بذور المحبة وبذور البغضاء

حسام بن عبدالعزيز الجبرين
1445/02/07 - 2023/08/23 18:27PM

الحمد لله الذي بسط الأرض الفسيحة، وقدر الأعمال والأقوال الحسنة والقبيحة ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تكاليفه مُحَرِّمِة ومُبِيحة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله نصح الأمة ببراهين للأذهان صريحة ،

صلـى الإلـهُ على النّبي وسلّمـا * مـا  غرّد الطيرُ المحلّـقُ في السمـا

 أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ؛  فقد ورد أن آخر آية نزلت من القرآن هي قول الله سبحانه {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281 

عباد الرحمن : الجنة وما فيها من النعيم أغلى مطلوب ، وقد أخبر الصادق المصدوق أنها لا تُدخل إلا بالإيمان ، وأخبر أن الإيمان لا يتحقق إلا إذا أحب المسلمون بعضهم بعضا ؛ ففي الحديث : " والَّذي نَفسي بيدِهِ ، لا تدخُلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمِنوا ، ولا تؤمِنوا حتَّى تحابُّوا ، أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحابَبتُمْ ؟ أَفشوا السَّلامَ بينَكُمْ ". رواه مسلم .

إخوة الإيمان : الحديثُ السابقُ كافٍ في بيانِ أهميةِ وضرورةِ المحبة بين المسلمين فإنه لا دخول للجنة إلا بالإيمان ولا يتم الإيمان إلا بتحابُبِ المسلمين !

ولو تأملنا في الأوامر الشرعية فإننا سنجد أن كثيرا من الأوامر تزيد المحبة بين الناس و لو تأملنا النواهي الشرعية سنجد أن كثيرا منها تسبب البغضاء والعداوة .

فتعالوا إلى استعراضٍ سريعٍ مختصر في العبادات التي تغذي المحبة بين المسلمين .

أمر  الإسلام بالسلام ، والمصافحةِ ، والابتسامةِ ، والبشاشةِ ، والكلمةِ الطيبة ؛ بل باختيار التي هي أحسن ، ورغّب بالحياءِ وبالكرمِ والجودِ بأنواعه ! وبالوفاء وبحسنِ العهد ، وتفريجِ الكربة ، و حثّ الإسلام على الإيثار وإبرارِ المُقْسِم، وإكرامِ الضيف ، ومساعدةِ المحتاج ، ودلالةِ الطريق ، وأكّد  الإسلام على برِ الوالدين ، و صلةِ الرحم ، والإنصافِ والعدلِ ، والصدقِ ، والأمانةِ ، ونصرةِ المظلوم .

وأمر بالأحسانِ لذوي القربى واليتامى والمساكينِ والجارِ القريب والجارِ البعيد والصاحبِ بالجنب وابنِ السبيل وملكِ اليمين .

ومن الأمور التي أمر بها الإسلام أيضا مما ينمي الألفة والمحبة بين المسلمين : صلاة الجماعة، و التواضع ، والعفو ، والهدية ، والمكافأة عليها .

ورغب الإسلام بتوقير الكبير ورحمة الصغير ، وبالنظافة والتجملِ والتطيبِ ،  وبحسن الظن ، و أن تحبَّ لأخيك ما تحب لنفسك ، وبسلامة القلب ،  وبالمشي في حاجة أخيه وبالستر على المسلم .

 وأمر الإسلام بإطعامِ الطعام ، وعيادة المريض ، وإجابةِ الدعوة ،  والتهنئة عند فرحه والمواساة عند مصابه ،  وبأن تعاملَ الناسَ بمثلِ ما تحبُ أن يعاملوك ،  وبالشكر للمحسن .

وندب الإسلام إلى الدعاء لأخيك بظهر الغيب ، وإخبارِ من تحب أنّك تحبُه ، وأن تقابل الإساءة بالإحسان ، ورد التحية بأحسن منها ، والتبشير بالخير .

 وأمر الإسلام  بدفع الزكاة والصدقات للفقراء ، والقولِ الميسور عند الاعتذار من السائل وحثّ على القرضِ الحسن ، وإنظار المعسر والوضع عنه وندب إلى إعارةِ العارية ، والإقالةِ في البيع عند رغبة أحد الطرفين  ، والزهدِ فيما في أيدي الناس ، والإصلاحِ بين الناس .

عباد الرحمن : حسن الخلق عموما يجلب المحبة ، والمؤمن يَألف ويُؤلف ، بل اسمعوا لهذا الخبر العجيب ؛ أخرج البخاري عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال : " أَقْبَلْنا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ، حتَّى إذا أشْرَفْنا علَى المَدِينَةِ قالَ: هذِه طابَةُ، وهذا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّهُ " .

بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة وبما فيهما من الآي والحكمة واستغفروا الله إنه كان غفارا

الحمد لله القائل {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً }الإسراء53 وصلى الله وسلم على الصادق المصدوق المخبر " إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ " أما بعد : فإن أمر المحبة بين المسلمين كبير في الإسلام ؛ ولذا تعددت النصوص في شأنه وتنوعت فيما يسقيه وينميه ، وجاءت الشريعة بالنهي عن الأمور التي تسبب العداوة والبغضاء ؛ فجاء النهي والتخويف عن الظلمِ ، والقمارِ ، والخمرِ ، وجاء الترهيبُ من : العقوقِ ، وقطيعةِ الرحم ، والهجرِ فوق ثلاث ليال ، وجاء الوعيد في : القتلِ ، وانتهاكِ الأعراض ، والقذفِ ، ومنْعِ فضل الماء .

وجاء الترهيب من الغيبةِ ، والنميمةِ ، وشهادةِ الزور ، والمنّةِ ، وأكلِ مال اليتيم .

وجاء النهي عن : العنصريةِ ، والشماتةِ ، والتنمر والسخرية ، وسوء الظن ، والتجسس ، والكلمة السيئة  ، وعن نهر السائل والغلظة على اليتيم ، وعن التنابز بالألقاب ، وعن تناجي اثنين دون الثالث .

وجاء الترهيب من : الكذبِ ، واللعن ، والحسدِ ، والكبْرِ ، والغشِ ، والسرقة ، واحتقارِ المسلم .

و جاء الترهيب من الغدر عند المعاهدة ومن خيانة الأمانة ومن إخلافِ الوعد ومن الفجورِ عند الخصومة .

وجاء النهي عن الشح وعن النجشِ في البيع ، وأن يبيع على بيع أخيه ، وأن يخطب على خطبة أخيه ، وعن مماطلة الغني في السداد ، وعن الفظاظة وغلظة القلب ، و عن تصّعير الخد ، وعن أذى الجار ، وعن الحقد ، وعن المِراء والجدال .

عباد الرحمن : هذه الأمور التي نهى عنها الشارع الحكيم كلها مما يسبب العداوة والبغضاء فلنحذرها ولنحرص على ما يزيد المحبة بيننا ، ولنحرص على غرس هذه المعاني في نفوس أبنائنا ومن حولنا .

ختاما : التحاببُ سعادةٌ ونعيمٌ معجّلٌ لأهله ، وبابٌ لقرباتٍ كثيرة ، وسلامةٌ من آثامٍ كبيرة

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ....

المرفقات

1692804419_مسودة خطبة.docx

المشاهدات 1368 | التعليقات 1

اجمل خطبة كتب الله اجرك