بشائر التائبين
عبدالله بن رجا الروقي
1435/01/30 - 2013/12/03 12:33PM
خطبة بشائر التائبين
الحمدلله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات أمر عباده بالتوبة ، ووعدهم عليها جزيل الثواب ودرء العقاب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله نبي الرحمة ونبي التوبة صلى الله عليه وعلى آله وصحيه أجمعين أما بعد
فإن من طبيعة ابن آدم الوقوع في الذنب فمستقل ومستكثر والموفق من هداه الله للتوبة وتقبلها فالفضل لله أولاً وآخراً ألقى في قلب عبده التوبة ووفقه إليها ثم تقبلها منه فلله الحمد هو أهل التقوى وأهل المغفرة.
ولايزال الشيطان يوقع العباد في الذنوب ويزينها لهم قال تعالى ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
ومن رحمة الله أن فتح لعباده باب التوبة ودعاهم لها قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ﴾
وقال تعالى:
﴿ وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
ومن تاب تاب الله عليه مهما عظم ذنبه قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
بل إن الله يبدل سيئات التائب حسنات قال تعالى:
﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾
قال ابن القيم:
قد استقرت حكمة الله به عدلا وفضلا : أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا ، أنه يبدل سيئاته حسنات ، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب ، وقد قال تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد ، ولكن هذا في حق التائبين خاصة " انتهى من "الجواب الكافي.
وقال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ .
وقال تعالى:
﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾.
وقال ﷺ فيما يرويه عن ربه عزوجل :
ياعبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم . رواه مسلم.
ما أرحم الله بعباده يخبر عن مغفرته لجميع ذنوبهم ويأمرهم بالتوبة منها.
وصدق رسول ﷺ حين أخبر أن الله أرحم من الوالدة بولدها فنسأل الله من فضله وجوده.
وقد أخبر الله ﷻ بمحبته للتائبين قال تعالى
﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾
وأخبر ﷻ بوده لهم قال تعالى ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴾ وفي الجمع بين هذين الاسمين من أسمائه تعالى فائدة وهي أن التائب من ذنبه تعود محبة الله إليه كما كانت قبل الذنب بل قد تكون أشد من قبل وذلك بحسب قوة التوبة وكمالها.
وقد كان نبينا ﷺ يتوب في اليوم مائة مرة ويأمر الناس بالتوبة قال ﷺ : يا أيها الناسُ ! توبوا إلى اللهِ . فإني أتوبُ في اليومِ إليه مائةَ مرةٍ. رواه مسلم.
ومن صدق الله في توبته صدقه الله.
قال العلامة ابن القيم:
إذا عزمت التوبة وصحت ونشأت من صميم
القلب أحرقت مامرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن فإن التائب من الذنب لاذنب له.ا.هـ
فرحم الله عبداً تفكر في نفسه قبل حلول رمسه وحاسبها عن يومه وأمسه قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
فبادر ياعبدالله إلى التوبة قبل حلول الأجل قبل أن تصبح مرتهناً بماقدمت من عمل قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ
* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
ومن حسنات التوبة أن الملائكة تستغفر للتائبين
وتدعو لهم قال تعالى:
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم،
وهم { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } أي: عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأحسنها، وأقربها من الله تعالى، الذي وسع الأرض والسماوات والكرسي، وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، واختيار الله لهم لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام
فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله، واجتهدوا في صلاح أحوالهم.
ودعاؤهم لللتائبين دليل على محبتهم لهم.
فاللهم تب علينا وارزقنا محبتك ومحبة عبادك الصالحين.
الخطبة الثانية:
أما بعد فقد جاء في كتاب الله وصف لكيد الشيطان للمتقين وبيان لحالهم معه قال تعالى
﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ﴾
قال ابن سعدي رحمه الله: { يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ } أي: تحس منه بوسوسة، وتثبيط عن الخير، أو حث على الشر، وإيعاز إليه. { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي: التجئ واعتصم باللّه، واحتم بحماه فإنه { سَمِيعٌ } لما تقول. { عَلِيمٌ } بنيتك وضعفك، وقوة التجائك له، فسيحميك من فتنته، ويقيك من وسوسته، كما قال تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } إلى آخر السورة.
ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء، لأنها طمعت فيهم، حين رأتهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر.انتهى.
فلتكن عبدالله من المتقين الذين يعودون إلى الله بالتوبة إذا وقعوا في الذنوب - وكلنا كذلك -
وليُعلم أن الصدقة من أسباب المغفرة فقد قرن الله بينها وبين التوبة
َقَالَ تَعَالَى : {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} .
قال ابن كثير في تفسيره : هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحقها. ا. هـ
وليحذر المسلم من خطوات الشيطان الذي يزين له الوقوع في المعصية بدعوى أنه سيتوب ومايدريه فقد يحال بينه وبينها بالموت وربما لايوفق للتوبة قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾
وربما أوغل العبد في المعاصي حتى تنسلخ إرادة التوبة من قلبه.
قال ابن القيم ذاكراً آثار المعاصي:
وَمِنْهَا : - وَهُوَ مِنْ أَخْوَفِهَا عَلَى الْعَبْدِ - أَنَّهَا تُضْعِفُ الْقَلْبَ عَنْ إِرَادَتِهِ ، فَتُقَوِّي إِرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ ، وَتُضْعِفُ إِرَادَةَ التَّوْبَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا ، إِلَى أَنْ تَنْسَلِخَ مِنْ قَلْبِهِ إِرَادَةُ التَّوْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَلَوْ مَاتَ نِصْفُهُ لَمَا تَابَ إِلَى اللَّهِ ، فَيَأْتِي بِالِاسْتِغْفَارِ وَتَوْبَةِ الْكَذَّابِينَ بِاللِّسَانِ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ ، وَقَلْبُهُ مَعْقُودٌ بِالْمَعْصِيَةِ ، مُصِرٌّ عَلَيْهَا ، عَازِمٌ عَلَى مُوَاقَعَتِهَا مَتَى أَمْكَنَهُ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَمْرَاضِ وَأَقْرَبِهَا إِلَى الْهَلَاكِ.ا.هـ
ثم اعلموا رحمكم الله أن للتوبة شروطاً
لاتصح بدونها
فمنها الإقلاع عن الذنب فوراً . فمن كان مقيماً على الذنب فليس بتائب في الحقيقة
ومنها : الندم على ماوقع فيه الذنوب ويتضمن ذلك بغضها وكرهها.
ومن شروط التوبة: العزم على عدم العودة وهي النية الجازمة في أنه لن يعود إلى الذنب مرة أخرى فمن تاب بلسانه ومن نيته أن يعود إلى الذنب فليس بتائب.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها...
الحمدلله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات أمر عباده بالتوبة ، ووعدهم عليها جزيل الثواب ودرء العقاب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله نبي الرحمة ونبي التوبة صلى الله عليه وعلى آله وصحيه أجمعين أما بعد
فإن من طبيعة ابن آدم الوقوع في الذنب فمستقل ومستكثر والموفق من هداه الله للتوبة وتقبلها فالفضل لله أولاً وآخراً ألقى في قلب عبده التوبة ووفقه إليها ثم تقبلها منه فلله الحمد هو أهل التقوى وأهل المغفرة.
ولايزال الشيطان يوقع العباد في الذنوب ويزينها لهم قال تعالى ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
ومن رحمة الله أن فتح لعباده باب التوبة ودعاهم لها قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ﴾
وقال تعالى:
﴿ وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
ومن تاب تاب الله عليه مهما عظم ذنبه قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
بل إن الله يبدل سيئات التائب حسنات قال تعالى:
﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾
قال ابن القيم:
قد استقرت حكمة الله به عدلا وفضلا : أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا ، أنه يبدل سيئاته حسنات ، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب ، وقد قال تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد ، ولكن هذا في حق التائبين خاصة " انتهى من "الجواب الكافي.
وقال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ .
وقال تعالى:
﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾.
وقال ﷺ فيما يرويه عن ربه عزوجل :
ياعبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم . رواه مسلم.
ما أرحم الله بعباده يخبر عن مغفرته لجميع ذنوبهم ويأمرهم بالتوبة منها.
وصدق رسول ﷺ حين أخبر أن الله أرحم من الوالدة بولدها فنسأل الله من فضله وجوده.
وقد أخبر الله ﷻ بمحبته للتائبين قال تعالى
﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾
وأخبر ﷻ بوده لهم قال تعالى ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴾ وفي الجمع بين هذين الاسمين من أسمائه تعالى فائدة وهي أن التائب من ذنبه تعود محبة الله إليه كما كانت قبل الذنب بل قد تكون أشد من قبل وذلك بحسب قوة التوبة وكمالها.
وقد كان نبينا ﷺ يتوب في اليوم مائة مرة ويأمر الناس بالتوبة قال ﷺ : يا أيها الناسُ ! توبوا إلى اللهِ . فإني أتوبُ في اليومِ إليه مائةَ مرةٍ. رواه مسلم.
ومن صدق الله في توبته صدقه الله.
قال العلامة ابن القيم:
إذا عزمت التوبة وصحت ونشأت من صميم
القلب أحرقت مامرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن فإن التائب من الذنب لاذنب له.ا.هـ
فرحم الله عبداً تفكر في نفسه قبل حلول رمسه وحاسبها عن يومه وأمسه قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
فبادر ياعبدالله إلى التوبة قبل حلول الأجل قبل أن تصبح مرتهناً بماقدمت من عمل قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ
* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
ومن حسنات التوبة أن الملائكة تستغفر للتائبين
وتدعو لهم قال تعالى:
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم،
وهم { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } أي: عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأحسنها، وأقربها من الله تعالى، الذي وسع الأرض والسماوات والكرسي، وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، واختيار الله لهم لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام
فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله، واجتهدوا في صلاح أحوالهم.
ودعاؤهم لللتائبين دليل على محبتهم لهم.
فاللهم تب علينا وارزقنا محبتك ومحبة عبادك الصالحين.
الخطبة الثانية:
أما بعد فقد جاء في كتاب الله وصف لكيد الشيطان للمتقين وبيان لحالهم معه قال تعالى
﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ﴾
قال ابن سعدي رحمه الله: { يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ } أي: تحس منه بوسوسة، وتثبيط عن الخير، أو حث على الشر، وإيعاز إليه. { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي: التجئ واعتصم باللّه، واحتم بحماه فإنه { سَمِيعٌ } لما تقول. { عَلِيمٌ } بنيتك وضعفك، وقوة التجائك له، فسيحميك من فتنته، ويقيك من وسوسته، كما قال تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } إلى آخر السورة.
ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء، لأنها طمعت فيهم، حين رأتهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر.انتهى.
فلتكن عبدالله من المتقين الذين يعودون إلى الله بالتوبة إذا وقعوا في الذنوب - وكلنا كذلك -
وليُعلم أن الصدقة من أسباب المغفرة فقد قرن الله بينها وبين التوبة
َقَالَ تَعَالَى : {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} .
قال ابن كثير في تفسيره : هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحقها. ا. هـ
وليحذر المسلم من خطوات الشيطان الذي يزين له الوقوع في المعصية بدعوى أنه سيتوب ومايدريه فقد يحال بينه وبينها بالموت وربما لايوفق للتوبة قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾
وربما أوغل العبد في المعاصي حتى تنسلخ إرادة التوبة من قلبه.
قال ابن القيم ذاكراً آثار المعاصي:
وَمِنْهَا : - وَهُوَ مِنْ أَخْوَفِهَا عَلَى الْعَبْدِ - أَنَّهَا تُضْعِفُ الْقَلْبَ عَنْ إِرَادَتِهِ ، فَتُقَوِّي إِرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ ، وَتُضْعِفُ إِرَادَةَ التَّوْبَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا ، إِلَى أَنْ تَنْسَلِخَ مِنْ قَلْبِهِ إِرَادَةُ التَّوْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَلَوْ مَاتَ نِصْفُهُ لَمَا تَابَ إِلَى اللَّهِ ، فَيَأْتِي بِالِاسْتِغْفَارِ وَتَوْبَةِ الْكَذَّابِينَ بِاللِّسَانِ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ ، وَقَلْبُهُ مَعْقُودٌ بِالْمَعْصِيَةِ ، مُصِرٌّ عَلَيْهَا ، عَازِمٌ عَلَى مُوَاقَعَتِهَا مَتَى أَمْكَنَهُ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَمْرَاضِ وَأَقْرَبِهَا إِلَى الْهَلَاكِ.ا.هـ
ثم اعلموا رحمكم الله أن للتوبة شروطاً
لاتصح بدونها
فمنها الإقلاع عن الذنب فوراً . فمن كان مقيماً على الذنب فليس بتائب في الحقيقة
ومنها : الندم على ماوقع فيه الذنوب ويتضمن ذلك بغضها وكرهها.
ومن شروط التوبة: العزم على عدم العودة وهي النية الجازمة في أنه لن يعود إلى الذنب مرة أخرى فمن تاب بلسانه ومن نيته أن يعود إلى الذنب فليس بتائب.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها...
المشاهدات 4440 | التعليقات 3
بورك فيك أخي عبدالله الضيف الجديد والنازل الكريم
خطبة موفقة وموعظة مؤثرة خطبة مختصرة وفيها المنافع العديدة
شكر الله لكما تشجيعكما ولكما بمثل ما دعوتما وبارك فيكما.
رشيد بن ابراهيم بوعافية
بارك الله فيكم أستاذ عبد الله بن رجا ، خطبةٌ جليلةٌ و كلماتٌ نافعة جعلها الله في ميزان حسناتك .
تعديل التعليق