بدء العام الدراسي

بدء العام الدراسي

ألقيت في جامع حمراء الأسد – المدينة المنورة

عبد الله بن عبد الرحمن الرحيلي

19/ المحرم/ 1443

عناصر الخطبة:

1-الوصية للجميع بإصلاح النية.

2-وصايا للأسر وأولياء الأمور.

3-وصايا للمعلمين.

4-وصايا للطلاب.

5-أثر التقوى والطاعة على تحصيل العلم.

6-الحث على عون المحتاجين مع بدء الدراسة.

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله الكبير المتعال، المتفردِ بالعظمة والجلال، المتفضلِ على خلقه بجزيل النوال.

أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجلال والجمال والكمال.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أنقذنا الله به من الضلال.

صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وأكرم آل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .

 

أما بعد:

فاتقوا الله الملك العلام؛ واجتنبوا المعاصيَ والآثام، واعتبروا بتقلبات الأحوال والأيام، واذكروا ما منَّ به الله عليكم من الفضل والإنعام.

وإنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ علينا؛ ما نَشْهَدُهُ هذهِ الأيّام؛ من عودة الطلاب إلى مقاعد التعليم؛ ليستقبلوا عاما دراسيا جديدا؛ في أمن ورخاء، وانحسار بفضل الله للوباء؛ فالحمد لله على سابغ آلائه؛ ونسأله المزيد من نعمائه.

 

عباد الله..

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته"، إن الموقف أمام الله عظيم، يُسأل العبد عمَّا ائتُمن عليه من أمر المسلمين، فراقبوا الله تعالى فيما تأتون وتذرون.

 

ومع استشعار الأسرة والمعلم والطالب لثقل الأمانة؛ واصطحابِ التقوى لله والمراقبة؛ نقطف للتربية ثمارا يانعة؛ وينال المجتمعُ السؤدُدَ والرفعة.

 

مع العودة للدراسة؛ يجب أن نستحضر الإخلاص لله وإصلاح النية؛ تحتسب الأسرة النية الصالحة في إعانة أبنائها على العلم؛ وشراءِ مؤن الدراسة.

 ويلتمس المعلم الثوابَ في إعداد درسه، وبذلِ وقته.

ويطلب الطالب رضا الله في تعلم دينه؛ ومعرفةِ ما تصلح به دنياه؛ لتكونَ عونا له على طاعة الله.

 

عباد الله.. إن مِنْ أعظم واجبات الأُسْرَة: اهتِمَامَها بتَعلِيمِ أبنَائِها العلوم النافعة، وحرصَها على تعليمهم الأدب والخير والفضيلة.

فهيؤوا أبناءكم للتعليم والتحصيل؛ بمعرفة شرفِ ما يطلبون؛ وثوابِ ما يبذلون.

أرشدوهم إلى احتساب الأجور والحسنات، والإسهامِ في نهضة الأوطان والمجتمعات.

 

نشؤوهم على حب الآخرة؛ وكونوا لهم قدوة صالحة، وبينوا لهم أن أساس التوفيق حسنُ الصلة بالله، والمحافظةُ على الصلاة.

وكونوا على شهودهم الصلاةَ مع الجماعة، أشدَّ حرصا منكم على لَحاقهم بمقاعد الدراسة.

 

اغرسوا فيهم مكارم الأخلاق؛ ربوهم على حفظ اللسان؛ وشجعوا فيهم التعاون مع الخلان، جنبوهم فحش الكلام والسخرية؛ نبهوهم على خطر الغيبة والنميمة والمعصية.

تابعوا سلوكهم وأخلاقهم، واصطفوا لهم صالح الزملاء، وأحيطوهم بالتوجيه والدعاء.

 

إن مهمة التربيةِ والتعليم ليست مقتصرة على المعلم والمدرسة؛ بل للأسرة فيها حظ وافر ونصيب كبير؛ فلا يفلح طالب من غير متابعة، ولا يبقى علم بلا مذاكرة.

 

عباد الله.. إن التَّعليم اقْتِدَاءٌ بخير الأنبياء، فَقَدْ بَعَثَ اللهُ نبيكم صلى الله عليه وسلم إلى الناس: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [الجمعة: 2]، بَعَثَهُ اللهُ لِيُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ومَكارِمَهَا؛ فهنيئاً للمعلمين ما هم فيه إن أحسنوا واحتسبوا.

 

أيها المعلمون.. أقبل أبناؤنا إليكم يرجون نافع العلوم، فَخُذُوا بأيديهم إلى الخيرات، واغرِسُوا فيها الإيمَانَ والصالحات، وَأبْشِرُوا بِقَولِ اللهِ عز وجل (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]

 

لقد شرفكم الله أيها المربون بحمل رسالة جليلة، وفتح لكم أبوابا من الحسنات عظيمة.. فإن " اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ، وَأَهْلَ السماوَاتِ وَالأَرَضِينَ، حَتى النّمْلَة فِي جُحْرِهَا، وَحَتّى الْحُوت، لَيُصَلّونَ عَلَى مُعَلّمِ النّاسِ الْخَيْرَ".

إن الطلاب ودائعُ الأمة بين أيديكم، سلَّمتْهم إليكم أطفالاً؛ لتردوها إليها رجالاً، وقدَّمَتْهم إليكم هياكلَ لتنفُخوا فيها الروح والهدى، وأوعيةً لتملؤوها بالفضيلة والتقى.

 

فاستحضروا رفيع المنزلة، واقتدوا بسادات الأنبياء في صفة التربية؛ يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفروا.

إن المعلم الناجح حقا: من أسَرَ قلوب طلابه؛ رأوا فيه الأبوة فبجَّلوه، ولمِسوا منه الصداقة فأحبوه.

 

معلمٌ حَسَنُ القدوة، لين المعاملة، رحيم القلب، متسلح بسلاح العلم، بارع في حسن العَرض.

معلم يبادل طلابه المحبة والنصح والاهتمام، يرونه كبيرا عاليَ المقام؛ يرونه شمسا تبدد الجهل والظلام؛ تبث فيهم العزيمة، وتقوِّم منهم المعوج، وتحبِّب إليهم الخير.

 

المعلمون حصن منيع -بتوفيق الله- من تسلل الأفكار الضالة إلى المجتمعات؛ فإن الطلاب اليوم تتقاذفهم أمواج الشبهات والشهوات.

إنكم أيها المربون مُؤتَمَنُونَ على تَربيةِ الأجيال، وإعدَادِ الأولاد الأفذاذ، وتَنشِئَةِ الأبناء نشأة صالحة؛ سالمة من مَسالِكِ الانحرافِ.

فالأمانة الملقاة عليكم ثقيلة، والمسئولية اليوم مضاعَفة.

 

فاستعينوا بالله معشر المعلمين؛ وكونوا لطلابكم الدرعَ الواقيَ والحصنَ الحصين، الذي تتحطم أمامه شبهاتُ الضالين وشهواتُ المغرضين.

 

أحسنوا الإعداد لدروسكم، وتواضعوا لطلابكم؛ وزِنوا أفعالكم وأقوالكم.

يتعلَّمُ الطالب منكم الرَّحْمَةَ إذا عومل بها، ويستفيد الصدقَ إذا قوبل به، والعدلَ إذا مورس معه.

 

اذكروا قول نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "إِنّ الرّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ".

أخلصوا لله في عملكم وأصلحوا نيتكم؛ واحتسبوا عملكم ونصبكم.

وفقكم الله وسددكم وأعانكم، وأعظم أجوركم وثقل ميزان حسناتكم.

 

أيها الطلاب.. أخْلِصُوا للهِ عزَّ وجلَّ في طَلَبِ العِلْم، وعليكم بالمثابرة والاجتهاد، توكَّلُوا على اللهِ وسلوه العونَ والرشاد .

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لعلي رضي الله عنه "قُلِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِى وَسَدِّدْنِى، وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ".

 

كن أيها الطالب عاليَ الهمة فيما تطلب؛ قويَّ العزيمة فيما تبذل، فبعلو الهمة تُنال المطالبُ العالية، وبصدق العزيمة تُدرك المنازلُ السامية؛ بإذن الله وتوفيقه.

وقَّروا معلميكم وبجلوهم، واحْذَروا سوءَ الرُّفقة، وضِعَافَ الهِمَّة.

واعلموا أن العلم بلا أدبٍ وتزكية؛ وبالٌ وسوءُ عاقبة.

 

احرصوا على معالي الأمور، واجتنبوا سفسافها.

أظهروا أَثَرَ العِلْمِ في أخْلاقِكُم؛ وأبرزوا ثمرة التربية في تَعَامُلِكُم، وما أجمل أن يثمر القرآنُ صلاحا في قُلُوبكم.

انشدوا بعلوم الكتاب والسنة رِفْعَةُ الدُّنيا والآخِرة: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]

 

استقبِلُوا عامكم بفألٍ حَسَنٍ، واستعيذوا باللهِ من العجزِ والكَسَلِ، فإن الأسر تنتظر منكم الصلاح والإصلاح؛ وترجو الأمة منكم البناءَ والرفعة.

 

اللهم اجعل عامَنَا الدِّراسيَّ عامَ خيرٍ وهدىً ، ويُمنٍ وإيمان، وسلامة وإسلام.

اللهم وفق الطلاب لكل خير وفضيلة، وجنبهم السوء واحفظهم من الشرور، اللهم اجعلهم هداة مهتدين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله العفو الغفور؛ وصلى الله وسلم على نبينا المبعوث بالهدى والنور، وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم البعث والنشور.

أما بعد..

فاتَّقُوا اللّه عباد الله؛ واستعينوا على صلاح أعمالكم وبركة أرزاقكم بتقوى الله.

(يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29]

 

إن مَن اتقى الله فتح الله له من أبواب الفهم ما لا يخطر له على بال.

فما اتقى اللّهَ عبدٌ إِلا عُلّمَ الخَيْرَ وأُلْهِمَهُ، وأنْطَقَهُ اللّهُ الهدى والحكْمَة.

يفتح الله على قلوب أوليائه من العلوم النافعة الشيء الكثير، قال سبحانه ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿66﴾ وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا ﴿67﴾ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ [النساء: 66-68]

فاتقوا الله عباد الله يعلمْكم، واستقيموا على أمره يهدِكم، واجتنبوا معاصيه يسددْكم.

 

وبعدُ عباد الله.. فاشكروا نعم الله عليكم، وأحسنوا إلى عباد الله كما أحسن الله إليكم.

وإن موسم العودة للمدارس همٌ لذوي الكفاف؛ فكيف بالمحتاجين؟

 

فيا مَن أفاء الله عليه من الموسرينَ، إنَّ الله هو الذي يعطِي ويمنَع ويخفِض ويرفَع، وهو الذي استخلَفَكم فيما رزقَكم لينظرَ كيف تعملون.

وإن المال أمانة استأمنكم الله عليه، وأنتم مستخلفون فيه؛ فأنفقوا وتصدقوا.

واحمدوا الله أن جعل اليد العليا المنفقةَ يدَكم، وأدوا شكر نعمه لئلا تزول عنكم.

ثم صلوا وسلموا عباد الله على صفوة الأنبياء وإمام الأتقياء؛ القائل (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)

 

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.

 

 

المرفقات

1630099021_خطبة بدء العام الدراسي.docx

1630099021_خطبة بدء العام الدراسي.pdf

المشاهدات 1283 | التعليقات 0