بطاقة التخفيض في ضوء قواعد المعاملات الشرعية د.سامي السويلم
احمد ابوبكر
1438/01/15 - 2016/10/16 03:28AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن ولاه ، وبعد .
فهذه ورقات حول التخفيض ومدى شرعيتها في ضوء الشريعة الإسلامية ، بناء على طلب أمانة مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة .
وقد سبقت عدة دراسات حول البطاقة (انظر مثلاً: بطاقة التخفيض لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد؛ الحوافز التجارية لخالد المصلح ص١٧٩-١٩٢). وتهدف هذه الدراسة إلى تأصيل الموضوع وربطه بأصول المبادلات التي قررتها الشريعة الإسلامية المطهرة، واقتراح جملة من الضوابط التي تنأى بهذه المعاملة عن المحاذير الشرعية إن شاء االله.
نسأل االله تعالى أن يلهمنا الحق والصواب، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، إنه سميع مجيب.
التعريف:
بطاقة التخفيض: هي بطاقة تخول صاحبها الحصول على تخفيض بنسبة محددة من أثمان السلع أو الخدمات التي يشتريها من متاجر محددة.
أنواعها:
وهي من حيث مُصدرها نوعان: ثنائية وثلاثية. فالثنائية هي التي يصدرها متجر معين لعملائه، بحيث يحصل حامل البطاقة على تخفيض في الثمن من السلع التي يشتريها من هذا المتجر وفروعه. أما الثلاثية فيصدرها وسيط يتولى الاتفاق مع مجموعة من المتاجر لهذا الغرض، ثم يقوم بتسويق البطاقة لمن يرغب الاشتراك. ويحصل المشترك على تخفيض محدد عند شرائه من أي من هذه المتاجر التي تم الاتفاق معها.
والوسيط قد يكون مقصوده الربح، وقد يكون جهة خيرية مقصودها جمع التبرعات لأغراض خيرية. وهي من حيث الثمن إما أن تكون بثمن نقدي محدد. وإما أن تكون مجانية توزع تبعاً لمنتجات أو خدمات أخرى. فتوزعها مثلاً بعض المصارف لعملائها المودعين لديها، أو توزعها بعض المتاجر إذا اشترى العميل منها بما يتجاوز مبلغاً معيناً. وقد توزع إهداء دون ارتباط بأي خدمات أخرى.
الهدف من البطاقة:
الهدف من البطاقة هو ترغيب المشتركين في الشراء من المتاجر المصدرة أو المشاركة فيها. فالمشترك إذا علم أنه سيحصل على تخفيض من المتجر المصدر أو المتاجر المشاركة، فسيفضل التوجه إليها للاستفادة من هذا الخصم وتوفير كلفة الشراء. وإذا كان قد دفع مقدماً أصبح لديه حافز إضافي لتفضيل المتاجر المشاركة لكي لا يذهب ما دفعه هباء.
وأما المتجر فهو يستفيد من ترغيب العملاء المشتركين في الشراء من عنده، ومن ثم زيادة المبيعات. وإذا كان هو المصدر للبطاقة فإنه يستفيد بناء علاقات مستقرة مع العملاء ليتجنب التذبذب والتقلب في الإيرادات. وفي حالة كون المصدر وسيطاً، فإنه يكسب الفرق بين ثمن البطاقة وبين تكاليف إصدارها، بما في ذلك التفاوض مع المتاجر المشاركة وتسويق منتجاتها.
التقويم الشرعي:
الأصل الكلي في باب المعاملات هو الحل، لعموم قوله تعالى: ﴿إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾، وقوله جل شأنه: ﴿وأحل االله البيع وحرم الربا﴾. فكل ما كان من باب التجارة عن تراض فهو مشروع ما لم يخالطه محرم، كالربا والغرر والتدليس ونحو ذلك مما هو من أكل المال بالباطل.
وإذا كان الأصل الحل فلا يلزم البحث عن دليل للجواز، بل يكفي انتفاء دليل التحريم. فإذا تبين انتفاء الربا والغرر والغش من المعاملة فهذا كاف في الحكم بجوازها إذا كانت عن تراض.
وسنتناول أولاً اعتبار الشرع لهدف التخفيض والحصول على السلعة بأقل من ثمن المثل، ثم مدى سلامة البطاقة من المحاذير الشرعية المذكورة.
التخفيض معتبر شرعاً:
طلب الحصول على السلعة بأقل من ثمن المثل من المقاصد المعتبرة شرعاً، كما يتجلى بأوضح صورة في عقد السلم المجمع على جوازه. فمن مقاصد عقد السلم، كما ذكر الفقهاء، حصول المشتري على السلعة بأقل من ثمنها الحاضر، أو الاسترخاص كما عبر عنه الموفق ابن قدامة (المغني ٦/٣٨٥) كما نص الفقهاء على أن المضارب من شأنه طلب الاسترخاص لتحقيق الربح (انظر: المنتقى شرح الموطأ، ٥/١٦٤). ولذلك منع بعض الفقهاء أن يشتري الوكيل بالبيع لنفسه، قالوا: لتضاد غرض الاسترخاص للمشتري والاستقصاء للبائع (انظر: المغني ٧/٢٣١).
فليس طلب الاسترخاص في نفسه أمراً مذموماً أو مناف لقواعد الشريعة وأصولها. وإنما المذموم أكل المال بالباطل والإضرار بالآخرين، فإذا انتفى ذلك لم يكن في تحقيق هذا الهدف محذور.
الربا:
مدار الربا على مبادلة النقد بالنقد أو مال ربوي بجنسه. فكل مبادلة من هذا الباب فهي تخضع لحديث عبادة بن الصامت رضي االله عنه عن النبي صلى االله عليه وسلم في مبادلة الأموال الربوية، وهو حديث متواتر.
وبطاقة التخفيض مدفوعة الثمن لا تنتهي إلى نقد بنقد. فالمشترك إذا دفع ثمن البطاقة لا يحصل مقابل الاشتراك على نقد يستلمه من التاجر بل على سلعة بثمن أقل من ثمن المثل. ولا يعد هذا من النقد بالنقد لأنه لا يقبض نقداً مقابل الاشتراك، ولا يرضى التاجر أن يعطيه نقداً، بل يعطيه سلعة بأقل من ثمن المثل. ومقصود التخفيض أصلاً هو البيع وليس الإقراض أو التمويل. فالمعاملة لا يدخلها الربا لا من حيث الصورة ولا من حيث الحقيقة. ولهذا لا يوجد من جهة الربا ما يمنع من البطاقة الثنائية، أي أن يكون مصدر البطاقة هو التاجر البائع. بل إن مظنة الغش والتدليس في الثنائية أقل بكثير منها في الثلاثية، كما سيأتي. وإنما يمكن أن يقع الربا في البطاقة الثلاثية، وذلك إذا تعهد المصدر بتقديم التخفيض المطلوب إذا رفض التاجر تخفيض الثمن للمشترك، كما أشار لذلك فضيلة الشيخ بكر أبو زيد (بطاقة التخفيض، ص٢٠) ففي هذه الحالة يقع مبادلة لنقد، هو ثمن الاشتراك، مقابل نقد، هو مبلغ التخفيض الذي يدفعه المصدر للمشترك. ويمكن تجنب هذا الإشكال بأن يتعهد المصدر برد قيمة الاشتراك وفسخ العقد إذا رفض التاجر منح التخفيض المطلوب، وهذا من باب استرداد الثمن وليس من معاوضة النقد بالنقد، فلا يدخله الربا. أو أن يتعهد المُصدر في هذه الحالة بتوفير السلعة بالثمن المخفض للمشترك، فينتفي النقد بالنقد ويرجع الأمر إلى مبادلة نقد بسلعة.
الغرر:
حقيقة الغرر أنه مبادلة احتمالية تؤدي إلى انتفاع أحد الطرفين على حساب الآخر. ولا خلاف بين الفقهاء في منع هذا النوع من المبادلات، وإنما يقع الإشكال إذا كانت المعاملة تحتمل انتفاع الطرفين، وتحتمل أيضاً انتفاع أحدهما وتضرر الآخر. فانتفاع الطرفين نتيجة إيجابية لا يمنعها الشرع بل هي مقصود ٥ كل المبادلات النافعة. وانتفاع أحد الطرفين على حساب الآخر نتيجة صفرية ممنوعة شرعاً لأنها أكل للمال بالباطل. فإذا وجدت مبادلة تحتمل النتيجة الإيجابية وتحتمل النتيجة الصفرية، فالعبرة بالأغلب من هذين الاحتمالين. فإذا كان احتمال النتيجة الصفرية التي تتضمن أكل المال بالباطل كبيراً كان ذلك من الغرر الكثير الفاحش الذي يفسد المعاملة. وإذا كان احتمال النتيجة الإيجابية التي ينتفع بها كلا الطرفين هو الأرجح وهو المقصود من المعاملة، كانت المعاملة جائزة شرعاً وإن تضمنت احتمال النتيجة الصفرية. لكن لما كانت النتيجة الصفرية في هذه الحالة قليلة الوقوع وغير مقصودة للطرفين، كانت من الغرر اليسير المغتفر شرعاً.
ومن الأمثلة على ذلك:
١ .عقد المزارعة. فإن المزارع في المزارعة يتحمل تكاليف الزراعة والري والأسمدة والحصاد إلخ، بينما لا يتحمل رب الأرض من هذه التكاليف شيئاً (راجع: المغني، ٧/١٤٩-١٥٠ ،٥٣٦ ،٥٣٩ ) ثم يقتسم الطرفان المحصول بينهما بحسب الاتفاق. والمحصول قد يكون كثيراً وقد يكون قليلاً. فإن كان كثيراً أمكن للمزارع أن يعوض التكاليف التي تحملها من الزراعة فيكون رابحاً. وإن كان قليلاً فقد تكون تكاليف الزراعة أكثر من قيمة نصيب المزارع من المحصول فيكون خاسراً. أي أن المزارعة قد تؤدي إلى انتفاع الطرفين، رب الأرض والمزارع، وهذا هو مقصود المعاملة ابتداء. وقد تؤدي إلى انتفاع رب الأرض وتضرر المزارع. ولكن هذا الاحتمال غير مقصود للطرفين، فيكون من الغرر اليسير المغتفر شرعاً.
٢ .ولهذا أجاز شيخ الإسلام اشتراط رب المال في المضاربة أن تكون الزكاة من الربح، ولو تضمن ذلك احتمال ألا يحصل المضارب على شئ. وجعل ذلك نظير ما يمكن أن يقع في المساقاة إذا لم يثمر الشجر، فينتفع رب الشجر ولا ينتفع العامل (الاختيارات، ص١٤٦-١٤٧).
٣ .ومن هذا الباب أيضاً عقد الجعالة. فإن العامل في الجعالة قد يتكلف في إنجاز العمل المعقود عليه ثم لا يتمه لأي سبب من الأسباب، فلا يستحق من الجاعل شيئاً، إذ الجعل مشروط بإتمام العمل. وإذا ترك العامل العمل قبل تمامه فقد ينتفع الجاعل بما أتم منه، كما لو اتفقا على أنه إذا حفر ووجد الماء فله كذا، أو إذا بنى الحائط وأتمه فله كذا. فحفر قدراً معيناً فلم يجد شيئاً، أو شرع في البناء ثم عجز فانصرف. فيمكن للجاعل أن يتم الحفر أو يتم البناء، فيكون قد انتفع بعمل العامل دون مقابل. فالجعالة تحتمل انتفاع كلا الطرفين إذا أتم العامل العمل، وتحتمل انتفاع الجاعل وخسارة العامل إذا لم يتمه. ولكن لما كان مقصود العقد هو انتفاع الطرفين، اغتفر الاحتمال الآخر وعُد من الغرر اليسير. ولهذا كانت الجعالة مشروعة عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة. أما الحنفية فنظروا إلى احتمال تضرر العامل إذا لم يتم العمل ولذلك عدوا الجعالة من الغرر (انظر: الجعالة وأحكامها، للجميلي). كما منع المالكية الجعالة إذا كان الجاعل قد ينتفع بعمل العامل قبل الإتمام (المقدمات لابن رشد، ٢/١٨٠) وهذا الاعتبار صحيح إذا كانت هذه النتيجة الصفرية هي الغالب أو هي المقصود من العقد. لكن إذا كان المقصود الغالب هو النتيجة الإيجابية التي ينتفع بها الطرفان، فهي جائزة. ولهذا لم يشترط الشافعية والحنابلة هذا الشرط (انظر: روضة الطالبين 5/274، الكافي2/409)
٤ .ومما يوضح ذلك بيع الثمر قبل اكتمال صلاحه. فقد كان الصحابة رضي االله عنهم يتبايعون الثمر قبل بدو الصلاح، فكان الثمر قد تصيبه آفة تتلفه فيتضرر المشتري، فكثرت فيهم الخصومة من أجل ذلك. فلما رأى النبي صلى االله عليه وسلم ذلك قال: "فإما لا فلا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحه" (رواه البخاري تعليقاً وأبو داود). فبيع الثمر قبل بدو الصلاح كان من الغرر الفاحش لأن احتمال تلف الثمر، ومن ثم تضرر المشتري وانتفاع البائع، كان كثيراً، مما أوقع الخصومة والتنازع بين المتبايعين. فأمرهم صلى االله عليه وسلم ألا يبيعوا إلا بعد بدو الصلاح. وبدو الصلاح يجعل احتمال تلف الثمر قليلاً، فيكون الغالب هو سلامة الثمر ومن ثم انتفاع الطرفين: البائع والمشتري. ولكن بدو الصلاح لا يضمن بطبيعة الحال ألا يتلف من الثمرة شيء، لكنه احتمال ضعيف فهو من الغرر اليسير المغتفر.
٥ .ويدخل في هذا الباب أيضاً بيع العربون الذي يجيزه الإمام أحمد ويمنعه الجمهور. وذلك أن البيع يتردد بين انتفاع الطرفين إذا أمضى المشتري البيع، وبين انتفاع البائع وخسارة المشتري إذا ألغى البيع وخسر المشتري العربون. لكن مجرد احتمال النتيجة الصفرية لا يستلزم أن تكون المعاملة من الغرر الممنوع، لأن المقصود من بيع العربون هو البيع الذي يحقق مصلحة الطرفين. فإذا كان المقصود هو انتفاع الطرفين، كان احتمال خسارة المشتري من الغرر اليسير المغتفر. أما إذا كان المقصود هو النتيجة الصفرية، أو كان انتفاع الطرفين متعذراً (كما هو الحال في الاختيارات المالية– financial options) فهو حينئذ من الغرر الفاحش، وبهذا يمكن الجمع بين قول الجمهور وقول الإمام أحمد، رحمة االله على الجميع.
وجه دخول الغرر في بطاقة التخفيض:
بطاقة التخفيض مدفوعة الثمن يدخلها الغرر من جهة أن المشترك قد لا يشتري من المتاجر المشاركة شيئاً، أو يشتري بما يخوله خصماً أقل من ثمن البطاقة. وفي هذه الحالة يكون المشترك قد دفع ثمناً ولم يحصل مقابله على ما ينتفع به، فيكون من أكل المال بالباطل. أما إذا اشترى العميل بما يجعله يحصل على خصم يفوق ثمن البطاقة، فهذا يحقق مصلحة العميل بلا شك. لكن هل يتضرر التاجر من ذلك؟ الذي يظهر أن التاجر لا يتضرر، لأن هدف البطاقة ابتداء هو جذب العملاء للشراء. فكلما كثرالشراء انتفع التاجر. ولا يضره نسبة التخفيض لأن الثمن يتضمن ربحاً حتى بعد التخفيض. كما أن كثرة الشراء تجبر مقدار التخفيض، ولهذا كان ثمن الجملة أقل من ثمن التجزئة، فإذا ازدادت مبيعات التاجر كان أكثر استعداداً لتخفيض الثمن. ونظير ذلك أن المجالات الدورية المطبوعة قد تحدد ثمناً كبيراً للنسخة الواحدة، بينما يبلغ ثمن النسخة في حالة الاشتراك السنوي أقل بكثير من ثمن النسخة المفردة. وذلك أن الناشر يفضل تحصيل الاشتراكات لضمان استمرارية المطبوعة، ولهذا يرفع ثمن النسخة المفردة ويقلل ثمن النسخة ضمن الاشتراك. فالتخفيض هنا مقصود للناشر ومن مصلحته أصلاً. فلا يستغرب إذن أن يرفع التاجر ثمن السلعة للمشتري غير المشترك ويخفضه للمشترك ليضمن ثبات واستمرار مبيعاته لقاعدة معروفة من العملاء. وبناء على ذلك فالغرر إنما يدخل المعاملة من جهة واحدة فيما إذا لم ينتفع العميل بالبطاقة فيضيع عليه ما دفعه دون مقابل.
مقدار الغرر:
وإذا كان شراء البطاقة قد يحقق مصلحة الأطراف المشتركة، وقد يحقق مصلحة المصدر على حساب العميل، فهل هذا من الغرر اليسير أو هو من الغرر الفاحش؟ الجواب عن هذا السؤال يتعلق بتحقيق المناط أو بمعرفة واقع المعاملة من حيث الغالب. فإذا كان الغالب أن المشترك يحتاج للسلع محل التخفيض، وأنه من ثم سينتفع بالبطاقة بما يعوض الثمن الذي دفعه، لم تدخل المعاملة في الغرر الممنوع. وإن كان المشترك لا يحتاج لهذه السلع غالباً، فشراء البطاقة حينئذ يرجح احتمال ضياع الثمن، مما يجعل المعاملة تدخل في حيز الغرر الممنوع. وبهذا يتبين وجه قول من يمنع البطاقة، ووجه قول من يجيزها. فالخلاف إذن يرجع في حقيقته إلى تحقيق المناط، لا أصل المعاملة. فمدار الحكم إذن يتوقف على مدى حاجة المشترك للسلع المعروضة، ومقدار ما يفوته إذا لم ينتفع بالتخفيض. وبناء على ذلك يمكن اقتراح عدد من الضوابط التي تقلل احتمال خسارة المشترك وترجح احتمال انتفاع الأطراف جميعها.
ضوابط مقترحة لتجنب الغرر:
١ .أن يكون التخفيض الممنوح حقيقياً ولا يمنح لغير المشترك في البطاقة أو من هو في حكمه.
٢ .أن يقدم مصدر البطاقة دليلاً تفصيلياً للسلع والخدمات محل التخفيض، يتضمن وصفها وصورتها واستعمالها، والمتاجر أو الفروع التي تبيعها مع عناوينها وأرقامها، بالإضافة للثمن الذي تباع به هذه السلع فعلاً، ومقدار الخصم الذي يستفيده المشترك. والهدف من ذلك أن يكون العميل على بينة مقدماً من نوعية السلع والخدمات محل التخفيض، ومدى ملاءمتها لاحتياجاته مستقبلاً.
٣ .أن يكون للمشترك الخيار إذا لم يستخدم البطاقة خلال فترة محددة إما في استرجاع قيمة الاشتراك، أو أن يستبدل بقيمتها سلعاً وخدمات دون تخفيض. والهدف منع خسارة المشترك لقيمة البطاقة دون أن ينتفع بها، ومن ثم تضييق دائرة الغرر قدر الإمكان.
٤ .أن يكون للمشترك الحق في الحصول على البطاقة إما بدفع قيمتها استقلالاً أو بشراء كمية من السلع والخدمات تتجاوز قيمتها حداً معيناً بدون تخفيض. والهدف هو ربط التخفيض بالشراء الحقيقي وعدم تحميل العميل تكاليف إضافية للحصول على البطاقة.
وفي وجود هذه الضوابط يترجح انتفاع الأطراف المشاركة جميعها، ومن ثم اغتفار ما يدخلها من احتمال خسارة المشترك، كما اغتفر احتمال خسارة المشتري في بيع العربون ونحوه من الفروع التي سبقت الإشارة إليها. عمل الوسيط وإذا كان مصدر البطاقة وسيطاً فإن ثمن البطاقة مقابل توسطه في الحصول على التخفيض للمشترك. وليس هناك ما يمنع من ذلك. وقد أجاز بعض أهل العلم، كالإمام أحمد وغيره، التوسط للحصول على القرض بمقابل، فيقول الرجل لآخر: اقترض لي مائة ولك عشرة (المغني ٦/٤٤١ ) فإذا جاز ذلك في القرض، مع ما قد يرد عليه من اجتماع السلف والبيع، فمن باب أولى جواز التوسط للحصول على التخفيض. وذلك أن التخفيض لا ينتهي بنقد، بل بسلعة بأقل من ثمن المثل، كما سبق. فإذا جاز التوسط للحصول على القرض، فالتوسط للحصول على التخفيض أولى بالجواز. وإنما يرد الإشكال إما من جهة عدم تحديد السلعة مسبقاً، وما يترتب على ذلك من احتمال الوقوع في الغرر، كما سبق. أو من جهة كون الاشتراك سابقاً على حصول التخفيض، مما قد يجعل الوسيط يخل بالتـزاماته أمام المشترك، وهو موضوع الفقرة التالية.
الغش والتغرير:
إذا التـزم المُصدر للبطاقة بواجباته، يمكن أن يُعد الغرر من جهة المشترك يسيراً. لكن ماذا عن إخلال المصدر بالتـزاماته والتغرير بالمشتركين من خلال عروض "التخفيض الوهمي"؟
الواقع أن بطاقة التخفيض، خاصة الثلاثية، يكثر فيها للأسف الغش والتغرير بصورة ملفتة. وعامة حالات "التخفيض الوهمي" هي من النوع الثلاثي. وسبب ذلك واضح: فإن الوسيط إذا قبض ثمن البطاقة لم يكن لديه كبير اهتمام لمتابعة التخفيضات لدى التجار المشاركين. كما أن التاجر نفسه ليس لديه حافز لتقديم التخفيض إذا كان المستفيد طرفاً ثالثاً. ولهذا نجد أن البطاقات من هذا النوع تقدم تخفيضات ليس على الثمن الفعلي الذي تباع به السلعة، بل على الثمن الرسمي أو الدفتري (بالنسبة للفنادق يسمى السعر المعلن: rack rate or published rate ) فإذا قدم العميل البطاقة خصم له التاجر من الثمن الرسمي، في حين أن الثمن الفعلي قد يكون أقل من الثمن الرسمي حتى بعد الخصم. فتكون النتيجة أن المشترك يدفع ثمناً أعلى من الثمن الذي يدفعه غير المشترك، فيضيع ثمن الاشتراك بدون مقابل، بل قد يكون سبباً لتحمل المزيد من الخسارة. ولهذا كان هذا النوع من البطاقات قليل الفائدة في الواقع العملي، إن لم يكن عديم الجدوى. لكن هذا النوع من التلاعب لا يوجد في البطاقة الثنائية، كما هو مشاهد. إذ أن التاجر المصدر للبطاقة من مصلحته استقطاب العملاء وترغيبهم فيما عنده، فهو المستفيد من البطاقة أولاً وأخيراً، ولا يزاحمه في ذلك من هو أجنبي عنه. ولذلك فمن مصلحته الالتزام بالتخفيض على الثمن الفعلي لأن هذا يرسخ ولاء العميل للتاجر.
وإذا كان الغش كثير الوقوع في بطاقات التخفيض الثلاثية فهذا يقتضي فرض المزيد من القيود على هذا النوع خصوصاً لتلافي هذه المحاذير. وربما كان من المصلحة اشتراط أن يكون المُصدر هو نفسه تاجراً، مع إمكانية أن يقوم بالتنسيق مع متاجر أخرى لتشترك في تقديم التخفيض على بضائعها. فكَون المصدر هو نفسه تاجراً يحقق حداً أدنى من ضمان حقوق المشترك في البطاقة وتجنب التلاعب أو الغش في الحصول على التخفيض. كما أنه يجعل المصدر ملتـزماً بتعويض المشترك إذا رفض أحد التجار المشاركين تخفيض الثمن. ففي هذه الحالة يستطيع التاجر المصدر تعويض العميل من خلال السلع التي يعرضها في متجره، وليس من خلال دفع مبلغ التخفيض. وهذا يحقق هدفين في وقت واحد: ضمان حق المشترك وتجنب الوقوع في الربا، كما سبقت الإشارة إليه.
أما إذا كان المُصدر جهة خيرية فربما يوجد لدى التاجر حوافز كافية للالتـزام بالتخفيض في هذه الحالة، ولعل هذا يخفف من مشكلة الغش حينئذ بما يضمن حقوق المشتركين.
البطاقة المجانية:
إذا جاز إصدار البطاقة مقابل ثمن يدفعه المشترك استقلالاً، فمن باب أولى جوازها إذا كانت مجانية أو تبعاً لخدمات مشروعة أخرى يحصل عليها العميل.
تداول البطاقة:
إذا جاز إصدار بطاقة التخفيض مقابل ثمن، فهل يجوز للمشترك أن يبيعها لطرف ثالث؟ الأصل أنه إذا جاز الشراء جاز البيع، والحصول على البطاقة مقابل ثمن يُعد شراءً، فيجوز إذن للمشترك بيعها لغيره. كما أن البطاقة تمثل حقاً في سلع وخدمات، وليس في نقود. والأصل أن الحق له حكم ما يتعلق به. فإذا كان الحق يتعلق بسلعة كان بيعه حكمه حكم بيع هذه السلعة، وإذا كان الحق يمثل نقوداً أو ديوناً في الذمة، كان له حكم بيع النقود والديون. وبطاقة التخفيض تمثل الحق في الحصول على سلعة بأقل من ثمن المثل، ولا تمثل نقوداً في ذمة المُصدر، فبيعها حكمه حكم بيع السلعة نفسها، وهو جائز إذا كانت السلعة في نفسها حلالاً.
وإنما يشترط ألا يربح فيها إذا باعها، لأنه ربح لما لم يدخل في ضمانه، فيشمله نهي النبي صلى االله عليه وسلم عن ربح ما لم يُضمن. وهذا إذا كان البيع والشراء كلاهما بنقد. أما إذا اشتراها بنقد ثم باعها بسلعة، فله أن يبيع بما يتراضيان عليه. وذلك أن العبرة بما تنتهي إليه المبادلة، فإن اشترى بنقد ثم باع بنقد، وجب ألا يحصل على زيادة دون حصول الضمان، لأن هذا هو الربا. لكن إن اشترى بنقد ثم باع بسلعة أو العكس، كان حاصله مبادلة نقد بسلعة، ولا محذور في ذلك. وإذا كان قد حصل على البطاقة مجاناً فله أن يبيعها بما شاء لأن النهي عن ربح ما لم يضمن خاص بما ملكه بالشراء، فإذا ملكه بهبة أو ميراث ونحوه جاز له بيعه مطلقاً، واالله أعلم.
الخلاصة:
١ .بطاقة التخفيض هي بطاقة تخول صاحبها الحصول على سلع وخدمات محددة من متاجر معينة بأقل من ثمن المثل بنسبة محددة.
٢ . مُصدر البطاقة قد يكون متجراً وقد يكون وسيطاً بين المشترك وبين المتجر. وفي الحالتين قد تمنح البطاقة مقابل ثمن محدد أو تبعاً لخدمات أخرى.
٣ .البطاقة من حيث المبدأ لا تدخل في الربا لأنها لا تهدف لمبادلة النقد بالنقد، وإنما مبادلة نقد بسلعة بأقل من ثمن المثل.
٤ .البطاقة مدفوعة الثمن قد يدخلها الغرر إذا كان المشترك لا يحتاج للسلع والخدمات محل التخفيض، فيكون الثمن الذي دفعه دون مقابل.
٥ .لتقليل احتمال الغرر هذا ينبغي مراعاة الضوابط الآتية:
• أن يكون التخفيض الممنوح حقيقياً ولا يمنح لغير المشترك في البطاقة أو من هو في حكمه.
• أن يقدم مصدر البطاقة دليلاً تفصيلياً لأنواع السلع والخدمات محل التخفيض، والمتاجر التي تبيعها مع عناوينها وأرقامها، بالإضافة للثمن الذي تباع به هذه السلع في حينه، ومقدار الخصم الذي يستفيده المشترك.
• أن يكون للمشترك الخيار إذا لم يستخدم البطاقة مطلقاً خلال فترة محددة إما في استرجاع قيمة الاشتراك، أو في شراء سلع وخدمات بما يعادل قيمة الاشتراك دون تخفيض.
• أن يكون للمشترك الحق في الحصول على البطاقة إما بدفع قيمتها استقلالاً أو بشراء كمية من السلع والخدمات تتجاوز قيمتها حداً معيناً بدون الخصم.
• أن يتعهد المُصدر بتوفير السلعة بالثمن المخفض إذا رفض التاجر المشارك تقديم التخفيض، وإلا فللمشترك الحق في فسخ العقد واسترداد ثمن البطاقة.
٦ .يجب التحذير من بطاقات التخفيض الوهمية التي تغري المشترك بالتخفيض، لكنها لا تحقق منه شيئا ،فهذا من الغش والخداع وأكل المال بالباطل.
٧ .لتجنب احتمال الغش من جهة المُصدر، يُفضل أن يقتصر حق إصدار بطاقات التخفيض على المتاجر الموثوقة. وعلى أقل الأحوال يشترط أن يكون المُصدر ذا ملاءة مالية عالية تمكنه من ضمان حقوق المشتركين.
٨ . في ضوء الضوابط السابقة يترجح واالله أعلم جواز البطاقة، لرجحان انتفاع الأطراف المشاركة. ويبقى احتمال عدم انتفاع المشترك من باب الغرر اليسير المغتفر إن شاء االله. كما يبقى احتمال الغش والتدليس من جهة المُصدر في أدنى حدوده إذا طبقت الضوابط بالشكل المطلوب.
واالله تعالى أعلم، والحمد الله رب العالمين
فهذه ورقات حول التخفيض ومدى شرعيتها في ضوء الشريعة الإسلامية ، بناء على طلب أمانة مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة .
وقد سبقت عدة دراسات حول البطاقة (انظر مثلاً: بطاقة التخفيض لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد؛ الحوافز التجارية لخالد المصلح ص١٧٩-١٩٢). وتهدف هذه الدراسة إلى تأصيل الموضوع وربطه بأصول المبادلات التي قررتها الشريعة الإسلامية المطهرة، واقتراح جملة من الضوابط التي تنأى بهذه المعاملة عن المحاذير الشرعية إن شاء االله.
نسأل االله تعالى أن يلهمنا الحق والصواب، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، إنه سميع مجيب.
التعريف:
بطاقة التخفيض: هي بطاقة تخول صاحبها الحصول على تخفيض بنسبة محددة من أثمان السلع أو الخدمات التي يشتريها من متاجر محددة.
أنواعها:
وهي من حيث مُصدرها نوعان: ثنائية وثلاثية. فالثنائية هي التي يصدرها متجر معين لعملائه، بحيث يحصل حامل البطاقة على تخفيض في الثمن من السلع التي يشتريها من هذا المتجر وفروعه. أما الثلاثية فيصدرها وسيط يتولى الاتفاق مع مجموعة من المتاجر لهذا الغرض، ثم يقوم بتسويق البطاقة لمن يرغب الاشتراك. ويحصل المشترك على تخفيض محدد عند شرائه من أي من هذه المتاجر التي تم الاتفاق معها.
والوسيط قد يكون مقصوده الربح، وقد يكون جهة خيرية مقصودها جمع التبرعات لأغراض خيرية. وهي من حيث الثمن إما أن تكون بثمن نقدي محدد. وإما أن تكون مجانية توزع تبعاً لمنتجات أو خدمات أخرى. فتوزعها مثلاً بعض المصارف لعملائها المودعين لديها، أو توزعها بعض المتاجر إذا اشترى العميل منها بما يتجاوز مبلغاً معيناً. وقد توزع إهداء دون ارتباط بأي خدمات أخرى.
الهدف من البطاقة:
الهدف من البطاقة هو ترغيب المشتركين في الشراء من المتاجر المصدرة أو المشاركة فيها. فالمشترك إذا علم أنه سيحصل على تخفيض من المتجر المصدر أو المتاجر المشاركة، فسيفضل التوجه إليها للاستفادة من هذا الخصم وتوفير كلفة الشراء. وإذا كان قد دفع مقدماً أصبح لديه حافز إضافي لتفضيل المتاجر المشاركة لكي لا يذهب ما دفعه هباء.
وأما المتجر فهو يستفيد من ترغيب العملاء المشتركين في الشراء من عنده، ومن ثم زيادة المبيعات. وإذا كان هو المصدر للبطاقة فإنه يستفيد بناء علاقات مستقرة مع العملاء ليتجنب التذبذب والتقلب في الإيرادات. وفي حالة كون المصدر وسيطاً، فإنه يكسب الفرق بين ثمن البطاقة وبين تكاليف إصدارها، بما في ذلك التفاوض مع المتاجر المشاركة وتسويق منتجاتها.
التقويم الشرعي:
الأصل الكلي في باب المعاملات هو الحل، لعموم قوله تعالى: ﴿إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾، وقوله جل شأنه: ﴿وأحل االله البيع وحرم الربا﴾. فكل ما كان من باب التجارة عن تراض فهو مشروع ما لم يخالطه محرم، كالربا والغرر والتدليس ونحو ذلك مما هو من أكل المال بالباطل.
وإذا كان الأصل الحل فلا يلزم البحث عن دليل للجواز، بل يكفي انتفاء دليل التحريم. فإذا تبين انتفاء الربا والغرر والغش من المعاملة فهذا كاف في الحكم بجوازها إذا كانت عن تراض.
وسنتناول أولاً اعتبار الشرع لهدف التخفيض والحصول على السلعة بأقل من ثمن المثل، ثم مدى سلامة البطاقة من المحاذير الشرعية المذكورة.
التخفيض معتبر شرعاً:
طلب الحصول على السلعة بأقل من ثمن المثل من المقاصد المعتبرة شرعاً، كما يتجلى بأوضح صورة في عقد السلم المجمع على جوازه. فمن مقاصد عقد السلم، كما ذكر الفقهاء، حصول المشتري على السلعة بأقل من ثمنها الحاضر، أو الاسترخاص كما عبر عنه الموفق ابن قدامة (المغني ٦/٣٨٥) كما نص الفقهاء على أن المضارب من شأنه طلب الاسترخاص لتحقيق الربح (انظر: المنتقى شرح الموطأ، ٥/١٦٤). ولذلك منع بعض الفقهاء أن يشتري الوكيل بالبيع لنفسه، قالوا: لتضاد غرض الاسترخاص للمشتري والاستقصاء للبائع (انظر: المغني ٧/٢٣١).
فليس طلب الاسترخاص في نفسه أمراً مذموماً أو مناف لقواعد الشريعة وأصولها. وإنما المذموم أكل المال بالباطل والإضرار بالآخرين، فإذا انتفى ذلك لم يكن في تحقيق هذا الهدف محذور.
الربا:
مدار الربا على مبادلة النقد بالنقد أو مال ربوي بجنسه. فكل مبادلة من هذا الباب فهي تخضع لحديث عبادة بن الصامت رضي االله عنه عن النبي صلى االله عليه وسلم في مبادلة الأموال الربوية، وهو حديث متواتر.
وبطاقة التخفيض مدفوعة الثمن لا تنتهي إلى نقد بنقد. فالمشترك إذا دفع ثمن البطاقة لا يحصل مقابل الاشتراك على نقد يستلمه من التاجر بل على سلعة بثمن أقل من ثمن المثل. ولا يعد هذا من النقد بالنقد لأنه لا يقبض نقداً مقابل الاشتراك، ولا يرضى التاجر أن يعطيه نقداً، بل يعطيه سلعة بأقل من ثمن المثل. ومقصود التخفيض أصلاً هو البيع وليس الإقراض أو التمويل. فالمعاملة لا يدخلها الربا لا من حيث الصورة ولا من حيث الحقيقة. ولهذا لا يوجد من جهة الربا ما يمنع من البطاقة الثنائية، أي أن يكون مصدر البطاقة هو التاجر البائع. بل إن مظنة الغش والتدليس في الثنائية أقل بكثير منها في الثلاثية، كما سيأتي. وإنما يمكن أن يقع الربا في البطاقة الثلاثية، وذلك إذا تعهد المصدر بتقديم التخفيض المطلوب إذا رفض التاجر تخفيض الثمن للمشترك، كما أشار لذلك فضيلة الشيخ بكر أبو زيد (بطاقة التخفيض، ص٢٠) ففي هذه الحالة يقع مبادلة لنقد، هو ثمن الاشتراك، مقابل نقد، هو مبلغ التخفيض الذي يدفعه المصدر للمشترك. ويمكن تجنب هذا الإشكال بأن يتعهد المصدر برد قيمة الاشتراك وفسخ العقد إذا رفض التاجر منح التخفيض المطلوب، وهذا من باب استرداد الثمن وليس من معاوضة النقد بالنقد، فلا يدخله الربا. أو أن يتعهد المُصدر في هذه الحالة بتوفير السلعة بالثمن المخفض للمشترك، فينتفي النقد بالنقد ويرجع الأمر إلى مبادلة نقد بسلعة.
الغرر:
حقيقة الغرر أنه مبادلة احتمالية تؤدي إلى انتفاع أحد الطرفين على حساب الآخر. ولا خلاف بين الفقهاء في منع هذا النوع من المبادلات، وإنما يقع الإشكال إذا كانت المعاملة تحتمل انتفاع الطرفين، وتحتمل أيضاً انتفاع أحدهما وتضرر الآخر. فانتفاع الطرفين نتيجة إيجابية لا يمنعها الشرع بل هي مقصود ٥ كل المبادلات النافعة. وانتفاع أحد الطرفين على حساب الآخر نتيجة صفرية ممنوعة شرعاً لأنها أكل للمال بالباطل. فإذا وجدت مبادلة تحتمل النتيجة الإيجابية وتحتمل النتيجة الصفرية، فالعبرة بالأغلب من هذين الاحتمالين. فإذا كان احتمال النتيجة الصفرية التي تتضمن أكل المال بالباطل كبيراً كان ذلك من الغرر الكثير الفاحش الذي يفسد المعاملة. وإذا كان احتمال النتيجة الإيجابية التي ينتفع بها كلا الطرفين هو الأرجح وهو المقصود من المعاملة، كانت المعاملة جائزة شرعاً وإن تضمنت احتمال النتيجة الصفرية. لكن لما كانت النتيجة الصفرية في هذه الحالة قليلة الوقوع وغير مقصودة للطرفين، كانت من الغرر اليسير المغتفر شرعاً.
ومن الأمثلة على ذلك:
١ .عقد المزارعة. فإن المزارع في المزارعة يتحمل تكاليف الزراعة والري والأسمدة والحصاد إلخ، بينما لا يتحمل رب الأرض من هذه التكاليف شيئاً (راجع: المغني، ٧/١٤٩-١٥٠ ،٥٣٦ ،٥٣٩ ) ثم يقتسم الطرفان المحصول بينهما بحسب الاتفاق. والمحصول قد يكون كثيراً وقد يكون قليلاً. فإن كان كثيراً أمكن للمزارع أن يعوض التكاليف التي تحملها من الزراعة فيكون رابحاً. وإن كان قليلاً فقد تكون تكاليف الزراعة أكثر من قيمة نصيب المزارع من المحصول فيكون خاسراً. أي أن المزارعة قد تؤدي إلى انتفاع الطرفين، رب الأرض والمزارع، وهذا هو مقصود المعاملة ابتداء. وقد تؤدي إلى انتفاع رب الأرض وتضرر المزارع. ولكن هذا الاحتمال غير مقصود للطرفين، فيكون من الغرر اليسير المغتفر شرعاً.
٢ .ولهذا أجاز شيخ الإسلام اشتراط رب المال في المضاربة أن تكون الزكاة من الربح، ولو تضمن ذلك احتمال ألا يحصل المضارب على شئ. وجعل ذلك نظير ما يمكن أن يقع في المساقاة إذا لم يثمر الشجر، فينتفع رب الشجر ولا ينتفع العامل (الاختيارات، ص١٤٦-١٤٧).
٣ .ومن هذا الباب أيضاً عقد الجعالة. فإن العامل في الجعالة قد يتكلف في إنجاز العمل المعقود عليه ثم لا يتمه لأي سبب من الأسباب، فلا يستحق من الجاعل شيئاً، إذ الجعل مشروط بإتمام العمل. وإذا ترك العامل العمل قبل تمامه فقد ينتفع الجاعل بما أتم منه، كما لو اتفقا على أنه إذا حفر ووجد الماء فله كذا، أو إذا بنى الحائط وأتمه فله كذا. فحفر قدراً معيناً فلم يجد شيئاً، أو شرع في البناء ثم عجز فانصرف. فيمكن للجاعل أن يتم الحفر أو يتم البناء، فيكون قد انتفع بعمل العامل دون مقابل. فالجعالة تحتمل انتفاع كلا الطرفين إذا أتم العامل العمل، وتحتمل انتفاع الجاعل وخسارة العامل إذا لم يتمه. ولكن لما كان مقصود العقد هو انتفاع الطرفين، اغتفر الاحتمال الآخر وعُد من الغرر اليسير. ولهذا كانت الجعالة مشروعة عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة. أما الحنفية فنظروا إلى احتمال تضرر العامل إذا لم يتم العمل ولذلك عدوا الجعالة من الغرر (انظر: الجعالة وأحكامها، للجميلي). كما منع المالكية الجعالة إذا كان الجاعل قد ينتفع بعمل العامل قبل الإتمام (المقدمات لابن رشد، ٢/١٨٠) وهذا الاعتبار صحيح إذا كانت هذه النتيجة الصفرية هي الغالب أو هي المقصود من العقد. لكن إذا كان المقصود الغالب هو النتيجة الإيجابية التي ينتفع بها الطرفان، فهي جائزة. ولهذا لم يشترط الشافعية والحنابلة هذا الشرط (انظر: روضة الطالبين 5/274، الكافي2/409)
٤ .ومما يوضح ذلك بيع الثمر قبل اكتمال صلاحه. فقد كان الصحابة رضي االله عنهم يتبايعون الثمر قبل بدو الصلاح، فكان الثمر قد تصيبه آفة تتلفه فيتضرر المشتري، فكثرت فيهم الخصومة من أجل ذلك. فلما رأى النبي صلى االله عليه وسلم ذلك قال: "فإما لا فلا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحه" (رواه البخاري تعليقاً وأبو داود). فبيع الثمر قبل بدو الصلاح كان من الغرر الفاحش لأن احتمال تلف الثمر، ومن ثم تضرر المشتري وانتفاع البائع، كان كثيراً، مما أوقع الخصومة والتنازع بين المتبايعين. فأمرهم صلى االله عليه وسلم ألا يبيعوا إلا بعد بدو الصلاح. وبدو الصلاح يجعل احتمال تلف الثمر قليلاً، فيكون الغالب هو سلامة الثمر ومن ثم انتفاع الطرفين: البائع والمشتري. ولكن بدو الصلاح لا يضمن بطبيعة الحال ألا يتلف من الثمرة شيء، لكنه احتمال ضعيف فهو من الغرر اليسير المغتفر.
٥ .ويدخل في هذا الباب أيضاً بيع العربون الذي يجيزه الإمام أحمد ويمنعه الجمهور. وذلك أن البيع يتردد بين انتفاع الطرفين إذا أمضى المشتري البيع، وبين انتفاع البائع وخسارة المشتري إذا ألغى البيع وخسر المشتري العربون. لكن مجرد احتمال النتيجة الصفرية لا يستلزم أن تكون المعاملة من الغرر الممنوع، لأن المقصود من بيع العربون هو البيع الذي يحقق مصلحة الطرفين. فإذا كان المقصود هو انتفاع الطرفين، كان احتمال خسارة المشتري من الغرر اليسير المغتفر. أما إذا كان المقصود هو النتيجة الصفرية، أو كان انتفاع الطرفين متعذراً (كما هو الحال في الاختيارات المالية– financial options) فهو حينئذ من الغرر الفاحش، وبهذا يمكن الجمع بين قول الجمهور وقول الإمام أحمد، رحمة االله على الجميع.
وجه دخول الغرر في بطاقة التخفيض:
بطاقة التخفيض مدفوعة الثمن يدخلها الغرر من جهة أن المشترك قد لا يشتري من المتاجر المشاركة شيئاً، أو يشتري بما يخوله خصماً أقل من ثمن البطاقة. وفي هذه الحالة يكون المشترك قد دفع ثمناً ولم يحصل مقابله على ما ينتفع به، فيكون من أكل المال بالباطل. أما إذا اشترى العميل بما يجعله يحصل على خصم يفوق ثمن البطاقة، فهذا يحقق مصلحة العميل بلا شك. لكن هل يتضرر التاجر من ذلك؟ الذي يظهر أن التاجر لا يتضرر، لأن هدف البطاقة ابتداء هو جذب العملاء للشراء. فكلما كثرالشراء انتفع التاجر. ولا يضره نسبة التخفيض لأن الثمن يتضمن ربحاً حتى بعد التخفيض. كما أن كثرة الشراء تجبر مقدار التخفيض، ولهذا كان ثمن الجملة أقل من ثمن التجزئة، فإذا ازدادت مبيعات التاجر كان أكثر استعداداً لتخفيض الثمن. ونظير ذلك أن المجالات الدورية المطبوعة قد تحدد ثمناً كبيراً للنسخة الواحدة، بينما يبلغ ثمن النسخة في حالة الاشتراك السنوي أقل بكثير من ثمن النسخة المفردة. وذلك أن الناشر يفضل تحصيل الاشتراكات لضمان استمرارية المطبوعة، ولهذا يرفع ثمن النسخة المفردة ويقلل ثمن النسخة ضمن الاشتراك. فالتخفيض هنا مقصود للناشر ومن مصلحته أصلاً. فلا يستغرب إذن أن يرفع التاجر ثمن السلعة للمشتري غير المشترك ويخفضه للمشترك ليضمن ثبات واستمرار مبيعاته لقاعدة معروفة من العملاء. وبناء على ذلك فالغرر إنما يدخل المعاملة من جهة واحدة فيما إذا لم ينتفع العميل بالبطاقة فيضيع عليه ما دفعه دون مقابل.
مقدار الغرر:
وإذا كان شراء البطاقة قد يحقق مصلحة الأطراف المشتركة، وقد يحقق مصلحة المصدر على حساب العميل، فهل هذا من الغرر اليسير أو هو من الغرر الفاحش؟ الجواب عن هذا السؤال يتعلق بتحقيق المناط أو بمعرفة واقع المعاملة من حيث الغالب. فإذا كان الغالب أن المشترك يحتاج للسلع محل التخفيض، وأنه من ثم سينتفع بالبطاقة بما يعوض الثمن الذي دفعه، لم تدخل المعاملة في الغرر الممنوع. وإن كان المشترك لا يحتاج لهذه السلع غالباً، فشراء البطاقة حينئذ يرجح احتمال ضياع الثمن، مما يجعل المعاملة تدخل في حيز الغرر الممنوع. وبهذا يتبين وجه قول من يمنع البطاقة، ووجه قول من يجيزها. فالخلاف إذن يرجع في حقيقته إلى تحقيق المناط، لا أصل المعاملة. فمدار الحكم إذن يتوقف على مدى حاجة المشترك للسلع المعروضة، ومقدار ما يفوته إذا لم ينتفع بالتخفيض. وبناء على ذلك يمكن اقتراح عدد من الضوابط التي تقلل احتمال خسارة المشترك وترجح احتمال انتفاع الأطراف جميعها.
ضوابط مقترحة لتجنب الغرر:
١ .أن يكون التخفيض الممنوح حقيقياً ولا يمنح لغير المشترك في البطاقة أو من هو في حكمه.
٢ .أن يقدم مصدر البطاقة دليلاً تفصيلياً للسلع والخدمات محل التخفيض، يتضمن وصفها وصورتها واستعمالها، والمتاجر أو الفروع التي تبيعها مع عناوينها وأرقامها، بالإضافة للثمن الذي تباع به هذه السلع فعلاً، ومقدار الخصم الذي يستفيده المشترك. والهدف من ذلك أن يكون العميل على بينة مقدماً من نوعية السلع والخدمات محل التخفيض، ومدى ملاءمتها لاحتياجاته مستقبلاً.
٣ .أن يكون للمشترك الخيار إذا لم يستخدم البطاقة خلال فترة محددة إما في استرجاع قيمة الاشتراك، أو أن يستبدل بقيمتها سلعاً وخدمات دون تخفيض. والهدف منع خسارة المشترك لقيمة البطاقة دون أن ينتفع بها، ومن ثم تضييق دائرة الغرر قدر الإمكان.
٤ .أن يكون للمشترك الحق في الحصول على البطاقة إما بدفع قيمتها استقلالاً أو بشراء كمية من السلع والخدمات تتجاوز قيمتها حداً معيناً بدون تخفيض. والهدف هو ربط التخفيض بالشراء الحقيقي وعدم تحميل العميل تكاليف إضافية للحصول على البطاقة.
وفي وجود هذه الضوابط يترجح انتفاع الأطراف المشاركة جميعها، ومن ثم اغتفار ما يدخلها من احتمال خسارة المشترك، كما اغتفر احتمال خسارة المشتري في بيع العربون ونحوه من الفروع التي سبقت الإشارة إليها. عمل الوسيط وإذا كان مصدر البطاقة وسيطاً فإن ثمن البطاقة مقابل توسطه في الحصول على التخفيض للمشترك. وليس هناك ما يمنع من ذلك. وقد أجاز بعض أهل العلم، كالإمام أحمد وغيره، التوسط للحصول على القرض بمقابل، فيقول الرجل لآخر: اقترض لي مائة ولك عشرة (المغني ٦/٤٤١ ) فإذا جاز ذلك في القرض، مع ما قد يرد عليه من اجتماع السلف والبيع، فمن باب أولى جواز التوسط للحصول على التخفيض. وذلك أن التخفيض لا ينتهي بنقد، بل بسلعة بأقل من ثمن المثل، كما سبق. فإذا جاز التوسط للحصول على القرض، فالتوسط للحصول على التخفيض أولى بالجواز. وإنما يرد الإشكال إما من جهة عدم تحديد السلعة مسبقاً، وما يترتب على ذلك من احتمال الوقوع في الغرر، كما سبق. أو من جهة كون الاشتراك سابقاً على حصول التخفيض، مما قد يجعل الوسيط يخل بالتـزاماته أمام المشترك، وهو موضوع الفقرة التالية.
الغش والتغرير:
إذا التـزم المُصدر للبطاقة بواجباته، يمكن أن يُعد الغرر من جهة المشترك يسيراً. لكن ماذا عن إخلال المصدر بالتـزاماته والتغرير بالمشتركين من خلال عروض "التخفيض الوهمي"؟
الواقع أن بطاقة التخفيض، خاصة الثلاثية، يكثر فيها للأسف الغش والتغرير بصورة ملفتة. وعامة حالات "التخفيض الوهمي" هي من النوع الثلاثي. وسبب ذلك واضح: فإن الوسيط إذا قبض ثمن البطاقة لم يكن لديه كبير اهتمام لمتابعة التخفيضات لدى التجار المشاركين. كما أن التاجر نفسه ليس لديه حافز لتقديم التخفيض إذا كان المستفيد طرفاً ثالثاً. ولهذا نجد أن البطاقات من هذا النوع تقدم تخفيضات ليس على الثمن الفعلي الذي تباع به السلعة، بل على الثمن الرسمي أو الدفتري (بالنسبة للفنادق يسمى السعر المعلن: rack rate or published rate ) فإذا قدم العميل البطاقة خصم له التاجر من الثمن الرسمي، في حين أن الثمن الفعلي قد يكون أقل من الثمن الرسمي حتى بعد الخصم. فتكون النتيجة أن المشترك يدفع ثمناً أعلى من الثمن الذي يدفعه غير المشترك، فيضيع ثمن الاشتراك بدون مقابل، بل قد يكون سبباً لتحمل المزيد من الخسارة. ولهذا كان هذا النوع من البطاقات قليل الفائدة في الواقع العملي، إن لم يكن عديم الجدوى. لكن هذا النوع من التلاعب لا يوجد في البطاقة الثنائية، كما هو مشاهد. إذ أن التاجر المصدر للبطاقة من مصلحته استقطاب العملاء وترغيبهم فيما عنده، فهو المستفيد من البطاقة أولاً وأخيراً، ولا يزاحمه في ذلك من هو أجنبي عنه. ولذلك فمن مصلحته الالتزام بالتخفيض على الثمن الفعلي لأن هذا يرسخ ولاء العميل للتاجر.
وإذا كان الغش كثير الوقوع في بطاقات التخفيض الثلاثية فهذا يقتضي فرض المزيد من القيود على هذا النوع خصوصاً لتلافي هذه المحاذير. وربما كان من المصلحة اشتراط أن يكون المُصدر هو نفسه تاجراً، مع إمكانية أن يقوم بالتنسيق مع متاجر أخرى لتشترك في تقديم التخفيض على بضائعها. فكَون المصدر هو نفسه تاجراً يحقق حداً أدنى من ضمان حقوق المشترك في البطاقة وتجنب التلاعب أو الغش في الحصول على التخفيض. كما أنه يجعل المصدر ملتـزماً بتعويض المشترك إذا رفض أحد التجار المشاركين تخفيض الثمن. ففي هذه الحالة يستطيع التاجر المصدر تعويض العميل من خلال السلع التي يعرضها في متجره، وليس من خلال دفع مبلغ التخفيض. وهذا يحقق هدفين في وقت واحد: ضمان حق المشترك وتجنب الوقوع في الربا، كما سبقت الإشارة إليه.
أما إذا كان المُصدر جهة خيرية فربما يوجد لدى التاجر حوافز كافية للالتـزام بالتخفيض في هذه الحالة، ولعل هذا يخفف من مشكلة الغش حينئذ بما يضمن حقوق المشتركين.
البطاقة المجانية:
إذا جاز إصدار البطاقة مقابل ثمن يدفعه المشترك استقلالاً، فمن باب أولى جوازها إذا كانت مجانية أو تبعاً لخدمات مشروعة أخرى يحصل عليها العميل.
تداول البطاقة:
إذا جاز إصدار بطاقة التخفيض مقابل ثمن، فهل يجوز للمشترك أن يبيعها لطرف ثالث؟ الأصل أنه إذا جاز الشراء جاز البيع، والحصول على البطاقة مقابل ثمن يُعد شراءً، فيجوز إذن للمشترك بيعها لغيره. كما أن البطاقة تمثل حقاً في سلع وخدمات، وليس في نقود. والأصل أن الحق له حكم ما يتعلق به. فإذا كان الحق يتعلق بسلعة كان بيعه حكمه حكم بيع هذه السلعة، وإذا كان الحق يمثل نقوداً أو ديوناً في الذمة، كان له حكم بيع النقود والديون. وبطاقة التخفيض تمثل الحق في الحصول على سلعة بأقل من ثمن المثل، ولا تمثل نقوداً في ذمة المُصدر، فبيعها حكمه حكم بيع السلعة نفسها، وهو جائز إذا كانت السلعة في نفسها حلالاً.
وإنما يشترط ألا يربح فيها إذا باعها، لأنه ربح لما لم يدخل في ضمانه، فيشمله نهي النبي صلى االله عليه وسلم عن ربح ما لم يُضمن. وهذا إذا كان البيع والشراء كلاهما بنقد. أما إذا اشتراها بنقد ثم باعها بسلعة، فله أن يبيع بما يتراضيان عليه. وذلك أن العبرة بما تنتهي إليه المبادلة، فإن اشترى بنقد ثم باع بنقد، وجب ألا يحصل على زيادة دون حصول الضمان، لأن هذا هو الربا. لكن إن اشترى بنقد ثم باع بسلعة أو العكس، كان حاصله مبادلة نقد بسلعة، ولا محذور في ذلك. وإذا كان قد حصل على البطاقة مجاناً فله أن يبيعها بما شاء لأن النهي عن ربح ما لم يضمن خاص بما ملكه بالشراء، فإذا ملكه بهبة أو ميراث ونحوه جاز له بيعه مطلقاً، واالله أعلم.
الخلاصة:
١ .بطاقة التخفيض هي بطاقة تخول صاحبها الحصول على سلع وخدمات محددة من متاجر معينة بأقل من ثمن المثل بنسبة محددة.
٢ . مُصدر البطاقة قد يكون متجراً وقد يكون وسيطاً بين المشترك وبين المتجر. وفي الحالتين قد تمنح البطاقة مقابل ثمن محدد أو تبعاً لخدمات أخرى.
٣ .البطاقة من حيث المبدأ لا تدخل في الربا لأنها لا تهدف لمبادلة النقد بالنقد، وإنما مبادلة نقد بسلعة بأقل من ثمن المثل.
٤ .البطاقة مدفوعة الثمن قد يدخلها الغرر إذا كان المشترك لا يحتاج للسلع والخدمات محل التخفيض، فيكون الثمن الذي دفعه دون مقابل.
٥ .لتقليل احتمال الغرر هذا ينبغي مراعاة الضوابط الآتية:
• أن يكون التخفيض الممنوح حقيقياً ولا يمنح لغير المشترك في البطاقة أو من هو في حكمه.
• أن يقدم مصدر البطاقة دليلاً تفصيلياً لأنواع السلع والخدمات محل التخفيض، والمتاجر التي تبيعها مع عناوينها وأرقامها، بالإضافة للثمن الذي تباع به هذه السلع في حينه، ومقدار الخصم الذي يستفيده المشترك.
• أن يكون للمشترك الخيار إذا لم يستخدم البطاقة مطلقاً خلال فترة محددة إما في استرجاع قيمة الاشتراك، أو في شراء سلع وخدمات بما يعادل قيمة الاشتراك دون تخفيض.
• أن يكون للمشترك الحق في الحصول على البطاقة إما بدفع قيمتها استقلالاً أو بشراء كمية من السلع والخدمات تتجاوز قيمتها حداً معيناً بدون الخصم.
• أن يتعهد المُصدر بتوفير السلعة بالثمن المخفض إذا رفض التاجر المشارك تقديم التخفيض، وإلا فللمشترك الحق في فسخ العقد واسترداد ثمن البطاقة.
٦ .يجب التحذير من بطاقات التخفيض الوهمية التي تغري المشترك بالتخفيض، لكنها لا تحقق منه شيئا ،فهذا من الغش والخداع وأكل المال بالباطل.
٧ .لتجنب احتمال الغش من جهة المُصدر، يُفضل أن يقتصر حق إصدار بطاقات التخفيض على المتاجر الموثوقة. وعلى أقل الأحوال يشترط أن يكون المُصدر ذا ملاءة مالية عالية تمكنه من ضمان حقوق المشتركين.
٨ . في ضوء الضوابط السابقة يترجح واالله أعلم جواز البطاقة، لرجحان انتفاع الأطراف المشاركة. ويبقى احتمال عدم انتفاع المشترك من باب الغرر اليسير المغتفر إن شاء االله. كما يبقى احتمال الغش والتدليس من جهة المُصدر في أدنى حدوده إذا طبقت الضوابط بالشكل المطلوب.
واالله تعالى أعلم، والحمد الله رب العالمين