بَشائِرُ عَظِيمَة
محمد بن سليمان المهوس
« بَشائِرُ عَظِيمَة »
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
27 / 5 / 1446هـ
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ شَرَعَ لَنَا دِينًا قَوِيمًا، وَهَدَانَا إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَوَعَدَ مَنْ لَزِمَ الصِّرَاطَ أَجْرًا جَزِيلاً وَثَوَابًا عَظِيمًا، وَتَوَعَّدَ مَنْ حَادَ عَنْهُ بِأَنَّ لَهُ عَذَابًا أَلِيمًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَكَفَى بِاللهِ نَاصِرًا وَمُعِينًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفًا رَحِيمًا؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا عَظِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنَ الْبَشَائِرِ الْعَظِيمَةِ، وَالْمِنَحِ الْكَرِيمَة الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ لأَوْلِيَائِهِ الأَتْقِيَاءِ؛ الَّذِينَ اسْتَقَامَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى تَوْحِيدِ اللهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَمَهَابَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَخَشْيَتِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ وَالإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ؛ وَتَبِعَ اسْتِقَامَةَ قُلُوبِهِمْ: اسْتِقَامَةُ جَوَارِحِهِمْ كُلِّهَا لِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى إِخْلاَصًا وَانْقِيَادًا، وَإِسْلاَمًا وَتَسْلِيمًا أَنْ رَزَقَهُمْ كَمَا وَعَدَهُمْ وَبَشَّرَهُمْ بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالْجَزَاءِ الأَوْفَى فِي الآخِرَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
أَيْ: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا وَأَخْلَصَ للهِ بِهَذَا الْعَمَلِ، وَكَانَ هَذَا الْعَمَلُ مُوَافِقًا لِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- سَوَاءً أَكَانَ هَذَا الْعَامِلُ الْمُؤْمِنُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، فَلَيُحْيِيَنَّهُ اللهُ حَيَاةً طَيِّبَةً؛ يَظْفَرُ مَعَهَا بِصَلاَحِ الْبَالِ، وَسَعَادَةِ الْحَالِ، وَفِي الآخِرَةِ يُثَابُ بِأَحْسَنَ مَا عَمِلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا جَزَاءً لَهُ مِنْ رَبِّهِ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي الآيَةِ الأُخْرَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [ يونس: 57 ].
أَيْ: عَبَدُوا اللهَ حَقَّ عِبَادَتِهِ، وَاسْتَقَامُوا عَلَى الْحَقِّ اعْتِقَادًا وَانْقِيَاداً وَعَمَلاً وَإِخْلاَصًا؛ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ الْكِرَامُ عِنْدَ مَوْتِهِمْ مُبَشِّرِينَ لَهُمْ قَائِلِينَ: ﴿لاَ تَخَافُوا﴾ أَيْ: لاَ تَخَافُوا مِمَّا تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ؛ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَهَوْلِ الْقِيَامَةِ، وَعُبُورِ الصِّرَاطِ وَغَيْرِهِ، ﴿وَلاَ تَحْزنُوا﴾ عَلَى مَا خَلَّفْتُمُوهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، مِنْ وَلَدٍ وَأَهْلٍ وَمَالٍ؛ وَأَبْشِرُوا بِالسَّعَادَةِ وَالْفَلاَحِ ، وَالرِّفْعَةِ وَالنَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
أَبْشِرُوا بِجَنَّةٍ لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ أَحَدٍ مِنْ أَوْصَافِ وَأَصْنَافِ النَّعِيمِ الَّذِي أَعَدَّ اللهُ فِيهَا لَهُمْ: ﴿أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَجَاهِدُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الاِسْتِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا؛ فَمَنْ جَاهَدَ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ، وَصَبَرَ عَلَى الْفِتَنِ وَالأَذَى فِي سَبِيلِ الرَّحْمَنِ، سَيَهْدِيهِ اللهُ سُبُلَ الْخَيْرِ، وَيُثَبِّتُهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادََّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا... »، فَجَعَلَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْبِشَارَةَ لِمَنْ سَدَّدَ أَوْ قَارَبَ، وَالْمُسَدَّدُ هُوَ الَّذِي أَصَابَ الاِسْتِقَامَةَ فِي تَمَامِ حَقِيقَتِهَا وَأَبْهَى صُوَرِهَا وَأَتَمِّ حُلَلِهَا، وَالْمُقَارِبُ هُوَ الَّذِي يُجَاهِدُ نَفْسَهُ عَلَى بُلُوغِ تَمَامِ الاِسْتِقَامَةِ وَلَمْ يُكَمِّلْهَا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْكَمَالِ، فَمَا يَزَالُ مُجَاهِدًا نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُجَاهِدَ أَنْفُسَنَا عَلَى السَّدَادِ، وَهُوَ كَمَالُ الاِسْتِقَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغِ السَّدَادَ فَعَلَيْهِ بِالْمُقَارَبَةِ، وَلْيَحْذَرْ أَشَدَّ الْحَذَرِ مِنَ الاِنْحِرَافِ عَنْ طَرِيقِ الاِسْتِقَامَةِ، وَالْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الأَمَانِيَّ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا سُلُوكَ صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ، وَوَفِّقْنَا ثَبَاتًا عَلَى دِينِكَ الْقَوِيمِ، يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْحُصُولِ عَلَى هَذِهِ الْبَشَائِرِ الْعَظِيمَةِ، وَالْعَطَايَا الْكَرِيمَةِ: الاِسْتِقَامَةَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَمُجَاهَدَةُ النَّفْسِ وَإِلْزَامُهَا لِسُلُوكِ هَذَا السَّبِيلِ الْعَظِيمِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 40 – 41].
وكذلك الدُّعَاءُ، فَهُوَ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ وَسَعَادَةٍ وَرِفْعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَعَلَيْنَا بِالإِلْحَاحِ عَلَى اللهِ جَلَّ وَعَلاَ وَكَثْرَةِ سُؤَالِهِ: أَنْ يَرْزُقَنَا الاِسْتِقَامَةَ عَلَى الدِّينِ، وَيُثَبِّتَنَا عَلَيْهِ؛ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِيِ صَحِحِهِ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو– رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ» ؛ هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
وَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ احْفَظنَا بِالإِسْلامِ قَائِمينَ، واحْفَظْنَا بالإِسْلامِ قاعِدِينَ، واحْفَظْنَا بالإِسْلامِ راقِدِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَجَمِيعَ وُلاَةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعِالَمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1732595978_بشائر عظيمة.doc
1732595993_بشائر عظيمة.pdf