بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ. 22-12-1445
أحمد بن ناصر الطيار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ الله تعالى سمَّى يوم القيامة بأسماءٍ كثيرة, وذلك يدلُّ على شدَّةِ ذلك اليومِ وعظمتِه وخطرِه, ومن أسماء القيامة: الصَّاخة, وهي صيحةُ يوم الْقِيَامَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَصُخُّ الْأَسْمَاعَ, أَيْ تُبَالِغُ فِي إِسْمَاعِهَا حَتَّى تَكَادُ تُصِمُّهَا, في ذلك اليَوْمِ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ, وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ, وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ, فهو يَرَاهُمْ وَيَفِرُّ مِنْهُمْ, لِأَنَّ الْهَوْلَ عَظِيمٌ وَالْخَطْبَ جَلِيلٌ.
لكم أنْ تتخيَّلوا المشهد الرهيب المهيب يوم القيامة, {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}.
في ذلك اليومِ يعمُّ الظلام الْمُخيفُ على الناس, ومع هذا الظلام أصواتُ القيامة التي تكادُ تُصِمُّ آذانَهم, ومن شدَّة ذلك عليهم: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.
فبينما الناس في هذا المشهد العصيب الرهيب, إذ يَشُقُّ هذا الظلامَ أنوارٌ مُشرقة, إنها أنور المؤمنين المصلين, {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}, يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ حِينَ يَرَون يَوْمَ الْقِيَامَةِ نورَ الْمُنَافِقِينَ والفاجرين قَدْ انْطفَأ.
فأبشروا معاشرَ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
بل وأبشروا بالظلِّ الذي يَقِيْكُمْ مِنْ حَرِّ الشمس يوم القيامة, ففي موقفٍ من مواقف القيامة, تدنو الشمسُ من الناس مقدار ميل, فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا.
لكنَّ الْمَشَّائين إلى المساجد في ظلِّ الله يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ -وذكر منهم-: وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَساجِدِ.
بل إنَّ الكريم جل وعلا يُعِدُّ لك نُزلاً وضيافةً كلَّما ذهبتَ إلى المسجد, قَالَ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ غَدَا إلى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أوْ رَاحَ». رواه مسلم
ومعنى الحَدِيْث : "أن من خرج إلى المسجد للصلاة فإنه زائرُ الله تعالى، والله تعالى يُعِدُّ لَهُ نزلاً من المسجد كُلَّمَا انطلق إلى المسجد.
والنزل: هُوَ مَا يُعَدُّ للضيف عِنْدَ نزوله من الكرامة والتُّحْفة".
قال بعض العلماء: عادةُ الناس تقديمُ طعامٍ لمن دخل بيتهم، والمسجدُ بيتُ الله تعالى, فمن دخله أيَّ وقتٍ كان من ليلٍ أو نهارٍ, أعطاه الله تعالى أجره وضيافته في الجنة؛ لأنه أكرم الأكرمين، ولا يضيع أجر المحسنين.
نسأل الله تعالى, أنْ يجعلنا ممَّن قلبُه معلَّقٌ بالمساجد, وأنْ يُعيننا على أنفسنا, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله رب العالمين، فرض الصلاةَ راحةً ورفعةً للمؤمنين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: إن من المؤسف ما نراه من تفريط بعض الناس وخاصة الشباب، وتهاونِهم في الصلاة جماعةً والخشوعِ فيها، فبعضهم يسهر الليل كله، ثم ينام بعد صلاة الفجر، ويفوِّت صلاتي الظهر والعصر، ولا يفعل الأسباب التي توقظه للصلاة، وهذا إثمٌ عظيم، وذنبٌ كبير، وقد قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ», أي: كأنما فقد أهله وماله فَبَقيَ وحيدًا فقيرًا، فما حاله بعد فقدهم، وما مقدار الهمّ والحزن والألم الذي سيهجم على قلبه؟
فمصيبةُ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ أشدّ من مصيبة من فقد جميع أهلِه ومالِه، سيجد حرّها ومرارتها يوم القيامة إن لم يتب إلى الله.
وقال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مُبينًا عِظَم هذه الصلاة: "من فاتته صلاة العصر فقد حبط عملُه".
نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا من الْمُقيمين الصلاة, والْمُعظمين لشعائر الله, إنه على كل شيءٍ قدير.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1719453210_بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ.pdf