( بادروا بالأعمال) وطرق تقوية المبادرة .

HAMZAH HAMZAH
1442/01/16 - 2020/09/04 13:42PM

خطبة : ( بادروا بالأعمال)
وطرق تقوية المبادرة .
جامع الفهد - محايل عسير
د . حمزة آل فتحي
.....

‏الحمدُ لله رب العالمين ، وليِّ الصالحين، وخالقِ الخلق أجمعين ، حض ربُّنا تعالى على المسارعة ، وندَبنا إلى المسابقة { وفِي ذلك فليتنافس المتنافسون }.
وصلّى الله وسلم على نبينا محمد القائل :{ بادروا بالأعمال }.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
اما بعد : فاتقوا الله يا أولي الألباب ، مَن فقهوا الحياة ، وعاينوا شرها وخيرها...{ ومن يتقِ الله يكفر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا }.
معاشرَ المسلمين :
أُمرَ الصحابة ذاتَ مرة أن يتصدقوا، يقول الفاروق عمر رضي الله عنه: ووافق ذلك مني مالاً، فقلت: اليومَ أسبقُ أبا بكر. قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيتَ لأهلك؟ فقلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال - صلى الله عليه وسلم - له: ما أبقيتَ لأهلك؟ قال: أبقيتُ لهم الله ورسوله، قال عمر: "لا أسبقه إلى شيء أبدًا" .

وهكذا هم المُجدون في الحياة، والمسارعون إلى الله ، والمبادرون إلى راحتهم ونجاتهم ...
همُ المجدونَ شقوا المجد والسبلا... وقدموا للمصير الحقِّ ما جملا
همُ المجدونَ لا عجزٌ ولا خورٌ...تراهمُ الغيثَ منثورًا وقد حللا

يا مسلمون :
نحنُ في زمن المهلة ، وأوقات الراحة والسعة.. وفي دار الإبتلاء ، والمسلمُ مندوبٌ إلى العمل والمسارعة في الخيرات .. يقول تعالى :{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة .. }
وتصور كيف أن سباقنا في الدنيا مستديم ، وتقاتلَنا عليها متزايد ، لكأنها خلودُنا الباقي ، ومصدرُ عزنا وفلاحنا .،!!
وينسى كثيرٌ منا الموت والقيامة، والمصير والمعاد ، وحسابه المرصود، وعودته إلى ربه ، قريبا أو بعيدا ..{ وتركتم ما خوّلنكم ورا ظهوركم }.
كل مجموعٍ متنازعٍ عليه، ستغادره وتاتي إلى الله فردا ..!

‏وإذا كانت الدنيا مغريةً ، ووعينا المسارعةَ والمسابقة ، وكنا أصحابَ جلَدٍ فيها ، فلنحذر ولنتعظ .. ولتكن المسارعةُ على الأعمال الصالحات ، والقربات النافعات ،كما قال عز وجل :{ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} .
وهي الجديرة بالتنافس والتسابق .
وأخرجَ مسلمٌ رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال
:{ بادروا بالأعمال فتنًا ، كقطع الليل المظلم، يُصبح الرجلُ مؤمنا ويمسي كافرا ، ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا ، يبيعُ دينه بعَرضٍ من الدنيا }.
فيا لله .. كم نحن في غفلة ، ولم نستشعر خطرَ هذه الحياة ، وخطر فتنتها، التي تستلبُ العقول وتنطمسُ معها البصائر ، ولا مخرجَ منها إلا بالأعمال الصالحات، والحسنات الطيبات ...!
والحديثُ يقول :" بادروا بالأعمال " أي سارعوا واهتبلوا الفرص، ‏
وبادروا لا تتكاسلوا ..
وسابقوا ولا تكونوا ممن سوّف أو تردد أو أخر ....
تسبيحةٌ ترفعك، وصدقةٌ تظلّلك، وإماطةُ أذى تُسعدك.... فلمَ الانتظارُ والتأخر ...؟!
قال الله في مدح المسارعين
:{ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ، ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين }.
ومما يقوّي المبادرة ويحضّ عليها خوفُ الفتن، وخوفُ وقوعها ، فإنها إذا وقعت ، حرَمت ومنعت، وشَغلت المرءَ بهولِها وشرها ...!
قال تعالى :{ واتقوا فتنة لا تُصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة}.
أي تعُم فتُفني ، وتقع فتُعمي وتُصم ، عافانا الله وإياكم من ذلك .
ويقويها تأملُ الناس ، وهلاكُهم ومصارعُهم ، وتذكرُ ما عند الله، من ثوابٍ زاخر، وجنانٍ باهرة...!
{ فلا تعلّم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }.
هنالكَ جناتٌ أُعدت وأُزلفت... لأربابِ صدقٍ كانوا بالأمس قُوّما

ولذلك عقّبها الحديث بالتحذير من الفتن ، ووصف عليه الصلاة والسلام، تلكم الفتن المُدلهمات ، وهذه المحن القاتلات ، "فتنا كقِطعِ الليل المظلم" '..!
هل جربتم سوادَ الليلَ وأحسستم بفقدانِ النور والكهرباء ..؟! كيف تختلطُ الأمور ، ويغتمُّ الناس...؟!
فكذلك الفتن ، كالظلام الدامس، وكالليل البَهيم، حيرةً وغما وضياعا وضلالا ...
اللهم جنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن....
أقولُ قولي هذا وأستغفر الله...
—— —-

الحمدُ لله رب العالمين ، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأصلي وأسلم .....

أيها الإخوةُ الكرام :

‏ومن شؤمِ الفتن ، وسوئها ، و سوء عاقبتها أن تؤثرَ على دين الناس ، وتعكر إيمانهم..
" يصبح الرجل فيها مؤمنًا ، ويمسي كافرا ،ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ،يبيعُ دينَه بعرَضٍ من الدنيا".

حيث يتقلبُ الناسُ مع مصالحهم ، وتضعفُ عقائدُهم ، ويسقطون في مراتع الدنيا ، التي تحملُهم على بيع دينهم بعرض من الدنيا قليل .
فيا غبنَ البائع ،ويا حسرةَ المستفيد،! أيُّ فائدة تعود على الإنسان ، إذا خسر دينَه ، وتشبثَ بدنياه...
" اللهم لا تجعلِ الدنيا أكبر َ همنا، ولا مبلغ علمنا ".
والواجبُ يا مسلمون : تقوى الله، وبدارُ النفس ومجاهدتها ، وحملُها على المسارعة قبل حصول الفتن، ونزول الأرزاء ، التي تَعصفُ وتخطفُ وتجرفُ ..

ومما يعينُ على المبادرة في روح المسلمَ : الاطلاعُ النافع، وصحبةُ المسارعين الصلحاء، والتباعدُ عن مواطن الفتن ، وسؤالُ الله الإعانةَ والثبات ، وكثرة الذكر والاستغفار .
ومن محاسن الأدعية النبوية :
{ اللهم اهدني وسددني } و{ اللهم أعني على ذكرك وشكرك } و { اللهم يا يا مقلبَ القلوب ثبت قلبي على دينك }.
فتعلمها، وعلمها اهلك وابناءك....

وصلوا وسلموا يا أبرار على السيد المختار....


المشاهدات 653 | التعليقات 0