بَدْءُ الخَلْقِ 26 صَفَر

محمد بن مبارك الشرافي
1446/02/24 - 2024/08/28 16:38PM

الْحَمْدُ للهِ الْأَوَّلِ وَالآخِر، والْبَاطِنِ والظَّاهِر، الذِي هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم، هُوَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْء، وَهُوَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْء، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَهُ شَيْء، وَهُوَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَهُ شَيْء، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَيَّتْ عَلَى إِبْرَاهِيمِ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمْ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ، وَوَعَدَهُمْ بِالْحَقِّ لِيُصَدِّقُوهُ، وَأَرْسَلَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا لِيَتَّبِعُوهُ، فَمَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى نَجَا وَمَنْ خَالَفَ هَلَكَ وَلا يَضُرَّنَ إِلَّا نَفْسَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، فَلَمْ يَكُنْ آدَمُ وَلا أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ حَيًّا حَتَى خَلَقَهُمُ اللهُ، بَلْ إِنَّ السَّمَواتِ وَالْأَرْضَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَتَى أَنْشَأَهَا اللهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِي}، وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –وذكر الحديث- وفيه : فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، قَالُوا: جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ ؟ قَالَ (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وعَنْ أَبِي رَزِينٍ العقيلي رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ (كَانَ فِي عَمَاءٍ، مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى المَاءِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالعَمَاءُ: أَيْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَدْ قَصَّ اللهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ خَبَرَ مَا مَضَى مِنْ خَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَذِكْرِ الْأُمَمِ الْمَاضِينَ، وَكَيْفَ فَعَلَ بِأَوْلِيَائِهِ، وَمَاذَا أَحَلَّ بِأَعْدَائِهِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ بَيَانًا شَافِيًا، وَرَخَّصَ فِي ذِكْرِ الْأَخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، فَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إْسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا تَكْذِبُوا عَلَيَّ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ عَمَرَ بنِ الخَطاَّبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسْيِهُ مَنْ نَسْيَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالَى هُوَ عَرْشُهُ، وَخَلَقَ الْقَلَمَ وَأَمْرَهُ بِأَنْ يَكْتُبَ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَالْعَرْشُ هُوَ سَقْفُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللهَ عَلا عَلَى عَرْشِهِ وَارْتَفَعَ عُلُوًّا يَلِيقُ بِجَلالِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَوَصَفَهُ اللهُ بِالْعَظَمَةِ فَقَالَ {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}، وَالْمَجْدُ: سِعَةُ الْأَوْصَافِ، وَمِنْ عِظَمِ الْعَرْشِ أَنَّهُ وَسِعَ السَّمَواتِ وَالْأَرْضَ وَالْكُرْسِيَّ، وَقَالَ تَعَالَى {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، وَعَنْ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟) قَالَ: قُلْنَا: السَّحَابُ، قَالَ (وَالْمُزْنُ) قُلْنَا: وَالْمُزْنُ، قَالَ (وَالْعَنَانُ)، قَالَ: فَسَكَتْنَا، فَقَالَ (هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟) قَالَ: قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ (بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ رُكَبِهِنَّ وَأَظْلافِهِنَّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ شَيْءٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ خَلْقَ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ وَحْدَهُ الْمُسْتَحَقُّ لْلْعِبَادَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}، وَقَدْ خَلَقَ اللهُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَخَلَقَ الْأَرْضَ أَوَّلًا ثُمَّ خَلَقَ السَّمَواتِ ثَانِيًا ثُمَّ دَحَى الأَرْضَ فَأَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، كَمَا بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ وَسُورَةِ النَّازِعَاتِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى {وَلَقَدَ زَيَّنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}، خَلَقَ اللهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاثٍ : جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينَ وَعَلامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ وَتَكَلَّفَ مَا لا عِلْمَ لَهُ بِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، أَيْ فَاوَتَ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي نُورِهِمَا وَفِي شَكْلِهِمَا وَفِي وَقْتِهِمَا وَفِي سَيْرِهِمَا, فَجَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً, وَجَعَلَ وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ فَبِهِ تُعْرَفُ الشُّهُورُ, وَبِالشَّمْسِ تُعْرَفُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ وَبِذَلِكَ تُعْرَفُ السِّنِينُ وَالْأَعْوَامُ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ قَدِ امْتَنَّ عَلَيْنَا بِمَا خَلَقَ مِنَ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ, فَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِسَائِرِ أَرْجَاءِ الْأَرْضِ، مَالِحُ الطَّعْمِ وَفِي هَذَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ لِصِحَّةِ الْهَوَاءِ, إِذْ لَوْ كَانَ حُلْوًا لِأَنْتَنَ الْجَوُّ وَفَسَدَ الْهَوَاءُ بِسَبَبِ مَا يَمُوتُ فِيهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، فَكَانَ يُؤَدِّي إِلَى تَفَانِي بَنِي آدَمَ وَلَكَنِ اقْتَضَتِ حِكْمَةُ الله وَرَحْمَتُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ، وَلِهَذَا لِمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَحْرِ قَالَ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وَأَمَّا الْأَنْهَارُ فَمَاؤُهَا حُلْوٌ عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهَا، وجَعَلَهَا جَارِيَةً, يُنْبِعُهَا تَعَالَى فِي أَرْضٍ وَيُسوقُهَا إِلَى أُخْرَى رِزْقًا لِلْعِبَادِ، قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا الْخَلْقُ الْعَظِيمُ وَهَذَا التَّدْبِيرُ الْمُحْكَمُ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّنَا لَمْ نُخْلَقْ عَبَثًا وَلَنْ نُتْرَكَ سُدًى، وَإِنَّمَا خُلِقْنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَنَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَقَدْ وَعَدَنَا وَهُوَ الصَّادِقُ بِالْجَزَاءِ الْعَظِيمِ، وَتَوَعَّدَ مَنِ اتَّبَعَ الشَّيْطَانَ بِالْخَسَارَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ سُبْحَانَهُ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.

فَاَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه، اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لَنَا وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْعَدْلِ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَنَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَا وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَبِيدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللَّهُمَّ أَتِمَّ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ يَا رَبَّ العَالمَينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

المشاهدات 967 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا