بر الوالدين@@@@@@
عبدالله منوخ العازمي
بر الوالدين
الحمد لله القائل :وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً .. الإسراء23 ، أحمده وقد أعطانا وكفانا وآوانا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..شهادة نرجو بها الفوز والرضوان والعفو والغفران ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله أوصانا بالبر ، وعن العقوق نهانا .. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا للحق عنوانا وعلى الخير أعوانا ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، فيا أيها المسلمون اتقوا الله ؛ فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))ال عمران102 .
أيها المسلمون .. من سعادة المرء ، أن يكون والداه بين يديه وعينيه يهنأ بهما ويستدفئ بحنانهما وعطفهما ، ويسترشد بنصحهما ، وينال بركة دعائهما وأجر برهما وحسن صحبتهما ..فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : أقبل رجل إلى نبي الله -صلى الله عليه وسلم - فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد ، أبتغي الأجر من الله - تعالى - قال : " فهل لك من والديك أحدٌ حيٌّ ؟ " ، قال : نعم ، بل كلاهما ، قال : " فتبتغي الأجر من الله – تعالى- ؟ " ، قال : نعم ، قال : " فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما " متفق عليه .
أيها المسلمون .. إن المصاب الممرض والبلاء المرمض والعيش الممض عقوقُ البنين والبنات للأباء والأمهات ..عقوقٌ لا تنقضي قصصه ومآسيه ، ولا تنتهي غصصه ومخازيه ، أنشد مكلوم بعقوق ولده :
قد أطرق على شجى ...وأغضى منه على القذا ...وتحمل منه مضض الأذى
غذَوتُك مولودًا وعُلتُك يافِعًا تُعلُّ بما أُحنِيَ عليك وتنهَلُ
اذا ليلة بالقسم ضافتك لم ابت لسقمك الا ساهر اتململُ
كأني انا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني وعيني تهملُ
فلما بلغتَ السنَّ والغايةَ التي إليها مدَى ما كنتُ فيك أُؤمِّلُ
جعلتَ جزائِي غلظةً وفظاظةً كأنَّك أنت المُنعِمُ المُتفضِّلُ
فليتَك إذ لم ترعَ حقَّ أُبُوَّتي فعلتَ كما الجارُ المُجاوِرُ يفعلُ
فأوليتني حق الجوار ولم تكن علي بمالٍ دون مالك تبخل ُ
عباد الله : ان عقوق الوالدين كبيرة وجريرة توجب غضب الله وسخطه وعذابه ، فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراكُ بالله ، وعقوقُ الوالدين ، وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت " متفق عليه ، وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ومنعاً وهات ، ووأد البنات ، وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " متفق عليه ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رَغِم أنفُ ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدَهما أو كليهما ، فلم يدخل الجنة " أخرجه مسلم ، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يدخلون الجنة ، العاقُّ بوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ، والديوث" أخرجه أحمد والنسائي ..
فما أعظم دناءة العاق وخسته ، ومهانته ورذالته ، وسفاهته وحماقته ! لما بلغ والداه الكبر وذوى عودهما وانحنى عمودهما ، قابلهما بالجحود والنكران والهجران والنسيان والقطيعة و الحرمان .. استبدل الوفا بالجفا ، والصفا بالأذى والبذا ، إن سئل بخل ، وإن عوتب جهِل ، وإن رُجي خيَّب ، وإن طُلب تغيب .. لا يجيب إلا عنفا ، ولا يعطي إلا خوفا ، ولا يعرف إلا سوف .. نسي أن أمر الوالدين مطاع ، وحقهما لا يضاع ، فويلٌ للعاق يومَ ركب مطية العقوق ، وسار في ركب أهل الفجور والفسوق ، ويل للعاق يوم أضجر والديه وأبكاهما ، وأحزنهما وأشقاهما ، وأرقهما وآذاهما ، وتركهما يعانيان كرب الأشجان ومرارة الأحزان .
أيها العاق لوالديه ، الناسي لما يجب عليه ، الغافل عما بين يديه ، كيف تعامل والديك بالازدراء والإهمال ، والاحتقار والإذلال ، والتسويف والمِطَال ، وتقدم عليما الزوجة والعيال ، والأصحاب والأموال وقد بلغت مبلغ الرجال ، وعلقا عليك - بعد الله -الآمال ، وانتظرا منك البر والإجلال والعطف والوصال ، كيف تطلب رضا مولاك وقد عققت أمك وأباك ، كيف هجرت أمك ، وقد أطارت لأجلك الوسن ، وأخدمت لأجلك البدن ، وسقتك من ثديها اللبن ، وصيَّرتْ حجرها لك المنزل والسكن ، وتحملت لأجلك التعب والنصَب والوهن .
وإن أصابك هم أو حزن أصابها الغم والكرب والشجن ، وآثرتك على نفسها وتمنت حياتك - ولو بموتها - .. فلما أصابها الكبر واحتاجت إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك ، وقابلت أياديها بالنسيان ، وفضلها بالنكران ، وصعب لديك أمرها وهو يسير ، وطال عليك عمرها وهو قصير ، وهجرتها وما لها سواك - بعد الله - نصير ، وضقت بها ذرعا و ذوقتها سما وبتَّ قرير العين ريان ناعماً ، مكبَّاً على اللذات لا تسمع اللوم .. أهذا جزاها بعد طول عنائها ؟ لأنت لذو جهل وأنت إذاً أعمى ..
عباد الله : عن أبي بردة أنه شهد ابن عمر ورجل يطوف بالبيت ، وقد حمل أمه وراء ظهره يقول : إني لها بعيرها المذلَّل إن أُذعرت ركابها لم أذعر ، ثم قال لابن عمر : أتراني جزيتها ؟ قال : لا ، ولا بزفرة واحدة ، أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه " أخرجه مسلم ، فيا أيها العاق لوالديه كم جرعاك حلواً وجرعتهما مريرا ، فأتبع الآن تفريطك في حقهما أنيناً وزفيرا فقد راعياك طويلا فارعاهما قصيرا وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً[الإسراء 24 ، كن بهما عطوفا رحيما، ولهما خدوما ذليلا ، وقل لهما قولا كريما ولفظاً جميلا ، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "رضا الرب في رضا الوالد ، وسخط الرب في سخط الوالد " أخرجه الترمذي .
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي أمرَنا بالبرِّ وأداء الحقوق، ونهانا عن القطيعة والعُقوق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ من يطمعُ في رِضاه وإلى جنَّته يتُوق، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلهِ وأصحابِه وأتباعِه ما تعاقبَ الجَديدان بين غروبٍ وشروق.
أما بعد ، فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه ، و أطيعوه ولا تعصوه .يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ التوبة 119.
أيه المسلمون .. الحياة دين ووفاء ، وسلف وجزاء ؛ فمن بر والديه بره بنوه ، ومن عق والديه عقه بنوه وهجروه وقطعوه ، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، وعفوا تعفَّ نساؤكم" أخرجه الحاكم والطبراني ، فهنيئاً للواصل البار رضا والديه عنه ودعاؤهم له وثناؤهم عليه .
أيها المسلمون ، ومن فُجعَ بوالديه فليواصل برهما بعد موتهما ؛ فالبر لا ينتهي والإحسان لا ينقضي ، فعن أبي أُسيد الساعدي -رضي الله عنه - قال : فيما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال : يا رسول الله هل بقي من بر أبويَّ شيءٌ أبرهما به بعد موتهما ، قال : نعم ، الصلاة عليهما والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : " نعم " متفق عليه . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة ، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه لو كان مسلماً فأعتقتم عنه ، أو تصدقتم عنه ، أو حججتم عنه بلغه ذلك " أخرجه أحمد وأبو داود .
هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز وجل
: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
وقال عليه الصلاة والسلام:
"من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، ابي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ. اللهم امنا في دورنا واصلح ائمتنا وولاة امورنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك وايبع رضال يارب العالمين ، اللهم وفق امامنا خادم الحرمين الشرفين و نائبه الى كل خير ، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم اليه ، يارب العالمين
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب
اللهم لا تجعلنا ممن يعقّون فنعقّ أو ممن يهجرون فنهجر, اللهم وفقنا و وفق ازواجنا و أولادنا لبرّ والدينا يا رب العالمين
وأصلح اللهم أحوالنا في الأمور كلها وبلغنا بما يرضيك أمالنا واختم اللهم بالصالحات
أعمالنا وبالسعادة أجالنا وتوفنا يا رب وأنت راض عنا ، ربنا لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شفيته ولا ميتا إلا رحمته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا فيها صلاح الا قضيتها لنا برحمتك يا ارحم الراحمين ،اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهمّ اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع مجيب الدعوات ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . عباد الله
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)
المرفقات
عن-بر-الوالدين
عن-بر-الوالدين