بشارة رمضان

محمد ابراهيم السبر
1440/08/24 - 2019/04/29 21:46PM

خطبة بشارة رمضان 

جامع موضي السديري الرياض 

 الحمد لله الذي جعل الصيام جنة وجعله سبيلا موصلا  إلى الجنة  أحمده سبحانه هدى ويسر فضلاً منه ومنة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كتب المغفرة لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا ،فيا لها من عطية ومنحة . وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله تركنا على أوضح محجة ، و أقوم سنة .

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا  محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين نفوسهم بالإيمان مطمئنة .   

أما بعد.. فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون..

 معاشر المسلمين والمسلمات: أيام تتكرر وشهور تتوالى ولا يزال هذا الضيف العزيز ينشر عبيره في الأيام وفي الشهور والأعوام وفي مدينة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم كانت البشرى تُزَفُّ لأولئك الأطهار من الصحابة الأخيار رضي الله عنهم يزفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء! وتغلق فيه أبوب الجحيم! وتغل فيه مردة الشياطين! لله فيه ليلة خير من ألف شهر! من حُرِم خيرها فقد حُرِم) رواه النسائي والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الترغيب.

 قال ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان. كيف لا يُـبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟ كيف لا يـبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟ كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان؟

 إنها البشارة التي عمل لها العاملون وشمر لها المشمرون وفرح بقدومها المؤمنون فأين فرحتك؟! وأين شوقك؟! وأنت ترى الأيام تدنو منك رويداً رويداً، لتضع بين يديك فرحة كل مسلم.

أتى رمضانُ مزرعةُ العباد *** لتطهير القلوب من الفساد

فأد حقوقه قولاً وفعلاً *** وزادكَ فاتخذهُ للمعاد

فمن زرع الحبوبَ وما سقاها *** تأوه نادماً يومَ الحصادِ

 أخي المسلم: استحضر في قلبك الآن أحب الناس إليك، وقد غاب عنك أحد عشر شهراً، ثم بُشِّرتَ بقدومه وعودته خلال أيام قلائل كيف تكون فرحتك بقدومه، واستبشارك بقربه، وبشاشتك للقائه؟

 إن أول الآداب الشرعية بين يدي رمضان أن تتأهب له قبل الاستهلال بنفس بقدومه مستبشرة ولرؤية الهلال منتظرة وأن تستشرف لنظره استشرافها لقدوم حبيب غائب من سفره وهذا من تعظيم شعائر الله: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

 نعم يفرح المؤمنون بقدوم شهر رمضان ويستبشرون ويحمدون الله أن بلَّغهم إياه ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات وزيادة الحسنات وهجر السيئات وأولئك يبشَّرون بقول الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾. ذلك أن محبة الأعمال الصالحة والاستبشارَ بها فرع عن محبة الله عز وجل قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.

 لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن الاستعداد لاستقبال هذا الضيف الكريم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصوم في شعبان استعداداً وتهيئة للنفس قبل رمضان.

 ولو قيل لأحدنا: إن أحد الكبراء أو الأمراء سيزورك في بيتك، لرأيته يستعد لاستقباله وإكرامه قبل أيام وأيام، فكيف بشهر فيه من الفضائل والمحاسن ما يعجز عنه الحصر والبيان..

 إنه شهر الصبر والإحسان، شهر الرحمة والغفران، شهر الدعاء والقرآن، شهر التوبة والعتق من النيران، قلوب المتقين إليه تحن، ومن ألم فراقه تئن.

مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام *** يا حبيبا زارنا في كل عامْ

قد لقيناك بحبٍّ مفعم ***كُل حب في سوى المولى حرامْ

فاقبل اللهم ربي صومنا *** ثم زدنا من عطاياك الجسامْ

لا تعاقبْنا فقد عاقبَنا *** قلقٌ أسهرَنا جُنحَ الظلام

أخي المسلم إن بلوغَ رمضانَ نعمةٌ عظيمة، وفضلٌ كبير من الله تعالى، ولذا كان الصالحون يدعون الله زماناً طويلاً ليـبلغهم أيام شهر رمضان.

قال معلى بن الفضل (رحمه الله): كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير (رحمه الله: (كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً.

فادع يا أخي بدعائهم وافرح كفرحهم عسى الله أن يشملك بنفحات رمضان فيغفرَ الله لك ذنبك، وتخرجَ من رمضان وقد أُعتِقتَ من النار.

وإذا كان دعاة الباطل واللهو والفجور تتعاظم هِمَمُهُم في الإعداد لغواية الخلق في هذا الشهر، لصد الناس عن سبيل ربهم، وفتنتهم عن طاعته بما يبثونه بين الناس من مسلسلات ورقص ومجون وغناء، فحريٌ بأهل الإيمان أن ينافسوهم في هذا الاستعداد، ولكن في البر والتقوى.

عباد الله كم من رمضان مر علينا ونحن غافلون؟ ووالله لا ندري أندركه هذا العام، أم تتخطفنا دونه المنون.

ما أحوجنا إلى تهيئة النفوس بمحاسبتها وإصلاحها قبل بلوغ رمضان ولا نكون ممن يدركون رمضان وقد تلطخوا بالمعاصي والذنوب! فلا يؤثر فيهم صيامه ولا يهزهم قيامه ويخرجون منه كما دخلوا فيه!

وإذا كان رمضان شهر النفحات والرحمات والروحانيات، فإن الإصرار على المعاصي والذنوب يحجب كل هذه المعاني الجميلة.

عبد الله: إن للمعاصي آثاراً بليغة في قسوة القلب وحرمانه من مادة حياته فإن كنت قد سودت قلبك ولطخت صفحاتِ حياتك بأدران المعاصي فها هو رمضان موسمٌ عظيم يمنحك صفحة بيضاء تغسل بها قلبك وتجدد فيها حياتك فهيء قلبك من الآن.

إياك أن تجعل أيام رمضان كأيامك العادية، بل اجعلها غرةً بيضاءَ في جبين أيام عمر.

قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: (إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك، عن الكذب، والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك، ويوم فطرك سواء).

عبد الله: إذا كنت قبل رمضان كسولاً عن شهود الصلوات في المساجد فاعقد العزم في رمضان على عمارة بيوت الله عسى الله تعالى أن يوفقك لذلك حتى الممات.

وإذا كنت أخي شحيحاً بالمال فاجعل رمضان موسماً للبذل والجود فهو شهر الجود والإحسان.

وإذا كنت غافلاً عن ذكر الله تعالى فاجعل رمضان أيام ذكر ودعاء وتلاوة لكتاب ربك تعالى فهو شهر القرآن.

قال الحسن البصري (رحمة الله): إن العبـد لا يـزال بـخير مـا كـان لـه واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا..، ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾...

أسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم رمضان، وأن يحسن عملنا فيه، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال، ويتقبلها منا بقبول حسن، إنه على كل شيء قدير.

الخطبة الثانية

الحمد لله المتوحد بالجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً...

عباد الله: ونحن نتحدث عن الإعداد والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان، أذكر نفسي وإياكم بعدة أمور:

أولاً: بادرْ إلى التوبة الصادقة , المستوفية لشروطها , وأكثر من الاستغفار.

ثانياً: تعلَّمْ ما لابد منه من فقه الصيام وأحكامه وآدابه، والعبادات فيه كالقيام والاعتكاف وزكاة الفطر وغيرها وأحكام العيد ويكون ذلك بالرجوع لكلام الراسخين من أهل العلم وفتاويهم أو سؤالهم قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

ثالثاً: اعقد العزم الصادق والهمة العالية على استغلال رمضان بالأعمال الصالحة، قال تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ، وتحر أفضل الأعمال فيه وأعظمها أجراً.

رابعاً: استحضر أن رمضان كما وصفه الله عزَّ وجلَّ ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ فهو موسم فاضل، ولكنه سريع الرحيل!

واستحضر أيضاً أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة سرعان ما تذهب بعد أيام، ويبقى الأجر، وشَرْحُ الصدر بإذن الله، أما المفرط فإن ساعاتِ لهوه وغفلته تذهب سريعاً، ولكن تبقى تبعاتها وأوزارها.

خامساً وأخيراً: التخطيط والترتيب لبرنامج يومي للأعمال الصالحة كقراءة القرآن والجلوس في المسجد والجلوس مع الأهل والصدقة والقيام والعمرة والاعتكاف والدعوة وغيرها من الأعمال فلا يدخل عليك الشهر وأنت في شَتات، فتحرمَ كثيراً من الخيرات والبركات.

معاشر المؤمنين، ضياءُ رمضان قد لاح، وعَبقُه من بَعيدٍ قد فاحَ، فالسعيد من استعدّ بالتّوبة، وتجهّز بالرجوع إلى الله والأوبة، فإنّ رمضان عِطرٌ، ولا يعطَّر الثوب حتى يغسل، فاغتسلوا من درَن الذنوب والخطايا، وتوبوا إلى الله قبل حلول المنايا.! ومن أراد جائزة العيد وغنيمة رمضان، قدّم العربون وعمل على توفير الشروط من الآن.

اللهم أيقظنا من سبات الغفلات قبل الممات، اللهم كما هديتنا للإسلام فثبتنا عليه حتى نلقاك وأنت راض عنا غيرُ غضبان.

اللهم بلغنا رمضان، وأعنا على صيامه وقيامه وإتمامه، ووفقنا للقيام بحقك فيه وفي غيره، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك، صوابًا على سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، إنك أجود مسؤول وخير مأمول.

وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم..

المشاهدات 1811 | التعليقات 0