بَرَكَةُ العُمُرِ والعَمَلِ، وَخُطُورَةُ الكَهَنَةِ والْمُشَعْوذينَ 23/3/1443

خالد محمد القرعاوي
1443/03/22 - 2021/10/28 10:24AM
بَرَكَةُ العُمُرِ والعَمَلِ، وَخُطُورَةُ الكَهَنَةِ والْمُشَعْوذينَ 23/3/1443ه
الحمدُ للهِ وفَّقَ مَنْ شَاءَ لِطاعَتِهِ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلماً وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَداً، أَشْهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ الْمصطفى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وعلى آلِهِ وأَصحَابِه والتَّابعينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ وبِنَهْجِهِمُ اقْتَفَى. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأَكْثِرُوا مِن الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
عِبَادَ اللهِ: ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:" أَعمَارُ أُمَّتي مَا بَينَ السِّتِّينَ إِلى السَّبعِينَ، وَأَقلُّهُم مَن يَجُوزُ ذَلِكَ". وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ لَنَا سِنِينَ مَعدُودَةً، وَقَضَى لَنَا عُمُرًا مُحَدُودًا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى). وفي حَدِيثٍ حَسَنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ، وَلا يَزِيدُ في العُمُرِ إِلاَّ البِرّ ُ". وَقَدِ اختَلَفَ العُلَمَاءُ في مَفهُومِ زِيَادَةِ العُمُرِ هُنَا؛ وَمِمَّا لا شَكَّ فيهِ أَنَّ بَرَكَةَ العُمُرِ حَاصِلَةٌ فِيمَنْ يَعْمَلُ بِأَنْواعِ البِرِّ!
فَعَلى سَبِيلْ المِثَالِ صِلَةُ الرَّحِمِ؛ قَالَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ". صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ في رِزقِهِ، وَأَنْ يُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَسْبَابِ طُولِ العُمُرِ وَبَرَكَتِهِ مَا ثَبَتَ أَيضًا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"صِلَةَ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَار، وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَار".
وَحُسْنُ الْخُلُقِ يَا رَعَاكُمُ اللهُ، يُدْرِكُ بِه الْمُسْلِمُ دَرَجَاتٍ عَالِيَةٍ، كَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصّائِمِ الْقَائِمِ".
 عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَسْبَابِ طُولِ العُمُرِ وَبَرَكَتِهِ الإكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾. وَهَذَا سَعدُ بنُ أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِندَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَيَعجزُ أَحَدُكُم أَن يَكسِبَ كُلَّ يَومٍ أَلفَ حَسَنَةٍ؟ " فَسَأَلَهُ سَائِلٌ: كَيفَ يَكسِبُ أَحَدُنَا أَلفَ حَسَنَةٍ؟! قَالَ: "يُسَبِّحُ مائَةَ تَسبِيحَةٍ، فَيُكتَبُ لَهُ أَلفُ حَسَنَةٍ أَو يُحَطُّ عَنهُ أَلفُ خَطِيئَةٍ".
وَعَنْ أُمِّ الْمُؤمِنِينَ جُوَيرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِن عِندِهَا يَعْنِي صَبَاحًا ثم رَجَعَ بَعدَ أَن أَضحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: "مَا زِلتِ عَلَى الحَالِ الَّتي فَارَقتُكِ عَلَيهَا؟" قَالَت: نَعَمْ، قَالَ النَّبيُّ:" لَقد قُلتُ بَعدَكِ أَربَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لَو وُزِنَت بما قُلتِ لَوَزَنَتهُنَّ: سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، عَدَدَ خَلقِهِ وَرِضَا نَفسِهِ وَزِنَةَ عَرشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ".
 عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَبْرَكِ الذِّكْرِ مَا حَثَّ عَليهِ نَبِيُّنَا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ حينَ قَالَ:"مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً". حَسَّنَهُ الألبَانِيُّ
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا يَزِيدُ بَرَكَةً فِي أَعْمَارِنَا القَصِيرِةِ: الإكْثَارُ مِن الصَّلاةِ في الْحرمَينِ الشَّرِيفَينِ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:" صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ وَصَلاَةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ".
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ في أَعْمَالِنَا وَأَعْمَارِنَا، وَأَنْ يُحْيِيَنَا حَيَاةً طَيِّبَةً. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِلمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ فَاسْتِغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
 
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على نِعمَةِ الإيمانِ والعَقِيدَةِ. أَشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ ولهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٍ. وَأَشهَدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ. الَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وبَارِك عليهِ وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ أَهْلِ الْمِلَّةِ الْمَجِيدَةِ. أَمَّا بَعدُ. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: مَا خَلقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرضَ، ولا الْجَنَّةَ والنَّارَ، وَلا أَرْسَلَ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، إلَّا لِعِبَادَتِهِ وَتَحْقِيقِ التَّوحِيدِ لَهُ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ رَبُّنَا جَلَّ فِي عُلاهُ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:" إنَّ حَقَّ اللهِ علَى العِبادِ أنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ، ولا يُشْرِكُوا به شيئًا، وحَقَّ العِبادِ علَى اللهِ عزَّ وجلَّ أنْ لا يُعَذِّبَ مَن لا يُشْرِكُ به شيئًا" رواه مسلم.
أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: وَمِمَّا يُخِلُّ بِدينِ الْمَرْءِ وَعَقِيدَتِهِ: ذَهَابُهُ لِلسَّحَرَةِ والْمُشَعْوِذِينِ، وَتَصْدِيقُ الكَهَنَةِ والعَرَّافِينَ والْمُنَجِّمِينَ، فَعَن أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:» مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ«. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:» لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ، أَوْ تُطِيَّرَ لَهُ أَوْ تَكَهَّنَ، أَوْ تُكِهِّنَ لَهُ أَوْ سَحَرَ، أَوْ سُحِرَ لَهُ وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ «.
أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: وَإتْيَانُ الكُهَّانِ والعَرَّافِينَ والْمُنَجِّمِينَ لَهُ صُوَرٌ مِنْهَا: الذَّهَابُ إليهِم لِقِرِاءِةِ الكَفِّ، أو النَّظَرِ بِالفِنْجَانِ، وَمِنْ صُوُرِ الإتْيَانِ: مُطَالَعَةُ أَبْرَاجِ الْحَظِّ. أَو مُتَابَعَةُ الفَضَائِيَّاتِ التي تَبُثُّ كَلامَهُمْ. وَالكَاهِنُ: هُو الذِي يَتَكَهَّنُ وَيَدْعِي مَعْرِفَةَ مَا في الْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا العَرَّافُ: فَهُوَ الذي يَدَّعِي مَعْرِفَة الْمَاضِي. وَأَمَّا الْمُنَجِّمُ: فَهُو مَنْ يَسْتَدِلُّ بالاطِّلاعِ على النُّجُومِ عَلى أُمُورِ الغَيبِ. فَمَنْ جَاءَ إلى هُؤلاءِ وَأَمْثَالِهِمْ مُصَدِّقًا لَهُمْ مُقْتَنِعًا بِقَولِهِمْ فَقَدْ كَفَرَ بِالقُرآنِ والسُّنَّةِ. وَمَنْ جَاءَهُمْ سَائِلاً لَهُمْ بِدُونِ إيمَانٍ بِقَولِهِمْ وَلا مُصَدِّقًا لَهُمْ (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً). كَمَا قَالَ ذَلِكَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. فَالأمْرُ يَا رَعَاكُمُ اللهُ جِدُّ خَطِيرٌ، فَمَنْ تَعَلَّقَ بِهم وُكِلَ إليهم، وَمَنْ وُكِلَ لِغَيرِ اللهِ ضَلَّ! فلا تَغُرَّنَّكُمْ بَعْضُ أَخْبَارِهِمْ فَهُمْ يَخْطِفُونَ الْكَلِمَةَ وَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ. وَصَدَقَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}.
فَاشكُرُوا اللهَ يا مُوَحِّدُونَ: على ما عافَاكُم اللهُ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ كَثِيرٌ من النَّاسِ. وادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. اللهم اجعلِ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قُلوبِنَا، ونورَ صدُرِناَ، وجلاءَ أحزانِنَا، وذهابَ همومِنَا. اللهم اشرح صدورَنا بالإيمانِ واعمرْهَا الإحسانِ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وَلِلمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ياربَّ العالمين. اللهم أغث قلوبنا بالعلم واليقين وحُسنِ التَّوكُّل والإيمانِ، وَبلادَنا بالخير والأمطار، ربَّنا آتنا في الدُّنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
 
 
المشاهدات 1839 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا