بالصدقة يرفع البلاء

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة ... في الجُمَع الماضية بيَّنَّا كيف أنّ من أهم أسباب دفع البلاء بعدَ التوكلِ على الله والظنِّ به سبحانه ظناً حسناً، اللجوءُ إليه ودعاؤه واستغفاره وملازمة ذلك سراً وجهراً ليلاً ونهاراً، ولْنعْلم أن الصدقةَ مِن أهمِّ أسباب دفع البلاء قبل وقوعه وبعد وقوعه، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء فقال (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) والفائدة من هذا الحديث أن الصدقةَ تدفَعُ العذاب.

وللصدقة تأثيرٌ عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل مِن كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه.

وفي الصدقة فوائدُ ومنافع لا يحصيها إلا الله؛ فمنها أنها تقي مصارعَ السوء، وتدفع البلاء حتى إنها لتدفَعُ عن الظالم.

أيها الأحبة:

وفي شأن الأمراض والأوبئة خاصة نجد قوله صلى الله عليه وسلم (وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ) والمقصود من الصدقة أن المريض يشتري نفسه من ربه سبحانه بقدر ما تساوي نفسه عنده، والصدقة لا بد لها من تأثير على القطع؛ لأن المخبر صلى الله عليه وسلم صادق، والمخبَر عنه كريم منان. ويذكر بعضُهم أن رجلاً سأل ابن المبارك عن قرحة في ركبته لها سبع سنين، وقد أَعْيَتْ الأطباء، فأمره بحفر بئر يحتاج الناس إليه إلى الماء فيه، وقال: أرجو أن ينبع فيه عين فيمسك الدم عنك. وقد تقرح وجه أبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك قريباً من سنة فسأل أهل الخير الدعاء له فأكثروا من ذلك، ثم تصدق على المسلمين بوضع سقاية بنيت على باب داره وصب فيها الماء فشرب منها الناس، فما مر عليه أسبوع إلا وظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان.

كيف لا يكون ذلك؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم (الْمَعْرُوفُ إِلَى النَّاسِ يَقِي صَاحِبَهَا مَصَارِعَ السُّوءِ، وَالْآفَاتِ، وَالْهَلَكَاتِ)

حين فزع الناس لكسوف الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم (فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا).

أقول قولي هذا وأستغفر الله..

 

 

الحمد لله جعل الصدقة تُطفئ غضَبَه، وتمحو خطايا بني آدم وتُذهِبُ نارَها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أخبرنا أنّ من السبعةِ الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

معاشر المؤمنين ... اتقوا الله حق التقوى (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ).

كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ (لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ) فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.

أيها الإخوة .. والشيء بالشيء يُذكر فإنّه لما أعلنت الجهات المختصة محدودية عدد الحجاج هذه السنة جمعاً بين مقاصد الشريعة في حفظ النفوس من انتشار هذا الوباء، وتلبيةً لنداء المولى جل وعلا بالحج، فإنّي أذكر كلام الإمام أحمد رحمه الله حينما سُئل: أيحج نفلاً أم يصل قرابته؟ قال: إن كانوا محتاجين يصلهم أحب إلي، ونقل ابن هانئ في هذه المسألة أنه قال: "ضَعُهَا فِي أَكْبَادِ جَائِعَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ. وذكر ابن الجوزي رحمه الله في "كتاب صفة الصفوة" عن بشر بن الحارث: الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد.

فعلى من لم يستطع الحج أن يستحضر مثل هذه النصوص ويحتسب في دفع صدقاته لعل الله عز وجل يقبل منا ومنه، ويصرف عنّا هذا الوباء وهذه النذر التي توالت.

اللهم ادفع عنا كل بلاء ووباء وفتنة وشر..

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

المشاهدات 1212 | التعليقات 0