بشرى العوالم أنت يارمضان

الشيخ نواف بن معيض الحارثي
1445/08/26 - 2024/03/07 11:14AM

بشرى العوالم أنت يارمضان

الخطبة الأولى :

الحمدُ للهِ الذي امتنَّ على عبادِه بمَوَاسِمِ الخيراتِ، فأكرمهم فيها بعظيمِ النَّفَحَاتِ، وأغْدَق عليهم فيها أَجَلَّ الهِبَاتِ، والصلاةُ والسلامُ على النَّبيِّ المُختارِ، وعلى آلِه وصحبِه الأبرارِ، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ القرارِ.

أَمَّا بعدُ: ..فأوصيكم ونفسي ....

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: لَـمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ e :" قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللـهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْـجَنَّةِ،

وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْـجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ " أَحمَدُ وغيره.

بُشرَى العَوَالِمِ أَنتَ يَا رَمَضَانُ

هَتَفَتَ بِكَ الأَرجَاءُ وَالأَكوَانُ

لَكَ في السَّمَاءِ كَوَاكِبٌ وَضَّاءَةٌ

وَلَكَ النُّفُوسُ المُؤمِنَاتُ مَكَانُ

سَعِدَتْ بِلُقيَاكَ الحَيَاةُ وَأَشرَقَتْ

وَانهَلَّ مِنكَ جَمَالـُهَا الفَتَّـــــــــــــــانُ

 معاشرَ المُسلمين: مِن عوامِلِ سرورِ النّفس وبهجتِها ومن بواعثِ فرحتِها وغِبطتها عودةُ أيامِ السرورِ عليها وبزوغُ شمسِ الهناءِ على ربوعها، وهَا هِيَ السَّاعَاتُ تَتَسَابَقُ في أيامٍ قليلةٍ، لِيُعلَنَ دُخُولُ شَهرٍ عَظِيمٍ، وَحُلُولُ مَوسِمٍ كَرِيمٍ ، شُهرٌ كُلُّهُ أَعمَالٌ صَالِحَةٌ وَعِبَادَاتٌ ، وَطَاعَاتٌ وَقُرُبَاتٌ ، وَأُجُورٌ مَضَاعَفَةٌ وَحَسَنَاتٌ ، شَهرٌ يَتَأَهَّبُ لَهُ الكَونُ كُلُّهُ ، وَتَتَغَيَّرُ لِدُخُولِهِ السَّمَاءُ , وَتُفتَحُ لِلخَيرِ أَبوَابٌ وَيُعَانُ عَلَيهِ وَيُدعَى إِلَيهِ ، وَتُغلَقُ لِلشَّرِّ أَبوَابٌ وَيُحَالُ بَينَ أَهلِهِ وَبَينَهُ … قال النَّبيُّ ﷺ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الـْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»  خ. م .

  فما ظنُّكم بشهرٍ فَتَّح اللَّـهُ فيه أبوابَ الجِنانِ، وغَلَّق فيه أبوابَ النِّيرَانِ؛ ترغيباً لعبادِه في الأعمالِ الصالحاتِ؛ والِاستكثارِ من القُرُباتِ؛ بل زادهم من فضلِهّ! فكفَّ عنهم الشياطينَ، التي تصدُّهم عنِ الخيراتِ؛ وتُرَغِّبُهم في المَعاصي والسيِّئاتِ؟! فيا باغيَ الخيرِ أَقْبِلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ... وَلِلَّـهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَة . الترمذي.

يا أيها الذين آمنوا: شهرُ رمضانَ شهرٌ تُغْفَرُ فيه الذنوبُ السـالِفاتُ، قال ﷺ: «مَنْ صَـامَ رَمَضَـانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِـرَ لَهُ مَا تَقَـدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَـدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَـاباً غُفِـرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفقٌ عليه.  إيمانا بأن الله قد كتبَه عليه وأوجبَه عليه، وجعلَه ركناً من أركان الإسلامِ ومبانيه العظام...

واحتساباً للأجرِ والثوابِ من اللهِ تعالى فلا جوائزَ توزعُ ولا شهادات إلا ماجاء عن خيرِ البرياتِ e حيث قال( لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ) خ.

 يفرح بلقاء ربه لما يرى من الأجورِ العظيمةِ التي جعلها اللـهُ للصائمين «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَـخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّـهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ» خ .

يفرحُ المؤمنُ بلقاءِ ربِّه يومَ القيامة، وهو يسمعُ حديثَ النبيِّ e "إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ،

لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ".خ   

معاشرَ المُسلمين: إن العملَ الصالحَ في رمضانَ له شَأْنٌ، وأَيُّ شَأْنٍ؟! إلَّا أنَّ هناك أعمالاً خصَّها الشارعُ بمَزِيدِ فضلٍ في رمضان، فخُصَّها -يا عبدَاللَّـهِ- بمَزيدِ عنايةٍ، وآثِرْها على غيرِها في الِاهتمامِ والرعاية :   

فأعظمُها : الصيامُ ( فمن صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدم من ذنبه) ، ومن أفطرَ لغيرِ عذرٍ فقد وقعَ في ذنبٍ عظيمٍ وجُرمٍ كبير،

 فعنه e (ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ، تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، قَالَ: قُلْتُ: «مَنْ هَؤُلَاءِ؟» قَالَ: «هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ». ابن خزيمة وغيره .

ومن أشرفِ أعمالِ رمضان: قراءةُ القرآنِ، فالقرآنُ ورمضانُ بينهما ارتباطٌ كبيرٌ وعلاقةٌ وَثِيقةٌ (شَهرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلقُرءَانُ هُدى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰت مِّنَ ٱلهُدَىٰ وَٱلفُرقَانِ)، وكان النَّبيُّ ﷺ يعتني بالقرآنِ في شهرِ رمضانَ، قراءةً وسماعاً ومُدَارَسَةً، " وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ e القُرْآنَ..."

فتأسَّوْا به، فإنَّ لكم فيه أُسْوَةً حسنةً؛ ولقد ضرب السَّلَفُ الصالحُ أَرْوَعَ الأَمْثَالِ، في العنايةِ بالقرآنِ، في شهرِ رمضانَ خصوصا، في أخـبارٍ يَعْجَبُ منها الإنسانُ، ولا عَجَبَ..                                  

معاشرَ المُؤمنين: ومن الأعمالِ الفاضلةِ في شهرِ رمضانَ: قيامُه، قال ﷺ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفقٌ عليه .

ومن فضلِ اللَّـهِ على عبادِه أن وَهَبَهم هذا الفضلَ إذا قاموا مع أئمَّتِهم في صلاةِ الليلِ حتى ينصرفوا، قال ﷺ: «مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» أخرجه التِّرْمِذيُّ وغيره .

عبادَ اللَّـهِ: ومن الأعمالِ الفاضلةِ في شهرِ رمضانَ: الصدقةُ، فعنِ ابنِ عبَّاسٍ y، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِّن رَّمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْـخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْـمُرْسَلَةِ» خ.م

فأكثروا من الصدقاتِ في شهرِ الخيراتِ عموماً، ومنها: تفطيرُ الصائمين، قال ﷺ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئاً» أخرجه الترمذي وغيره  .

   ومن الأعمالِ الفاضلةِ في شهرِ رمضانَ: العُمْرَةُ، قال ﷺ: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً، أَوْ حَجَّةً مَعِي» خ.م .

ومن الأعمال الفاضلةِ في شهرِ رمضانَ: الدعاءُ ، قالe ( ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ...) أحمد وغيره . فسَلُوا رَبَّكُمْ مَا شِئْتُمْ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ ؛ تَجِدوا رَبَّاً عَظِيماً، ومُنْعِماً كَرِيماً، يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، سَلُوا ولاَ تَعْجِزوا ولاَ تَستَبْطِئُوا الإِجَابَةَ .

 

فاتقوا الله-عباد الله-وتعرضوا لنفحات ربِّكم في هذا الشهرِ الكريمِ، وشمروا عن ساعد الجدِّ في أعمالكم لعلكم تفلحون (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السمواتُ والأرضُ أعدت للمتقين )  اللهم أهل علينا رمضانَ بالأمنِ والإيمان والسلامةِ والإسلام والتوفيقِ لما تحب وترضى اللَّهُمَّ سَلِّمْنا لرمضان، وَسَلِّمْه لنا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلاً .

بارك الله لي ولكم...

 

 

 

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للَّـهِ...    أمَّا بعدُ :

فيَا عِبَادَ اللَّـهِ: إِنَّ رَمَضَانَ مَحَطَّةٌ إِيمَانِيَّةٌ عَظِيمَةٌ وَمَأْرِزٌ إِيمَانِيٌّ كَبِيرٌ، وَكَنْزٌ مِنَ الْـحَسَنَاتِ وَافِرٌ لَا يُشَابِهُهُ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ وَلَا حَالٌ، وَتِلْكَ –وَاللَّـهِ- مِنَ الْكَرِيمِ غَنِيمَةٌ، وَلِلرَّاغِبِ فِيمَا عِنْدَ اللَّـهِ فُرْصَةٌ ثَمِينَةٌ ، أَلَا فَهَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ وَلِلْخَيْرِ مُثَابِرٌ؟ (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ).          

أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ ثَمَّةَ مِيزَانًا دَقِيقًا لِضَبطِ النَّفسِ في رَمَضَانَ ، وَمِفتَاحًا مُهِمًّا لِلتَّغيِيرِ ،

وَبَابًا عَظِيمًا إِلى إِصلاحِ النَّفسِ ، وَإِلزَامِهَا التَّزَوَّدَ مِنَ الخَيرِ وَالكَفَّ عَنِ الشَّرِّ ، ذَلِكُم هُوَ الصَّلاةُ ( إن الصلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ) فَمَن أَرَادَ ضَبطَ نَفسِهِ –عباد الله-، وَعَزَمَ صَادِقًا عَلَى الاستِفَادَةِ مِن شَهرهِ بل ومن عمرهِ، فَلْيَضبِطْ أَمرَ صَلاتِهِ !! وَلْيُحَافِظْ عَلَيهَا في وَقتِهَا وَمَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمِينَ في المَسَاجِدِ ، وَلْيَحرِصْ عَلَى أَلاَّ تَفُوتَهُ تَكبِيرَةُ الإِحرَامِ وَقتًا وَاحِدًا، وَإِنِّي وَاللـهِ لَضَامِنٌ لِمَن كَانَ هَذَا شَأنَـهُ ، أَن يُبَارَكَ لَهُ في شَهرِهِ وَوَقتِهِ ، وَأَن يُحَبَّبَ إِلَيهِ سَائِرُ الخَيرِ وَتَخِفَّ إِلَيهِ نَفسُهُ ، وَأَن يَجِدَ مِنهَا إِقبالاً عَلَى قِرَاءَةِ القُرآنِ وَالقِيَامِ ، وَرَغبَةً في الصَّدقَةِ وَتَفطِيرِ الصُّوَّامِ ، وَسَيَكُونُ عَلَى حَسَنَاتِهِ حَرِيصًا، وَبِأَوقَاتِهِ شَحِيحًا أَلا تَضِيعَ في مُتَابَعَةِ القَنَوَاتِ وَمُحبِطَاتِ الأَعمَالِ ، وَسَيَجِدُ في نَفسِهِ عُزُوفًا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَالتِفَاتًا عَنِ المُلهِيَاتِ، وَتَلَذُّذًا بِالطَّاعَاتِ.  "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّـهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" خ.                                                           ثم صلوا ...

 

المرفقات

1709799262_خطبة بشرى العوالم أنت يارمضان.doc

1709799262_خطبة بشرى العوالم أنت يارمضان.pdf

المشاهدات 1263 | التعليقات 0