** كَمْ عَابِدٍ دَمْعَهُ فِي الْخَدِّ أَجْرَاهُ
وَأُسْدُ غَابٍ إِذَا نَادَى الْجِهَادُ بِهِمْ ** هَبُّوا إِلَى الْمَوْتِ يَسْتَجْدُونَ رُؤْيَاهُ
يَا رَبِّ فَابْعَثْ لَنَا مِنْ مِثْلِهِمْ نَفَرَاً *** يُشَيِّدُوا لَنَا مَجْدَاً أَضَعْنَاهُ
اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ، اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكِ مُقْبِلِينَ غَيْرَ مُدْبِرِينَ ، اللَّهُمَّ ثَبِتْ أَقْدَامَ إِخْوَانِنَا الْمُجَاهِدِينَ ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَصَوِّبْ رَأَيْهُمْ وَقَوِّ عَزَائِمَهُمْ وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالِمَينَ ، اللَّهُمَّ وَفِقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا سَلْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمَّا تُحِبُّهُ وَتَرضَاهُ ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُزَرَاءَهُ وَإِخْوَانَهُ ، وَانْصُرْ بِهِمُ الدِّينَ وَانْصُرْ الدِّينَ بِهِمْ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَائِنا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى والرَّافِضَةِ يَاقَوِيُّ يَا عَزِيزُ ، اللَّهُمَّ زَلْزِلِ الأَرْضَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامَهُمْ ، اللَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ وَشَتِّتْ شَمْلَهُم وَاهْزُمْ جُنْدَهُمْ يَارَبَّ العَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِىَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، والحَمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
المرفقات
بُطُولَاتُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ 21 جماد الآخرة 1436 هـ.doc
بُطُولَاتُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ 21 جماد الآخرة 1436 هـ.doc
المشاهدات 3096 | التعليقات 3
جزاك الله خيراً
جزاكم الله خي الجزاء
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
تعديل التعليق