بركة العمر وأيام العشر -عشرُ ذي الحجة-مزيدة ومنقحة بتفيؤ ظلال العشر لا استقبالها

محمد بن عبدالله التميمي
1440/11/22 - 2019/07/25 13:53PM

الخطبة الأولى

الحمد لله حمد نفسه وهو الحميد، وحَمِده عبادُه الصالحون فالحمد لله ربِّنا المجيد، أحمده سبحانه على نعمه المتواترة ومننه المتظاهرة، وأشهد أنه لا معبود بحق إلا الله جل جلالُه، وأشهد أن محمدا عبدُالله ورسولُه، أمينُه على وحيه، وخيرتُه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله وإياكم والإصرار على معصية الله، فإن الذنوب إذا تكاثرت طُبِعَ على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، وتقوى الوحشة فيَستثقل الطاعة، وقد يُحرم الإنسانُ الخيرَ بالذنب يصيبُه، واحذروا النفس التي هي بالسوء أمارة، فعالجها لتكون مطمئنة راضية مرضية، فوَاللَّه مَا أكرمها من لم يُهنها، وَلَا أعزَّها من لم يُذلّها، وَلَا جبرها من لم يكسرها وَلَا أراحها من لم يتبعهَا وَلَا أمنها من لم يخوفها وَلَا فرحها من لم يحزنها .

واغتنموا –رحمكم الله- مواسمَ العبادة قبل فواتها، فالحياة مغنم، والأيام معدودة، والأعمار قصيرة، وإن أعمار هذه الأمة أقصر أعمارا من الأمم السابقين، فهي ما بين الستين إلى السبعين، ولكنَّ الله بمنِّه وكرمِه جعل في كثير من الأعمال الصالحة والمواسم الفاضلة بركةً في العمر .

عباد الله.. إنكم تشهدون من أنفسكم وممن ترون اجتهادا بالغا في العشرين الأول من رمضان، وذلك خير، إلا أن ثمت أيامٌ تَفضُلُها.. ليست هي العشر الأواخر من رمضان، فذلك من العلم بمكان.. إنها العشرُ التي لظلالها تتفيؤون –عشرُ ذي الحِجة- أقسم بها الله فعظَّم شأنها-فإنه سبحانه إذا أقسم بشيء فهو دليل على عظمته-قال جل ذكره: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، هي أيام عشر ذي الحجة. في قول ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم وفي قول جمهورِ المفسرين .

عباد الله.. تُستقبل هذه الأيام بالتوبة الصادقة النصوح وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، وإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، وإنما يُعين المسلمَ على الازدياد من الطاعة ربُّه "اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك" ومن ذلك ما يُنيلُه اللهُ من الأنس بالطاعة وتلك خير بضاعة، وكذلك تُستقبل بالعزم الصادق الجادّ على اغتنامها، والبُعدِ عن المعاصي واقترافِها، وذلك من تعظيمها في شهر حرام ﴿فلا تظلموا فيهن أنفسكم﴾، وخصها السلف الصالح بالتعظيم .

وقد عظم رسول الله العمل الصالح فيهن فبين أنه لا أحب ولا أعظم ولا أفضل ولا أزكى منه فيهن، فقد أخرج البخاري من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما العَمَلُ في أيّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟» -وفي رواية: «أعظم» وفي ثانية: «أفضل» وفي أخرى: «أزكى»- قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِهِ ومالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ» فعُلم أن العمل الصالح فيهن أفضل وأعظم وأحب من الجهاد في سبيل الله غير المتعين بالمال كله دون النفس، أو الجهاد بالنفس دون المال، وهذا والله أيسر، فاللهَ اللهَ باغتنام الأيام التي عَظَّم العملَ الصالحَ فيهن الله .

عباد الله.. ومن فضلها أن خصها الله عز وجل بالأمر بذكره فيهن، وهن الأيام المعلومات، قال تعالى ذكره: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ وهن أيام عشر ذي الحجة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة، وكذلك خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما في المسند من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» وفي رواية: «والتسبيح» هكذا ذكرا مطلقا في جميع الأحوال، وإنما يكون المقيد من التكبير بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق –كما جاء عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم-والمراد بالتقييد رفع الصوت به أدبار الصلوات المكتوبات المؤداة في جماعة –كما جاء عن ابن عمر وغيره-، فيجتمع من فجر عرفة التكبير المطلق والمُقيّد، وإن من صالح العمل الصوم ابتغاء وجه الله، ويَعظُم الأجر مع ظمأ الهواجر، ومن صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا، وهكذا رُوي صومه صلى الله عليه وسلم لها عن بعض أزواجه، وهكذا شُهر عن السلف، وهو من أفضل الأعمال الصالحة؛ إذ تكفل الله بأجرِه، فلم يُسَمِّه، فمستحب صيام التسعة الأيام الأولى من شهر ذي الحجة، وآكدها استحباباً التاسع منه فهو يوم عرفة؛ فصيامه: كفارة لسنتين - سابقة وقابلة – كما في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صيام يوم عرفةَ، أحتسب على الله تعالى أن يُكفِّر السنةَ التي قبله، والسنةَ التي بعده» .

عباد الله.. إن من العمل الصالح ما لا يكون إلا في هذه العشر، فالأوَّل: الحج لبيت الله الحرام، الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه العظام ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ والفضل المترتب عليه عظيم، ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ»، وفي الصحيحين أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال: «العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفّارَةٌ لِما بيْنَهُما، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزاءٌ إلّا الجَنَّةُ» .

بارك لله لي ولكم في الأعمال الصالحات، وأعان على الجِدِّ فيما يُقرِّبُ من مرضاته ويرفع الدرجات، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارا به وتوحيدا ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا مزيدًا، أما بعد:

عباد الله.. من بلَّغه الله هذه الأيام فليغتبط بهذه النعمة، وثاني صالح العمل الذي لا يكون إلا في هذه العشر: ذبح الأضاحي الذي هو شعيرة من شعائر الإسلام ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ فهذا التعظيم مِن أفعال أصحاب القلوب المتصفة بتقوى الله وخشيته، ومن ذلك التعظيم لهذه الشعيرة التهيؤ لها، فمن كان ناويا الأضحيةَ فعليه ألا يأخذ شيئاً من أشعاره ولا من أظفاره ولا من بَشَره شيئا، وذلك منذ ثبت دخول شهر ذي الحجة؛ كما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنه: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» وفي رواية في مسلم أيضا: «فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا، وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا» .

ثم صلوا عباد الله وسلموا على من بعث الله رحمة للعالمين، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، فذلك أمْرُ ربِّكم، وبه تَعظُم مثوبتكم، ويذكركم ربكم، فتلك صلاة الله على من صلى على رسول الله، كما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَن صَلّى عَلَيَّ واحِدَةً صَلّى اللَّهُ عليه عَشْرًا».

المرفقات

العمر-وأيام-العشر-عشُر-ذي-الحجة

العمر-وأيام-العشر-عشُر-ذي-الحجة-1-1

العمر-وأيام-العشر-أول-عشُر-ذي-الحجة

العمر-وأيام-العشر-أول-عشُر-ذي-الحجة

المشاهدات 2350 | التعليقات 1

بارك الله فيك ونفع بك